آخر الأخبارأخبار محلية

البابا للمسيحيين: بهذه الطريقة تحافظون على وجودكم

على رغم المواقف البالغة الأهمية، التي أطلقها الحبر الأعظم قداسة البابا لاوون الرابع عشر خلال زيارته التاريخية للبنان، فإن اللقاء الذي عُقد بعيدًا عن الاعلام، بين قداسته والبطاركة والاساقفة الكاثوليك، يبقى الأهم، في رأي بعض المطلعين.


Advertisement










ففي كلمات البابا في القصر الجمهوري وفي دير مار مارون عنايا أمام ضريح القديس شربل وفي اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء، ومع المكرسين في مزار سيدة لبنان في حريصا، وفي لقائه مع الشباب المسيحي في بكركي، ومع وجع المتألمين في دير الصليب، وفي لقائه مع أهالي ضحايا انفجار المرفأ وفي القداس الختامي، وفي كلمته الوداعية في المطار، مواقف مهمة وتاريخية، خصوصا لجهة تشديده على أهمية السلام، إلا أن ما تم بحثه في السفارة البابوية مع البطاركة الكاثوليك من قضايا لها علاقة مباشرة بما يجب القيام به من خطوات جريئة وواضحة لترسيخ الوجود المسيحي في لبنان وأهمية التفاعل الايجابي مع المحيط يبقى بيت القصيد.
وفي الاعتقاد أن البابا لم يعد في حاجة إلى من يطلعه على الواقع المسيحي في لبنان، وما في الكنيسة من مشاكل وأزمات وجودية، لأنه أصبح على بيّنة مما يجري داخل المؤسسات التربوية والاجتماعية والصحية، وما يجب القيام به من اصلاحات جريئة، والتي لها علاقة مباشرة بحياة الناس.
لا شك في أن قداسته قد كوّن خلال زيارته القصيرة فكرة واضحة عن هذه الاصلاحات الضرورية في بنى المؤسسات التابعة مباشرة للكنيسة، والتي أصبحت في حاجة ماسة إلى إدخال الكثير من التغيير فيها، أقله لجهة العمل على تشجيع الشباب المسيحي للبقاء متجذرين بأرض الاجداد والأباء.
يؤكّد الذين تابعوا أجواء هذا اللقاء أنّ الحديث كان واقعيًا وبعيدًا عن المجاملات، حيث طُرحت فيه أربع قضايا جوهرية:
أولًا، القلق الوجودي على الحضور المسيحي ليس من منطلق تخويفي، بل استنادًا إلى الواقع. فالنزيف البشريّ مستمرّ، والهجرة مشروع دائم، والشباب يعيشون في ضياع.  وقد تمّ التشديد على أنّ أي خطاب روحي لن يكون كافيًا ما لم يُرفَق بخطوات واضحة تعيد الثقة وتمنح الشباب سببًا للبقاء في أرضهم.
ثانيًا، أزمة المؤسسات التابعة للكنيسة بما فيها المدارس والجامعات والمستشفيات ودور الرعاية على رغم ما تعانيه من ضائقة مالية غير مسبوقة. وقد طُرح في هذا المجال أكثر من اقتراح يتناول ضرورة اللجوء إلى تنظيم إداري جديد، وشفافية مالية كاملة، وإدارة مهنية تعيد لهذه المؤسسات قدرتها على خدمة الناس بدلًا من أن تتحوّل إلى عبء يرهق الكنيسة.
ثالثًا، العلاقة بين الكنيسة والدولة. فمن غير الوارد أو الممكن أن تحّل الكنيسة مكان الدولة، لكنها تجد نفسها مرغمة على سدّ الفراغات التي تتسع يومًا بعد يوم. وقد طُرح سؤال جوهري عن كيفية حماية الدور الروحي والاجتماعي للكنيسة من دون أن تتحوّل إلى بديل دائم عن دولة غائبة؟
رابعًا، التحدّيات الإقليمية وتأثيرها المباشر على لبنان. ففي ظل الاضطرابات على الحدود والخشية من تغييّر محتمل في موازين القوى الإقليمية، وصولًا إلى مستقبل لبنان كصيغة ورسالة، فُهم أن البابا قد أبلغ المجتمعين أنّ حماية المسيحيين في لبنان تمرّ عبر حماية الدولة كلّها، ورسالتها، ودورها في محيطها العربي.
من الواضح أنّ البابا كوّن خلال زيارته القصيرة فكرة واضحة عن الإصلاحات الضرورية داخل المؤسسات الكنسية، ولا سيما تلك التي لها علاقة مباشرة بحياة الناس. ومن خلال مواقفه، ومن ردود الفعل داخل الأوساط الكنسية، يمكن رسم ملامح خارطة طريق تقوم على أربعة مسارات:
أولًا، ضرورة إجراء إصلاح بنيوي في إدارة هذه المؤسسات، وذلك من خلال تحديث الهيكليات الإدارية، وفصل أي عمل اداري عن المصالح الشخصية، واعتماد معايير مهنية وشفافية مالية، وتوحيد السياسات العامة بين المؤسسات المتناثرة بهدف تحويل هذه المؤسسات من التعايش مع الازمات إلى إيجاد فرص جديدة، وإخراجها من عنق زجاجة العبء إلى مصدر للقوّة.
ثانيًا، إيجاد مشروع شامل لتمكين الشباب المسيحي من التجذّر بأرضهم، ليس فقط عبر المنح الموسمية والظرفية وإعانات الطوارئ، بل من خلال برامج مستدامة تُبقي الشباب في أرضهم، عبر برامج تدريبة هادفة، وتوفير فرص عمل محلية وإقامة مشاريع صغيرة، وربطهم بسوق العمل الإقليمي، إضافة إلى تطوير مبادرات زراعية وصناعية وتكنولوجية في أكثر من مجال. فمستقبل المسيحيين رهن بتأمين ظروف أفضل لكي يبقوا في أرضهم.
ثالثًا، تجديد الحياة الرعوية، وذلك عبر مقاربة تقوم على تقرّب الكنيسة من الناس قبل أي شيء آخر. فالكنيسة يجب أن تكون حاضرة ومنصتة لهموم أبنائها. وهذا يفترض وجود كهنة ورهبان يشهدون للحق في حياتهم قبل أن يشهدوا لذلك بعظاتهم، إضافة إلى الخدمة الرعوية المجانية، التي من شأنها أن تعيد الروح إلى رسالة الكنيسة في قلب المجتمع.
رابعًا، تعزيز دور الكنيسة كجسر حواري بين اللبنانيين، لا كقوّة اصطفاف، بل كقوة تواصل، تعمل على ترميم الثقة بين المكوّنات، والدفع نحو دولة قوية وعادلة، وحماية صيغة العيش المشترك التي هي قلب رسالة لبنان.
خرج البابا لاوون الرابع عشر من لبنان وهو يحمل صورة واضحة عن الحل الممكن. صحيح أن الواقع صعب، والتحديات كبيرة، لكن فرصة النهوض موجودة إذا امتلكت الكنيسة شجاعة الإصلاح، وإذا امتلك اللبنانيون، مسيحيين ومسلمين، الجرأة لقول الحقيقة والعمل بها.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى