النظرية الفرنسية التي تجذب اليمين المتطرف عالميا
نشرت في: 15/11/2021 – 16:06
غالبا ما يشير إليها مقدم البرامج التلفزيوني الأمريكي المثير للجدل تاكر كارلسون في برامجه على قناة فوكس نيوز، كما أنها حرضت أحد القوميين البيض لتنفيذ هجمات 2019 الإرهابية على مسجدين في كرايستشيرش بنيوزيلندا، أسفرت عن مقتل 51 شخصا. إنها نظرية “الاستبدال الكبير” التي ظهرت في فرنسا، لتنتشر على نطاق واسع بفضل الصحافي الفرنسي، المثير للجدل، إيريك زمور لاستخدامها في خطابه السياسي ذي النبرة اليمينية المتطرفة. فما هي بالضبط هذه النظرية وكيف ظهرت؟
“حساب معلق”…كلمتان بالخط العريض على حساب رونو كامو على تويتر، إذ تم منعه من النشر على المنصة التي استخدمها للمشاركة في النقاشات السياسية والدفع بقناعاته. وإن كانت شهرته الدولية تظل بعيدة عن تلك التي نالها الكاتب ألبير كامو، لكن نظريته اكتسبت صيتا عالميا.
في كتابه “الاستبدال الكبير”، الذي نُشر في عام 2011، طرح رونو كامو هذه العبارة التي أصبحت منذ ذلك الحين صرخة لحشد اليمين المتطرف عبر العالم. ويرفض كامو الإقرار بأن أقواله تحرض على الكراهية أو العنف، إلا أن شبكة التواصل الاجتماعي تويتر كان لها رأي آخر وقامت بتعليق حسابه في نهاية أكتوبر/تشرين الأول. وبعد أقل من أسبوع، وتحديدا في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني، تمت محاكمته للمرة الثانية في جنوب غرب فرنسا بتهمة التحريض على الكراهية العنصرية بعد نشر تعليقات مسيئة على تويتر في 2019.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، استأنف الحكم الصادر ضده، ومن المقرر أن يبث القضاء في القضية في 20 يناير/كانون الثاني 2022، فيما تم في الوقت الحالي تعليق حكم بالسجن ضده لمدة شهرين.
رونو كامو “لم يخترع شيئا”
تنسب نظرية الاستبدال الكبير، المتجذرة في القومية العنصرية، إلى نخبة صغيرة على أنها تحيك مؤامرة ضد الفرنسيين والأوروبيين البيض، بهدف استبدالهم في نهاية المطاف بأشخاص غير أوروبيين من أفريقيا والشرق الأوسط، معظمهم من المسلمين. وغالبا ما يتحدث رونو كامو عن “الإبادة الجماعية بالإنابة”.
ويعود تاريخ ظهور هذه النظرية إلى 1900، عندما تحدث أبو القومية الفرنسية موريس باريه عن شعب جديد سوف يستولي على السلطة وينتصر و”يدمر وطننا”.
وكتب في مقال نشر في صحيفة “لو جورنال” اليومية: “اسم فرنسا يمكن أن يبقى حيا، لكن الطابع الخاص لبلدنا سوف يدمر، والأشخاص الذين تم تنصيبهم باسمنا وعلى أراضينا سوف يتجهون نحو أهداف متناقضة مع أهداف واحتياجات أرضنا وموتانا”.
و”كانت معاداة السامية شائعة للغاية” في الوقت الذي كتب فيه موريس باريه كما يوضح أوريلين موندون، الباحث والمحاضر في السياسة في جامعة باث في جنوب غرب إنكلترا في حديث لفرانس24، مضيفا: “كان باريه يتحدث عن فكرة النقاء العرقي”، ولهذا السبب أصبحت نظرية استبدال السكان شائعة جدا لدى النازيين.
بعد الحرب العالمية الثانية، كان على اليمين المتطرف الفرنسي إعادة ابتكار خطابه للعودة للساحة السياسية مجددا، وذلك بالابتعاد عن العنصرية البيولوجية لصالح العنصرية الثقافية، ما ساهم في انتشار “نظرية الاستبدال” في سنوات السبعينيات والثمانينيات.
