رب ضارة نافعة… عندما يدفع التغير المناخي دول الشرق الأوسط إلى التقارب
نشرت في: 04/11/2021 – 18:00
في الشرق الأوسط حيث يكون عادة للقضايا الجيو-إستراتيجية الأسبقية على القضايا البيئية، يبدو أن الاضطرابات المناخية قد باتت لها اليد العليا على مسار العلاقات بين دوله، ونحت قواعد اللعبة إلى التغير بدورها. فها هي دول المنطقة أمست تسعى إلى التعاون بعضها مع بعض من أجل مكافحة تلك الظاهرة التي تضعضع بنيانها جميعا بصورة غير مسبوقة.
دقت ساعة العمل الجماعي والتعاون في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، وذلك بمناسبة انعقاد قمة المناخ (COP 26)، التي افتتحت أعمالها في وقت سابق من هذا الأسبوع في مدينة غلاسغو الإسكتلندية، والتي من المفترض أن يركز فيها قادة العالم مجهوداتهم لمحاربة ظاهرة الاحتباس الحراري التي تضرب الكوكب برمته.
فقد باتت الاضطرابات المناخية المستمرة تثير وعيا متزايدا في هذه المنطقة المضطربة من العالم، حيث اعتادت الصراعات المتعددة والتوترات الجيو-إستراتيجية المستمرة على ترحيل القضايا البيئية إلى المستوى الثاني من الأولويات الحكومية. وأصبحت فيها انبعاثات غاز الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري أعلى من الانبعاثات المماثلة في الاتحاد الأوروبي.
خطورة الأوضاع دفعت كوستاس كاديس، وزير البيئة القبرصي، إلى التصريح بالقول يوم الثلاثاء 2 تشرين الثاني/نوفمبر إنه “يجب علينا أن نتصرف بشكل جماعي وحاسم وعلى أساس من المعرفة العلمية”. كان كوستاس كاديس يتحدث في جلسة عقدت في إطار أعمال قمة المناخ 26 والتي أعلن خلالها عن تنظيم اجتماع على المستوى الوزاري لبلدان المنطقة في شباط/فبراير 2022 المقبل بهدف الموافقة على خطة عمل للتعاون المناخي على مدار السنوات العشر القادمة.
وقال كاديس إنه من المتوقع أن يجتمع بعد ذلك رؤساء الدول المعنية في أوائل الخريف في قبرص للتصديق على البرنامج التنفيذي للخطة. وتعد هذه الخطوة الأخيرة تتويجا لجهود قبرص، صاحبة مبادرة التغير المناخي في شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط التي أطلقتها في عام 2019.
كما استضافت نيقوسيا، في منتصف تشرين الأول/أكتوبر في مدينة بافوس، المؤتمر الدولي حول التغير المناخي في شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط. مؤتمر حضره على وجه الخصوص مسؤولون ومندوبون وعلماء من مصر والسعودية وعمان وفلسطين ولبنان والأردن وإسرائيل، وقدمت نتائجه يوم الثلاثاء الماضي في مؤتمر غلاسغو.
منطقة معرضة لخطر التغير المناخي
تركز خطة العمل، التي أطلق عليها اسم “إطار السياسات والإجراءات الخاصة بأزمة المناخ في شرق البحر الأبيض المتوسط ومنطقة الشرق الأوسط”، على التنمية الخضراء المستدامة، وحماية التنوع البيولوجي وتنمية البيئة، والبحوث والتقنيات. فكلها قضايا حاسمة بالنسبة للشرق الأوسط، وهي منطقة مصنفة على أنها “معرضة لخطر تغير المناخ” من قبل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC). وجاء تفاقم وزيادة موجات الحر والنمو السكاني المتسارع ليزيد الطين بلة ويلقي بثقله على مواردها المائية الضئيلة بالفعل. وتجاوزت درجات الحرارة هذا الصيف 50 درجة مئوية في الكويت وعمان والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعراق وإيران.
وإن لم تتخذ هذه البلدان إجراءات حاسمة فيمكن للوضع أن يتدهور بصورة سريعة، أسرع قليلا من أي مكان آخر وفقا للعلماء. ففي تقريرها الأول عن “تقييم المخاطر في منطقة البحر الأبيض المتوسط” الذي نشرته منظمة “خبراء البحر الأبيض المتوسط حول المناخ والتغير البيئي” العام الماضي حذرت “من أنه من المحتمل جدا أن تواجه معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مخاطر أكبر ذات علاقة بالتغير المناخي والبيئي مقارنة بالمناطق الأخرى في حوض البحر الأبيض المتوسط، ولا سيما أن قدرتها على مراقبة المعايير البيئية المهمة أو إجراء تحليلات المخاطر محدودة للغاية”.
