آخر الأخبارأخبار محلية

القاصرون في لبنان يستهلكون الكحول بقوة.. فهل يمكن منعهم؟

في مجلس النواب، تتحرّك لجنة المرأة والطفل على خطّ حسّاس.. الحدّ من وصول الكحول ومشروبات الطاقة إلى القاصرين. خلف العنوان القانوني الجاف، تدور معركة اجتماعية واقتصادية صامتة حول ما يشربه المراهقون من جهة، ومستقبل واحدة من أقدم الصناعات اللبنانية وأكثرها شهرة في العالم من جهة أخرى.


Advertisement










 
رئيسة اللجنة النيابية، النائب عناية عزّ الدين، أوضحت بعد اجتماع اللجنة أن الجلسة خُصِّصت لمناقشة النسخة النهائية من اقتراح قانون “حماية القاصرين من استهلاك الكحول ومشروبات الطاقة”، مؤكدة أن الهدف هو الحفاظ على الصحة الجسدية والذهنية والنفسية للقاصرين، وتعزيز تحصيلهم الدراسي وسلوكهم ونماء قدراتهم، إلى جانب خفض الإنفاق الصحي الناتج عن مضاعفات الإدمان المبكر. وزارة الصحة دخلت على الخط عبر الوزير ركان ناصر الدين، الذي وضع الاقتراح في إطار “حماية القاصرين” وتحصينهم من ثقافة استهلاك باتت تسوَّق لهم عبر الإعلانات، والعروض التجارية، وسهولة الحصول على القنينة أو العلبة بالقرب من المدارس والجامعات. القانون، إذا أُقرّ، من المتوقع أن يشدّد الضوابط على بيع الكحول ومشروبات الطاقة للقاصرين، ويشمل قيوداً على الدعاية والتسويق في الأماكن التي يرتادها الشباب.
 
في خلفية هذا النقاش، تقف أرقام حديثة لا يمكن تجاهلها. فبحسب آخر الأرقام، شملت طلاباً لبنانيين بين 13 و17 عاماً، تبيّن أن 10.5% من التلاميذ يشربون الكحول حالياً، وهي نسبة ترتفع إلى 14.7% بين الذكور وتنخفض إلى 6.9% بين الإناث. أكثر من 5.7% من التلاميذ قالوا إنهم وصلوا إلى مرحلة السُّكر مرة واحدة على الأقل في حياتهم. والأخطر أن هذا الجيل يعيش في بيئة مُشبَّعة بالمشروبات المحلّاة. فحوالي 42.3% من التلاميذ يشربون مشروباً محلى بالسكر مرة واحدة يومياً على الأقل، وهي فئة واسعة تشمل المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة التي ترتبط بدورها بمشكلات صحية وقلبية وسلوكية عند استهلاكها بكثرة.
 
 
هذه الأرقام تعني ببساطة أن واحداً من كل عشرة مراهقين في لبنان هو “شارب حالي”، وأن تجربة الكحول لم تعد حكراً على المناسبات العائلية أو الثقافية، بل باتت جزءاً من حياة يومية لشريحة من التلاميذ، قبل بلوغهم السن القانونية.
 
على المستوى الوطني، تبدو الصورة متناقضة. بيانات منظمة الصحة العالمية تُظهر أن نسبة الممتنعين عن شرب الكحول خلال السنة السابقة تصل إلى نحو 94% من السكان البالغين، ما يعني أن غالبية اللبنانيين لا تستهلك الكحول بشكل منتظم. لكن بين من يشربون، يصل متوسط الاستهلاك السنوي إلى نحو 25 لتراً من الكحول النقي للفرد من الشاربين البالغين، بحسب تقديرات عام 2016. في المقابل، تشير بيانات البنك الدولي إلى أن معدل استهلاك الكحول للفرد البالغ في لبنان بلغ نحو 1.3 ليتر من الكحول النقي، وهو رقم أدنى من العديد من الدول الأوروبية لكنه يبقى مقلقاً عند ربطه بظاهرة النزول في سن بدء الشرب إلى ما دون 18 عاماً.
 