ويوضح موندون: “كان اليمين الجديد وبعض المثقفين الفرنسيين يحاولون إيجاد طرق للخروج من التهميش”. ومع مرور السنوات، انتشرت هذه الأفكار وسط معسكر اليمين المتطرف، الذي أصبح له حضور مهم في فرنسا مع توالي الأعوام، ما مهد الطريق لرونو كامو لنشر كتابه حول هذا الموضوع دون أن يُنظر إليه على أنه متطرف للغاية.
“رونو كامو لم يخترع شيئا”، يؤكد الباحث. “لقد جمع المفاهيم وخلق العبارة، (الاستبدال الكبير)، لكن نظريته تدخل في سياق، أكبر بكثير، ساهم في إعادة بناء اليمين المتطرف” في فرنسا.
التهرب من تهمة العنصرية
انتشرت نظرية “الاستبدال الكبير” في جميع أنحاء العالم، وأصبحت تحظى بشعبية كبيرة بين الحركات الهوياتية في أوروبا وداخل “اليمين البديل” الأمريكي. بالنسبة لأوريلين موندون، إن هذا الأمر أصبح ممكنا من خلال الطريقة التي كيّف بها اليمين المتطرف موقفه من العنصرية. بدلا من الحديث عن العرق، يركز الخطاب أكثر على الثقافات والسلطة الثقافية.
في مقابلة حديثة مع محطة “سي نيوز” التلفزيونية المصنفة بأقصى اليمين، قال رونو كامو إن نظريته لا تتعلق بالعرق، بل بالدفاع عن الحضارة. ويوضح أوريلين موندون أن “العنصرية لا تزال من المحرمات في مجتمعاتنا”. “لا أحد يريد أن يعترف بأنه عنصري ولا أحد يريد أن يُطلق عليه لقب عنصري”.
ويضيف: “الأشخاص الذين يشاهدون هذه المقابلة والذين سيستسلمون لهذا الذعر، لهذه الفكرة القائلة بأنه سيتم استبدالهم إثنوغرافيا، لا يريدون أن يُطلق عليهم اسم عنصريين وسيقولون إنهم يدافعون عن الحضارة”. “هذا النهج يمنحهم الاحترام بينما هم يروجون لأحكام عنصرية، ويحمون امتيازاتهم الخاصة”.
تحالفات غير طبيعية
كما انحاز رونو كامو إلى إريك زمور، كاتب العمود اليميني المتطرف المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة، الذي استوحى منه هذه النظرية، وساهم في انتشارها عبر العديد من تصريحاته وكتبه.
وإذا كان إريك زمور يدلي بتصريحات معادية للمثليين، فإن رونو كامو أصبح في السبعينيات من القرن الماضي رمزا للمثليين بعد إعلانه مثليته الجنسية. ونشر مقالات في الصحيفة الأسبوعية الفرنسية الموجهة للمثليين “LGBT + Gai Pied” ككاتب عمود، كما نشر سيرة ذاتية في 1979 بعنوان “الحيل”، وهي عبارة عن وصف تفصيلي لليلة واحدة في النوادي الليلية والشقق الصغيرة في أوروبا والولايات المتحدة.
وحسب أوريلين موندون ، فإن هذا التحالف غير الطبيعي ضروري لفهم كيف انتشرت نظريات مثل “الاستبدال الكبير” بسهولة. “الناس في اليمين المتطرف يتغذون على التناقضات. يمكن للمعادين للسامية أن يتحالفوا مع أشخاص يهود، لأنهما يتشاركان معاداة الإسلام، ويعتبرانها الأسمى في ترتيب الأولويات. وبنفس المنطق، فإن الأشخاص المعادين للسامية بشدة أو الذين يعادون الإسلام يتحالفون أحيانا مع أشخاص مسلمين بدافع كراهية اليهود”.
بالنسبة لليمين المتطرف، فإن عدم الامتثال للفهم المتفق عليه للأشياء هو قوة وليس نقطة ضعف. ويوضح الباحث موندون أن “هذا يدل على استعدادهم للتغلب على هذه التناقضات لكسب نقاط على مستوى الأجندة العرقية (….) هذا هو الهدف من اللعبة بالنسبة لهم”.
ديفيد ريش – بوعلام غبشي
مصدر الخبر
للمزيد Facebook