بعد مضي ستين عاما على توقيع اتفاقيات إيفيان.. كيف تبدو العلاقات الجزائرية الفرنسية؟
نشرت في: 10/03/2022 – 20:39
لا تزال العلاقات الجزائرية الفرنسية رهينة التقلبات وصخب الذاكرة والكلمات، حيث غالبا ما تملي فصولها رهانات سياسية داخلية، رغم مضي ستين عاما على انتهاء حرب الاستقلال التي مهد لها توقيع اتفاقيات إيفيان في 18 مارس/آذار 1962. فعلاقة الجنرال ديغول مع القادة الجزائريين الجدد كانت جيدة، واستمرت مع خلفه جورج بومبيدو، ثم فرانسوا ميتران، وصولا إلى إيمانويل ماكرون الذي فتح باب المصالحة أكثر من أي وقت سابق، رغم تراجع سببته تصريحاته في سبتمبر/أيلول 2021، تقلصت معها الآمال بحصول تقارب فعلي.
بعد مرور ستين عاما على انتهاء حرب الاستقلال، تبقى العلاقة بين الجزائر وفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، متقلبة، على وقع صخب الذاكرة والكلمات، وتملي فصولها أحيانا رهانات سياسية داخلية.
وفي السياق، قال الباحث في شؤون دول المغرب لوي مارتينيز من معهد الدراسات السياسية “سيونس-بو” في باريس، “بشكل عام، وعلى الرغم من المظاهر والانتقادات، كانت العلاقة ثابتة ومتوازنة، بالنظر إلى الوضع الاستعماري وما بعد الاستعمار”.
وفي 18 مارس/آذار 1962، تم التوقيع في إيفيان في فرنسا على اتفاق وقف إطلاق النار الذي مهد لاستقلال الجزائر. وقامت علاقة جيدة بين القادة الجزائريين الجدد آنذاك والجنرال شارل ديغول الذي كان يحظى باحترام لديهم لأنه فتح الطريق أمام وضع حد لاستعمار بلاده للجزائر. واستمرت كذلك مع خلفه جورج بومبيدو، ثم مع فرنسوا ميتران، رغم أن هذا الأخير كان وزير داخلية في بداية الانتفاضة الجزائرية في 1954.
من جهته، قال أستاذ التاريخ في جامعة السوربون بيار فيرمران “كان ميتران محاطا بأشخاص من الحزب الاشتراكي مؤيدين كلهم لجبهة التحرير الوطني”، رأس الحربة في معركة تحرير الجزائر، و”عرف كيف يقدّم نفسه على أنه رجل العلاقات المميزة مع هذا البلد”. ومع استقلال الجزائر، سمح لفرنسا بأن تواصل تجاربها النووية في الصحراء الجزائرية حتى 1967. كما نفذ الجيش الفرنسي تجارب كيميائية فيها سرا حتى 1978.
“عدو تقليدي وتعاون سري”
وفي 1992، ندد فرانسوا ميتران بتعليق العملية الانتخابية في الجزائر بعد فوز الإسلاميين في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، فردت الجزائر باستدعاء سفيرها للتشاور. وبعد انتهاء أحداث ما يعرف بـ”العشرية السوداء” في الجزائر عام 2000، اختار الرئيس الجزائري الجديد آنذاك عبد العزيز بوتفليقة، رغم أنه كان قريبا من فرنسا، اعتماد خطاب مناهض لها.
وضمن هذا الإطار، قال فيرمران “تناسوا مساعدة فرنسا لهم في محاربة الإسلاميين، بهدف استعادة الميدان العقائدي والسياسي بعد الحرب الأهلية، وعادوا إلى عدوهم التقليدي”. وطورت المنظمة الوطنية للمجاهدين ( محاربو حرب التحرير) ومنظرو النظام خطابا أكثر حدة حول “الإبادة” الفرنسية خلال الاستعمار. وبعد عشرين عاما، ورغم “الحراك” الشعبي غير المسبوق الذي ساهم في إسقاط بوتفليقة، لا تزال السلطة تستمد شرعيتها من حرب التحرير.
