صورتان تثيران الشكوك حول قيام مرتزقة “فاغنر” بتدريب جنود ماليين
نشرت في: 26/11/2021 – 18:20آخر تحديث: 29/11/2021 – 17:03
تدعي صورتان يتم تداولهما على وسائل التواصل الاجتماعي وفي مجموعات مخصصة لشركات عسكرية روسية خاصة على تطبيق تلغرام أنهما تظهران جنودا من الجيش المالي يتلقون تدريبا من مدرب روسي من المرجح أن يكون أحد أفراد شركة الأمن الخاصة “فاغنر”. ولكن عدة عناصر تثير الشكوك حول هاتين الصورتين هل التقطتا فعلا في مالي: إذ تشبه البناية الظاهرة في الصور قصر إمبراطور أفريقيا الوسطى السابق بوكاسا كما يبدو أن عملية نشر الصور أشرفت عليها عدة قنوات مقربة من روسيا.
في الوقت الذي أعلنت فيه فرنسا تخفيض وجودها العسكري في مالي، كشفت وكالة رويترز البريطانية للأنباء أن الحكومة المالية كانت في مفاوضات في أيلول/ سبتمبر الماضي مع الشركة العسكرية الروسية الخاصة “فاغنر” ما أدى إلى غضب في باريس. وفي 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، نفى كل من وزير الشؤون الخارجية في مالي عبدولاي ديوم ونظيره الروسي سيرغي لافروف وجود أي عقد بين مالي وشركة “فاغنر” لكنهما أكدا في المقابل وجود تنسيق أمني بين البلدين.
وتظهر إحدى الصورتين اللتين يتم تداولهما ونشرتا في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر على تويتر جنديين أمام واجهة بناية مهجورة ويرافقهم رجل مسلح يشير لهما إلى المكان الذي يجب أن يطلقا النار باتجاهه. ويمكن أن نرى على كتف أحد الجنديين شارة خاصة بالقوات المسلحة المالية (FAMa). وعلى الحائط نرى رسما جداريا يمكن أن نقرأ عليه العبارة التالية بالإنكليزية “Welcome to Malinki” (مرحبا بكم في مالينكي).
التعليق المرافق لتغريدة الصورة المنشورة في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر عند الساعة السابعة والربع مساء يقول “ميليشيات صورية ظهرت فجأة في البلاد”.
ويعرف صاحب الحساب الذي نشر الصورة ” everse Side of the Medal (RSOTM)” بأنه يمثل جماعات “المرتزقة” على وسائل التواصل الاجتماعي. ويقوم بإدارته فلادين تاترسكي وهو اسم مستعار يستخدمه مقاتل في دونيتسك المعلنة من طرف واحد والتي تقع في شرق أوكرانيا. ويدير تاترسكي أيضا قناة على تطبيق تلغرام وأخرى على يوتيوب يتابعه من خلالها أكثر من 27 ألف شخص وينشر فيها صورا لعسكريين ومقاتلين يعملون لصالح شركات عسكرية روسية خاصة في الخارج. ويطلق على هؤلاء المقاتلين “الموسيقيين” في إشارة للشبكة العسكرية الروسية “فاغنر”، والتي يعرف بأن مرتزقتها قد نشطوا في أوكرانيا وسوريا وليبيا وأفريقيا الوسطى.
ولكن بحثا عكسيا عن الصور (انظر هنا كيف يمكن القيام به) يظهر أن هذه الصورة ليست النسخة الأولى منها التي تنشر على الإنترنت. إذ أنها نشرت في السابق على فيس بوك من حساب لشخص يدعى موسى دمبيلي ومرفقة مع صورة أخرى لنفس الأشخاص الثلاثة.
الصورة الأصلية نشرت في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر عند التاسعة وخمس وأربعين دقيقة صباحا من قبل موسى دمبيلي على فيس بوك. صورة من فيس بوك.
“تشابه كبير مع القصر السابق لبوكاسا في أفريقيا الوسطى”
ولكن منذ نشرها، فإن هذه الصورة أثارت شكوكا حول مكان التقاطها. حيث أكد عدة أشخاص أنها التقطت في الحقيقة في أفريقيا الوسطى وبالتحديد في القصر السابق للإمبراطور بوكاسا في منطقة بيرنغو حيث يشرف مدربون روس على تمارين للقوات المسلحة في أفريقيا الوسطى منذ عام 2018.
Cette photo suggère que des #Wagner ont commencé à entraîner des soldats maliens. Selon sources, cette photo aurait été prise à Berengo, ex palais de Bokassa et auj. QG des Wagner en #RCA. Il s’agirait de centrafricains déguisés en soldats maliens pour le compte de la comm’ russe pic.twitter.com/rLbBnthffQ
— Sabr Jendoubi (@Sabr_Jendoubi) November 12, 2021
وحسب عدة مصادر، فإن الغطاء النباتي العالي يشبه أكثر ذلك الموجود في أفريقيا الوسطى أكثر منه في أحد بلدان غرب أفريقيا على غرار مالي. زد على ذلك أن الأزياء العسكرية للجنود الماليين وعساكر أفريقيا الوسطى متشابهة: حيث يستخدم جيشا البلدين ألوان التخفي “إم81 وود لاند” (m81 woodland) حسب قاعدة البيانات للأزياء العسكرية “كامو بيديا”.
فيما أكدت عدة مصادر تعرف قصر بيرنغو بينهم أحد أبناء الإمبراطور بوكاسا جان سيرج بوكاسا بالإضافة إلى عدة صحافيين أجروا تقارير صحفية في عين المكان وجود تشابه كبير بين الحائط الظاهر في الصورة مع الجدران المتهالكة في قصر بوكاسا السابق.
وقمنا بمشاهدة مقاطع فيديو لقصر بيرنغو لعدة ساعات. وبالفعل تحمل البناية عناصر تشابه كثيرة مع تلك التي نراها في الصورة. ويمكن أن نجد كثيرا منها في بداية تقرير تلفزيوني لقناة الجزيرة القطرية بث في نيسان/ أبريل 2019 بعنوان “الحضور الروسي في أفريقيا.. من داخل مركز التدريب العسكري في جمهورية أفريقيا الوسطى” والذي صور في منطقة بيرنغو:
هذه الصور الثلاث الملتقطة من الشاشة من ريبورتاج مصور من قبل قناة الجزيرة في بيرنغو يظهر عناصر تذكرنا بتلك الموجودة في الصورة التي تدعي أنها تظهر مدربا عسكريا روسيا في مالي: على غرار الخط البني في أسفل الجدار (على اليسار) وشكل الجدران مع أسفلت الذي يغطي قطع الآجر (في الوسط) والإطار الأبيض للشبابيك (على اليمين). صورة التقطت من شريط وثائقي بث على قناة الجزيرة.
وفي مقطع الفيديو، نعثر على سبيل المثال على إطارات بيضاء حول الشبابيك وخط بني متفسخ نوعا ما في أسفل الجدران بالإضافة إلى الشكل العام للجدران من أسفلت رمادي في الخارج وقطع الآجر ذات اللون الطيني في الداخل وغياب السقف ونمو النباتات في داخل البناية وهو ما يتطابق مع صورة الجنود مع المدرب العسكري.
