لماذا يصر الرئيس بوتين على توريد الغاز الروسي لأوروبا بالروبل؟
نشرت في: 01/04/2022 – 20:05
بموازاة الحرب على أوكرانيا، اختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدخول في “حرب الغاز” مع الدول الأوروبية التي تستورد كميات وفيرة من هذه المادة الضرورية سواء للحياة اليومية لمواطنيها أو لبعض صناعاتها كما هو شأن ألمانيا. فردا على العقوبات التي فرضت على بلاده بسبب اجتياح البلد الجار أوكرانيا، يصر بوتين على بيع الغاز الروسي لما أسماه بـ”الدول غير الصديقة” بالروبل. فما الذي يدفعه إلى ذلك؟
يصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التمسك بمخططه في توريد الغاز إلى أوروبا مقابل الروبل. لم يمر أسبوع واحد على إعلانه هذه الخطوة التي تثير قلق الأوساط الغربية، حتى عاد الخميس ليؤكد من جديد على أن المهلة التي قدمتها موسكو للدول “غير الصديقة” على مشارف نهايتها.
وكان بوتين أعلن خلال اجتماع للحكومة بثه التلفزيون الروسي في 23 مارس/آذار أنه قرر “تطبيق سلسلة من الإجراءات لتحويل الدفعات مقابل إمداداتنا من الغاز إلى الدول غير الصديقة إلى الروبل الروسي”.
وبعد توقيعه مرسوما بهذا الصدد الخميس، قال بوتين في تصريحات بثها التلفزيون: “عليهم فتح حسابات بالروبل في مصارف روسية. ستُسدد المدفوعات من هذه الحسابات مقابل عمليات تسليم الغاز اعتبارا من يوم غد، الأول من أبريل/ نيسان”.
وبلهجة تحذيرية، أكد الرئيس الروسي أن التخلف عن الدفع بهذه الطريقة سيؤدي إلى “إيقاف العقود القائمة”، موضحا أنه “إذا لم تتم هذه المدفوعات، سنعتبر ذلك مخالفة للواجبات من قبل المشتري، وستترتب عن ذلك كل العواقب اللازمة”.
وكان الروبل الروسي قد خسر نصف قيمته في غضون أيام من عزل البنوك الروسية الرئيسية عن شبكة المعاملات المالية الدولية (سويفت)، وشل الجزء الأكبر من احتياطي النقد الأجنبي الخاص بالبنك المركزي الروسي البالغ 630 مليار دولار. لكن العملة الروسية تعافت كثيرا في الأيام الأخيرة لتعود إلى مستواها تقريبا قبل اجتياح أوكرانيا.
من المستهدف؟
المستهدف الأول من هذه الخطوة الروسية، التي تأتي في سياق حرب اقتصادية موازية للحرب على أوكرانيا، هي الدول التي تصفها موسكو بـ”البلدان غير الصديقة” بينها بلدان الاتحاد الأوروبي. ونشرت موسكو مطلع مارس/آذار قائمة بأسماء هذه الدول، تضم أيضا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا واليابان والنروج وأستراليا وسويسرا وتايوان وكوريا الجنوبية.
وقوبلت هذه الخطوة التصعيدية من موسكو تجاه القارة العجوز انتقادات قوية من الدول الأوروبية التي تدفع قيمة الغاز الروسي باليورو في أغلب الأحيان، معتبرة أن موسكو ليس من حقها تغيير العقود، كما رفضت دول مجموعة السبع الصناعية المطلب الروسي هذا الأسبوع. وتعتبر ألمانيا أكبر مستورد للغاز الروسي على الصعيد الأوروبي، وتأتي بعدها فرنسا.
وترفض باريس وبرلين هذا “الابتزاز” الروسي، وأعلنتا الخميس أنهما “يستعدان” لاحتمال توقف وصول الغاز الروسي إلى أوروبا. وقال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الألماني روبرت هابيك في برلين الخميس إنه: “من الممكن أن يستجد وضع غدا لن يعود فيه غاز روسي” قبل أن يضيف: “علينا الاستعداد لهذه السيناريوهات، ونحن نستعد لها”. وأكدت برلين وباريس في الوقت نفسه رفضهما دفع ثمن إمدادات الغاز الروسي بالروبل.