الدبلوماسية القائمة على التعاون
حتى دول الشرق الأوسط التي لم توقع على اتفاقية باريس للمناخ مثل العراق وإيران واليمن والمتهمة بالإهمال تجاه القضايا البيئية بدأت في اتخاذ تدابير وإجراءات بهذا الخصوص في الآونة الأخيرة. ففي الخليج على وجه الخصوص، حيث اقتصادات الأنظمة البترولية الواقعة في مرمى نقد المنظمات البيئية غير الحكومية، لا تزال دوله تعتمد بشكل كبير على استغلال الوقود الهيدروكربوني. بيد أن المملكة العربية السعودية، التي تسعى لتنويع اقتصادها، أعلنت الأسبوع الماضي أنها تستهدف الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060. خطوة فيما يبدو أنها محاذية لخطى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أطلقت إستراتيجية بيئية حتى العام 2050. وتهدف بها، بشكل خاص، إلى زيادة حصة الطاقة النظيفة من 25 إلى 50 بالمئة وتقليل البصمة الكربونية لإنتاج الكهرباء بنسبة 70 بالمئة.
ومن الواضح أيضا أن دولا أخرى في المنطقة بدأت تعول على التعاون، آملة أن يكون للجهود المنسقة والدولية تأثير إقليمي أكبر. رؤية تُرجمت إلى صورة من صور دبلوماسية المناخ السارية بالفعل بين دول الشرق الأوسط. وعلى وجه الخصوص بين إسرائيل، التي تمتلك تقنيات متقدمة في هذا المجال، وبين عدد قليل من الدول العربية.
وعلى الرغم من بقاء المنعكسات القديمة دون تغيير، فإنه وفي نهاية تموز/يوليو الماضي، اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى تأجيل تنفيذ مسودة اتفاقية نقل النفط مع الإمارات العربية المتحدة لأسباب بيئية، بعد أن كشرت المنظمات غير الحكومية عن أنيابها. في حين أنه، وقبل بضعة أشهر من الآن وتحديدا في شهر حزيران/يونيو الماضي، أعلنت جامعة تل أبيب أنها، وبالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة – التي طبعت علاقاتها مع الدولة العبرية في صيف 2020 – بصدد إنشاء معهد مشترك لأبحاث المياه.
كما أنه وفي الآونة الأخيرة أيضا، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وقعت الأردن، وهي واحدة من أكثر الدول التي تعاني من نقص المياه في العالم، اتفاقية لمضاعفة كمية المياه التي تمدها بها إسرائيل إحدى دول العالم الرائدة في مجال تحلية مياه البحر. وكجزء من دبلوماسية المناخ هذه، يمكن لإسرائيل أيضا أن توفر أيضا للأردن الكهرباء الخضراء المولدة من الطاقة الشمسية.
تعكس هذه الاتفاقية “الفهم المتزايد بأن أزمة المناخ التي تؤثر بالفعل بشكل كبير على المنطقة يجب أن تؤدي إلى تعاون أكبر”، على حد قول جيدون برومبيرج، مدير فرع المنظمة البيئية الإقليمية غير الحكومية “السلام البيئي بالشرق الأوسط” في إسرائيل. وأشار في مقال نشرته الغارديان البريطانية إلى أن “الكهرباء لم تعبر أبدا الحدود الإسرائيلية من دولة مجاورة”، داعيا في الوقت ذاته إلى عقد “صفقة خضراء” في الشرق الأوسط.
التصدي للتغير المناخي هل هو السبيل لمنع التوترات المستقبلية؟
بيد أنه يمكن استخدام هذه الدبلوماسية للوقاية والحماية من عواقب النزاعات المستقبلية حول ندرة المياه وزيادة درجات الحرارة التي تجعل من بعض المناطق غير صالحة للسكن. لا سيما وأنه ثمة بالفعل توترات حول إدارة الموارد المائية في نهري دجلة والفرات.
ومن هذا المنطلق فقد حذر مؤخرا جيفري ساكس، رئيس شبكة الحلول من أجل التنمية المستدامة في الأمم المتحدة (UNSDSN) بقوله “إنها منطقة جافة بالفعل وستجف أكثر فأكثر، لذلك فإن انعدام الأمن المرتبط بتوافر المياه وتشريد السكان سيزداد يوما وراء آخر”.
ففي تموز/يوليو الماضي، كانت العديد من المدن في محافظة خوزستان، جنوب غرب إيران، مسرحا لاضرابات ومظاهرات متعددة ضد نقص المياه، سواء للاستهلاك اليومي أو للزراعة وتربية الحيوانات. وهي المظاهرات التي قمعتها السلطات الإيرانية بلا رحمة.
لكن تأثير التغير المناخي على النزاعات المستقبلية سيظل ضربا من التخمين إلى حد ما، حسب منظمة خبراء البحر الأبيض المتوسط بشأن المناخ والتغير البيئي. ومع ذلك، تُظهر الأحداث التاريخية الأخيرة إمكانية أن يؤدي تغير المناخ الملحوظ والسريع إلى تفاقم عدم الاستقرار السياسي في أفقر المناطق في حوض البحر الأبيض المتوسط”، حسب منظمة خبراء البحر الأبيض المتوسط بشأن المناخ والتغير البيئي. وهو ما يمثل عاملا إضافيا في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، ليست دول المنطقة في حاجة إليه.
النص الفرنسي: مارك ضو | النص العربي: حسين عمارة
مصدر الخبر
للمزيد Facebook