وفي اتصال مع فريق تحرير مراقبون، صرح المكلف بالإعلام في وزارة الدفاع المالية سليمان دبيلي أن الصورة “مزيفة”. وأضاف دبيلي أن “روسيا هي شريك لمالي مثلها مثل فرنسا وألمانيا”. ثم أكد فيما بعد أنه تعرف على الصورة حيث تعرف على بناية في منطقة كوليكورو بمالي تابعة لمركز تدريب خاص بمهمة الاتحاد الأوروبي لتدريب وإرشاد الجيش المالي (EUTM). ولكن حسب شهود اتصلنا بهم وتحولوا إلى عين المكان، فإن الجدار الموجود في الصورة محل شك فهو لا يتشابه مع جدران البناية الموجودة في كوليكورو. ورغم أن الموقع الموجود في كوليكورو يحتوي على بنايات مدمرة، إلا أنه لا وجود لأي حائط يشبه الجدار الموجود في الصورة محل البحث.
هل هي صورة تم نشرها بطريقة متعمدة؟
وإذا ما تابعنا عن قرب الحساب على فيس بوك الذي كان أول من نشر هاتين الصورتين، نرى أن صاحب الحساب أرفق الصور بتعليق يقول فيه إنه تلقى هذه الصور من قبل أصدقائه داخل القوات المسلحة المالية عبر تطبيق واتساب. ولم يجب صاحب هذا الحساب على الرسائل التي بعثها فريق التحرير.
وبدأ حساب فيس بوك موسى دمبيلي في النشاط من وقت قريب وبالتحديد في 24 أيلول/ سبتمبر 2021 تاريخ نشر أول صورة شخصية. ولا يوجد في قائمة أصدقائه سوى عشرة أشخاص وصورة الغلاف تتعلق بصورة صحراء في ناميبيا يمكن تحميلها من موقع لصور الهواتف. وتندد معظم منشوراته بالنفوذ الغربي والفرنسي في مالي وتدعم التحالف بين باماكو وموسكو.
ونشر حساب موسى دمبيلي هذه الصورة التي تظهر المدرب العسكري الروسي المزعوم على صفحات عدة مجموعات مهتمة بأخبار مالي وأرفقها بالتعليقات التالية “الروس بدأوا بالفعل بتدريب أبنائنا، أحسنتم تحيا مالي”. وتم تناقل هذه الصورة من قبل حسابات أخرى على فيس بوك أيضا على منصة “ريديت” والتي كانت مرفقة بنفس العبارات:
على اليسار، صورة ملتقطة من الشاشة لمنشور على فيس بوك نشر على تطبيق ريديت في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر. على اليمين، منشور على حساب موسى دمبيلي في نفس اليوم مع نفس التعليق بالضبط. صور من ريديت وفيس بوك.
ومنذ شهرين، كان نفس هذا الحساب على موقع “ريديت” قد نشر أيضا تدوينة أخرى من حساب موسى دمبيلي مع صور أخرى تدعي أنها تظهر مدربين عسكريين روس في مالي.
ورغم أن الصور المنشورة على حساب موسى لم تحظ سوى بعدد قليل من علامات الإعجاب، إلا أنه تم تداولها في نفس اليوم وبعد بضع دقائق فقط على مواقع إلكترونية لوسائل إعلام روسية مقربة من الكرملين مع رابط يحيل مباشرة إلى المنشور على فيس بوك.
في اتصال مع فريق تحرير مراقبون، أكد باحثان مختصان في النفوذ الروسي على وسائل التواصل الاجتماعي أن الطريقة التي نشرت بها الصور تتطابق مع “استراتيجية دعاية مصطنعة كليا”.
ومن بين وسائل الإعلام العشرة التي أعادت نشر الصور، نجد ” IA Rex” وهي شريك رسمي لشبكة “باتريوت” الإعلامية التي يرأسها يفغيني بريغوجين. ويتهم هذا الأخير الذي يطلق عليه “طباخ بوتين” بالمسؤولية على عملية تضليل واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في سنة 2016. وحسب الصحافة، فإن يفغيني بريغوجين نفسه هو من يتولى رئاسة الشركة العسكرية الروسية الخاصة “فاغنر”.