ومن جهته، لفت المستشار الألماني أولاف شولتز خلال مؤتمر صحافي عقده الخميس في برلين إلى أنه “تنص العقود على أن المدفوعات تُسدد باليورو وأحيانا بالدولار”. وأضاف: “قلت للرئيس الروسي بوضوح أن الأمر سيبقى كذلك”، وأن “الشركات ترغب في التمكن من الدفع باليورو وستفعل ذلك”. من جانبه، قال لومير بهذا الصدد إن “العقود تنص على عملة تنفذ بها، وبالتالي ينبغي تنفيذ العقود بالعملة المحددة”.
لماذا الدفع بالروبل؟
اختار بوتين الرد على العقوبات الغربية ببيع الغاز مقابل الروبل “لأجل الالتفاف عليها، ثم للرفع من قيمة الروبل في أسواق العملة العالمية”، بحسب تصريحات المحلل المالي التونسي نادر حداد لفرانس24.
ولم تمس العقوبات حتى الآن أهم شريان حياة اقتصادي لروسيا، وهو مبيعات الطاقة إلى أوروبا، والتي قد تصل قيمتها إلى 500 مليون يورو (555 مليون دولار) يوميا بالأسعار الحالية.
ويوضح حداد أن الدول الأوروبية “لا تتوفر على هذه العملة الروسية، لأنها ليست من العملات التي تستعمل كاحتياطي، ما سيجبرها على شراء الروبل بالدولار أو اليورو وهو ما سيؤدي إلى الرفع من قيمة الروبل”، معتبرا أن هذه الخطوة “رد جد ذكي” من بوتين.
لكن يبدو أن الدول الأوروبية لا يمكنها أن تدخل مع بوتين في هذه العملية كما خطط لها لوحده. فهي “صعبة” يقول حداد، وإن كان استفاد الروبل مؤخرا من الوضع القائم بقيام “شركات ومتعاملين مع السوق الروسية بشرائه، الشيء الذي نتج عنه تحسن في سعر العملة”.
وترغم روسيا اليوم المصدرين بما فيهم مجموعة غازبروم العملاقة على تحويل 80% من إيراداتها إلى الروبل. وسمح هذا الإجراء مع رفع معدل الفائدة الرئيسية إلى 20%، بإنعاش العملة الروسية. وبعد انهيارها في أعقاب شن الهجوم على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط، عادت اليوم إلى مستويات غير بعيدة عن تلك التي كانت عليها قبل الهجوم.
وإذا تمت عملية بيع الغاز الروسي وفق ما يرغب فيه بوتين، فهذا “سيلحق أضرارا بالنمو الاقتصادي في منطقة الاتحاد الأوروبي وباليورو خاصة” يوضح حداد. أما بالنسبة للدولار، “فالولايات المتحدة ضخت في الأسواق 180 مليون برميل وفرضت عقوبات على توريد المحروقات من روسيا بصفة عامة، والدولار اليوم في صحة جيدة”.
وحسب حداد دائما، هذا التحول المفترض سيؤثر، إذا ما حصل، “على سعر الغاز وإن كان مرتبطا أكثر بالتحولات الطارئة بمحيطه. وقد ارتفع بشكل كبير بعد اندلاع الحرب. لأنه كما هو شأن المحروقات عموما يتأثر بحالة عدم الاستقرار إن كان أمنيا أو سياسيا في مناطق الإنتاج، باعتبار أن نقله يكون مهددا بعوامل الحرب”.
وترفض الدول الأوروبية حتى الآن الاستجابة لرغبة بوتين في الدفع بالروبل لمواصلة توريدها بالغاز الروسي، ويشير حداد إلى أنها وجدت كحلول آنية لمواجهة هذا الوضع الطاقي الجديد: “تفعيل المخطط باء لتوريد الغاز، ويتمثل في إيجاد خطوط إمداد بديلة، وتخفيض الاستهلاك مع استخدام الاحتياطي”.
بوعلام غبشي
مصدر الخبر
للمزيد Facebook