بعد ستين عاما… معركة الذاكرة لتخليد ضحايا 17 أكتوبر 1961 الجزائريين لا تزال متواصلة
نشرت في: 15/10/2021 – 12:43
عشية الذكرى الستين “لمجزرة” 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961 في باريس، تحاول القلة القليلة من شهودها التي لا تزال على قيد الحياة مثل جميلة عمران، نفض الغبار التاريخي عن هذه الأحداث بمساعدة المؤرخين الفرنسيين المؤمنين بأنه تم حجب وتعتيمها من قبل السلطات الفرنسية عمدًا. ويطالب الناشطون من أمثال سامية مسعودي ومهدي لعلاوي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالاعتراف “بجريمة دولة” قادها ونفذها مدير شرطة العاصمة حينذاك موريس بابون.
في 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961 تظاهرت جميلة عمران وهي تحمل رضيعها. وبعد ستين عاما على المجزرة ضد الجزائريين في باريس تخوض هذه “المناضلة من أعماق قلبها” معركة أخيرة: ففي سن السابعة والثمانين ستنقل ذكرى كانت مخفية لفترة طويلة في فرنسا.
في ذلك الوقت، كانت تقف إلى جانب آلاف الرجال والنساء بدعوة من الاتحاد الفرنسي لجبهة التحرير الوطني التي كانت آنذاك ضابطة اتصال لها في منطقة سين سان دوني، ضد منع التجول المفروض على “فرنسيي الجزائر المسلمين”.
وقالت عمران التي تعد من آخر النساء الشاهدات على هذه الوقائع “كان يفترض أن تكون مظاهرة سلمية. طلب منا المنظمون ألا نحمل أي شيء معنا ولا حتى دبوس. أردنا فقط محاربة الظلم”.
وخوفا من إمكانية “نسيان” هذه الصفحة من التاريخ، روت بهدوء ذكرياتها. وأشارت جميلة عمران إلى “بعض النساء اللواتي طلبت منهن المجيء ارتدين ملابس أنيقة وكأنهن ذاهبات إلى حفلة ما”. وأضافت “كنت أعرف ما نجازف به. أردت أن أكون قادرة على الجري”.
وكانت عمران تحتسي كوبا من الشاي في لاكورنوف بالقرب من باريس في مقر جمعية “أفريقيا” المناهضة للعنصرية والمؤيدة لحقوق المرأة والتي تريد إعادة الاعتبار لهذا الفصل في “تاريخ فرنسا”.
ولا يمكن تحديد حصيلة دقيقة للقمع الذي دبره قائد الشرطة في ذلك الوقت موريس بابون لكن المؤرخين يتفقون على الأقل على عشرات القتلى أثناء الليل بالرصاص أو ألقي بهم في نهر السين.
للمزيد – مجزرة 17 أكتوبر 1961: عندما يقرع التاريخ أبواب الإليزيه
شهود صامتون
وقالت جميلة عمران إنها “كان من الممكن أن تموت” في 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961. فقد لاحقتها الشرطة مع طفلها البالغ من العمر شهرين وهي تدين بحياتها إلى “سيدة فرنسية” فتحت باب منزلها “شدتها من ذراعها”. وتتحدث بغصة عن “النساء اللواتي لم يعدن”. وقالت معتذرة “ذكرياتي ليست غامضة لكني أحاول أن أنساها أحيانا”.
وكغيرها من الشهود، حاولت جميلة عمران أن تنسى أنها لم تتحدث عن المجزرة لعشر سنوات. ومعظم المتظاهرين لم يتحدثوا في الأمر حتى ثمانينات القرن الماضي عندما طالب أبناؤهم العائدون من مسيرة للجزائريين المولودين في فرنسا (البور) أول مسيرة من أجل المساواة ومناهضة العنصرية في فرنسا في خريف 1983، بردود على تساؤلاتهم.
وتذكر سامية المسعودي (77 عاما) أنه “كان هناك آباء ثرثارون وآخرون صامتون. اعتاد والدي أن يقول أشياء مثل ’كانت السماء تمطر في ذلك اليوم كنا نشعر بالبرد‘ من دون الخوض في الكثير من التفاصيل”. وفي 1990 وفي مسعى للحصول على “اعتراف سياسي ومدني”، شاركت مع مهدي العلاوي في تأسيس جمعية تسمى “باسم الذاكرة”.
ويفيد أحد أوائل الأفلام الوثائقية “صمت النهر” (1991) في هذا الشأن أنه “يجب إخراج الأرشيف الذي فقد والعثور على الشهود من جزائريين وكذلك رجال شرطة يوافقون على التحدث بدون أن يغطوا وجوههم.
سعي إلى تحقيق العدالة
في العام نفسه، عارض المؤرخ جان لوك إينودي للمرة الأولى الرواية الرسمية لتصفية الحسابات (ثلاثة قتلى وستون جريحا) الرواية الموثقة لحمام دم. وقال المؤرخ جيل مانسيرون “كثيرًا ما نُسأل عن سبب نسياننا هذا الحدث. لكن قبل أن ننسى، يجب أن نعرف أولاً، لم يتم نسيان 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961 ولكن تم حجبه بوعي من قبل السلطة القائمة”.
في الذاكرة الجماعية، طبعت ذكرى مقتل تسعة متظاهرين في مترو شارون كانوا معارضين لمنظمة الجيش السري بأيدي شرطة موريس بابون بعد بضعة أشهر في الثامن من شباط/فبراير 1962. وما زاد من غضب اليسار هو أن ثمانية من الضحايا كانوا قد انضموا إلى الاتحاد العام للعمال وسيدة عضو في الحزب الشيوعي الفرنسي.
بعد بضعة أيام خرج مئات الآلاف من الناس في مسيرة تكريم لهم في شوارع باريس. وقال جيل مانسيرون ملخصا الوضع إن “ضحايا شارون اعتبروا شهداء وضحايا 17 تشرين الأول/أكتوبر بقوا مجهولين”.
لم يتم وضع لوحة تذكارية في باريس على جسر سان ميشيل إلا في 2001 وبينما لم يجر الحديث عن “القمع الدموي” و”إحياء ذكرى الضحايا” قبل 2012 من جانب الرئيس فرانسوا هولاند.
ترى سامية مسعودي ومهدي لعلاوي اللذان يطالبان “بالعدالة والتعويض” أن ذلك ليس كافيا. ويقوم الثنائي بزيارة المدارس لنقل ذكرى المجزرة إلى الأجيال الشابة.
وفي سانت أوون حيث ستشارك الأحد في يوم تكريم، تقول جميلة عمران وهي أم لجدة إنها تنتظر من إيمانويل ماكرون الاعتراف “بجريمة دولة”. وأضافت متسائلة “حان الوقت لتحقيق ذلك أليس كذلك؟”.
فرانس24/ أ ف ب
مصدر الخبر
للمزيد Facebook