زد على ذلك أن أنشطة مجموعة “فاغنر” تكون مرفوقة عادة بحملات اتصالية. ففي أفريقيا الوسطى، قام المدربون العسكريون الروس بتوزيع قمصان تحمل صور المرتزقة على جنود أفريقيا الوسطى. كما تم بث فيلم يمجد عمل المدربين العسكريين الروس في أفريقيا الوسطى في التلفزيون الروسي في أيار/ مايو 2021. وحسب وسيلة الإعلام الروسية المعارضة “ميدوزا”، فقد تم تمويل هذا الفيلم من قبل يفغيني بريغوجين.
الصورة معدلة
الصورة المنشورة على حساب “Reverse of the Medal” في تويتر ليس متطابقة تماما مع تلك التي نشرها موسى دبميلي: حيث تبدو الألوان أقل حيوية ولم يتم إخفاء الوجوه وخاصة عدم وجود الرسم الجداري “مالينكي” فيها. وتمكن أداة تحليل الصور Forensically من التأكد من الصورة المنشورة على حساب ” Reverse of the Medal” تعرضت للتعديل. فيما لا يبدو أن باقي عناصر الصورة على غرار شارة القوات المسلحة المالية وأكمام الجنود تعرضت للتعديل حسب هذه الأداة.
وبالنسبة إلى جاك مارغلين، الباحث في مركز دراسات الدفاع المعمقة (C4ADS)، فإن هذا التعديل لا يمكن أن يكون محض صدفة. وفي تغريدة على تويتر، يقول مارغلين أن قنوات على تطبيق تلغرام على غرار “Reverse side of the Medal” تلجأ عادة إلى اللعب بالكلمات من خلال ذكر عبارات روسية للإشارة لأماكن تدخل المرتزقة. فعلى سبيل المثال، عوض كتابة عبارة ” SAR” الاسم المختصر للجمهورية العربية السورية باللغة الروسية يمكن أن يكتبوا “”SARatov” وهو نفس اسم مدينة تقع في جنوب غرب روسيا. أما هنا، فيبدو اسم “ميلينكي” أشبه باسم معروف في روسيا.
زد على ذلك أن قناة “Reverse side of the Medal” على تلغرام لا تتردد في الترويج لأنشطة المرتزقة الروس في الخارج. حيث تنشر هذه القناة على تلغرم مقطوعات موسيقية مع صور التقطها هواة مع المقاتلين.
وفي السابق، نشرت قناة ” Reverse side of the Medal” أخبارا كاذبة: ففي شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2020، حاولت القناة إقناع متابعيها بأن المرتزقة الروس شاركوا في الحرب بين أرمينيا وأذربيجان في أقليم ناغورني قره باغ من خلال نشر صور أخرجت من سياقها.
الخلاصة
تمكن عدة عناصر من إثارة الشك بأن هذه الصور تظهر بالفعل مدربا عسكريا تابعا لشركة “فاغنر” في مالي. فالطريقة التي تم بها تداول الصور على وسائل التواصل الاجتماعي وتناقلها من قبل وسائل إعلام روسية ترجح إمكانية حدوث عملية مدبرة. زد على ذلك أن النباتات الموجودة في الصورة ترجح أنها التقطت في أفريقيا الوسطى أكثر منها في دول غرب أفريقيا. وأخيرا، فإن الجدار الظاهر فيها يحمل عدة عناصر تتشابه بقوة مع بناية لقصر بوكاسا في منطقة بيرنغو بأفريقيا الوسطى حيث يقوم مدربون عسكريون روس بالإشراف على تدريبات لجيش البلاد.
إلى حد الآن، لا يمكن التأكد بشكل قاطع بخصوص المكان الدقيق لالتقاط الصورة. ولا يمكننا استبعاد فرضية أن الجنود الماليين تنقلوا إلى أفريقيا الوسطى لتلقي تدريبات هناك أو فرضية أن هذا المدرب العسكري لا علاقة له أصلا بشركة “فاغنر”.
//platform.twitter.com/widgets.js
مصدر الخبر
للمزيد Facebook