لكن، وبعيدا عن الخطاب الرسمي وبعيدا عن الأضواء، يتواصل التعاون بين البلدين. ففي 2013، أعطت الجزائر موافقتها سرا على تحليق الطائرات العسكرية الفرنسية التي كانت تخوض حربا ضد الجهاديين في مالي، فوق أراضيها. وفي هذا الشأن، قال نوفل إبراهيمي الميلي، واضع كتاب “فرنسا والجزائر: ستون عاما من القصص السرية”، “العلاقات الفرنسية الجزائرية جيدة عندما تكون سرية. وتصبح صدامية في العلن”.
وبدأت العلاقات بشكل جيد مع إيمانويل ماكرون، أول رئيس فرنسي ولد بعد حرب الجزائر. في فبراير/شباط 2017، وبينما كان مرشحا للانتخابات الرئاسية، أثار تصريحه من الجزائر الذي قال فيه إن الاستعمار “جريمة ضد الإنسانية”، ضجة كبرى. وبعد انتخابه، قام ماكرون بسلسلة مبادرات من أجل تنقية الذاكرة بين البلدين، سعيا لمصالحة بين الشعبين.
لكن ماكرون لم يذهب إلى حد تقديم اعتذار عن الاستعمار، وهو موضوع حساس للغاية في فرنسا حيث يجد الخطاب القومي المتطرف مزيدا من الآذان الصاغية.
وفي سبتمبر/أيلول 2021، تقلصت الآمال بحصول تقارب بعد تصريح لماكرون انتقد فيه “النظام السياسي العسكري” الذي يقوم على “ريع الذاكرة”، مشيرا إلى أن “الأمة الجزائرية” لم تكن موجودة قبل الاستعمار في 1830. وردّت الجزائر باستدعاء سفيرها.
“الجزائر ستصوت لماكرون”
وتبدو العلاقة وكأنها تهدأ اليوم مجددا قبل وقت قصير من الانتخابات الرئاسية الفرنسية في أبريل/نيسان التي سيشارك فيها سبعة ملايين من الفرنسيين الذين غادروا الجزائر بعد الاستقلال والمهاجرين الجزائريين إلى فرنسا والحركيين (المقاتلين الجزائريين الذين حاربوا إلى جانب الجيش الفرنسي) والمحاربين الفرنسيين القدامى الذين قاتلوا في الجزائر، أو المتحدرين منهم.
ويقول الميلي: “الجزائر ستصوت لماكرون. الجزائريون مقتنعون بأن ماكرون في ولاية ثانية سيكون أكثر إقداما”. ويقول السفير الفرنسي سابقا في الجزائر كزافييه درينكور، واضع كتاب “المعضلة الجزائرية” (بالفرنسية)، “لا يريدون فاليري بيكريس وخطابها اليميني، ولا يريدون بالتأكيد (إريك) زمور أو مارين لوبان”، مرشحي اليمين المتطرف. رغم ذلك، لا يزال العمل المطلوب كبيرا. فاليد الممدودة من جانب ماكرون على صعيد العمل على تنقية الذاكرة، لم يقابل بالمثل من الجانب الجزائري.
وأصبحت الصين الشريك التجاري الأول للجزائر التي اقتربت أيضا من تركيا وطوّرت شراكتها العسكرية مع روسيا. ويقول مارتينيز: “العلاقة الفرنسية الجزائرية تعود إلى الانطلاق من نقطة الصفر. كل شيء يعود إلى الطاولة، وهناك محاولة لتحديد الأمور التي يمكن الاتفاق عليها”. ويبدو درينكور أكثر تشكيكا “لا بد من أن نكون اثنين لبناء علاقة”. هل ستوافق الجزائر على ذلك بعد الانتخابات؟ يجيب “لست متفائلا كثيرا”.
فرانس24/ أ ف ب
مصدر الخبر
للمزيد Facebook