إلى ذلك، تشير دراسات لبنانية متخصصة إلى أن السياسات الضريبية والتسعير تلعب دوراً حاسماً في استهلاك الشباب، إذ أظهرت أبحاث نُشرت في مجلات دولية أن رفع الأسعار أو اعتماد “حد أدنى للسعر” على المشروبات الكحولية يمكن أن يخفّض استهلاك الفئات الصغيرة بالعمر، مع آثار واضحة على السلوك الصحي. في الجهة الأخرى من المشهد، تقف صناعة الكحول والمشروبات الروحية في لبنان كواحدة من قصص النجاح القليلة في اقتصاد مأزوم. تقديرات حديثة تشير إلى أن مصانع النبيذ لوحدها في لبنان تنتج نحو 15 مليون زجاجة سنوياً، مع أكثر من مليوني زجاجة تُصدَّر إلى الأسواق الأوروبية والأميركية والآسيوية، فيما يقدَّر حجم سوق النبيذ الكلي (استهلاكاً في الداخل وخارجه) بحوالي 180 مليون دولار سنوياً.
 
هذا القطاع لا يوفّر فقط عائدات تصديرية، بل يؤمّن أيضاً فرص عمل في المناطق الريفية، خصوصاً في البقاع، حيث تعتمد مئات العائلات على زراعة الكرمة وصناعة النبيذ ومشتقاتها.
في السياق، يقول مصدر اقتصادي لـ”لبنان24″ أنّ التحديات الاقتصادية التي يواجهها لبنان أدّت إلى تراجع السلة الاستهلاكية للمواطن، ما انعكس مباشرة على مبيعات المشروبات الروحية. الوضع الأمني الهش بين الحرب والسلم، وتداعيات النزاعات في دول الجوار ولبنان،كلّها عناصر تضغط على السوق، في حين أن الكحول يُعتبر من الكماليات ضمن أولويات الأسرة.
 
مصادر نقابية تلفت لـ”لبنان24″ إلى أن إقفال المطاعم أو تراجع عملها في المناطق المصنَّفة “آمنة” يضرب معها سلسلة كاملة من القطاعات المرتبطة بها، من بينها صناعة واستيراد المشروبات الروحية، ما يضع الكثير من الشركات أمام معادلة الاستمرار بالحد الأدنى أو الإقفال. ورغم الأزمات المتراكمة، ترى المصادر في القطاع ورقة قوة للبنان، إذ تشير إلى أنّ المشروبات الروحية اللبنانية “باتت معروفة جداً في دول عديدة بفضل الانتشار اللبناني وجودة الإنتاج”، وذلك بسبب طبيعة لبنان الخصبة التي توفّر عنباً عالي الجودة، ويانسوناً ومكوّنات أخرى تُستخدم في صناعة العرق وسائر المشروبات.
 
بين الحماية والتقييد: كيف يقرأ القطاع مشروع القانون؟
من زاوية المنتجين والمستوردين، لا يُنظر إلى قانون حماية القاصرين كعامل تهديد مباشر، بل كفرصة لتنظيم السوق شرط ألا يتحوّل إلى أداة لعقاب القطاع المنظَّم، أو لفتح الباب أمام تهريب الكحول غير الخاضع للرقابة. وتقول المصادر النقابية في هذا السياق، أنّ الجهات المسؤولة شاركت في تحديث القوانين اللبنانية بما يتوافق مع تشريعات الاتحاد الأوروبي وإدارة الغذاء والدواء الأميركية، دفاعاً عن “سمعة المنتج اللبناني” وفتحاً لأسواق تصديرية جديدة. فمعظم المصانع، حسب المصادر، باتت تمتلك مختبرات خاصة لفحص الجودة ونسبة الكحول في المنتجات، فيما تخضع الصادرات لفحوصات مخبرية قبل خروجها من لبنان وعند وصولها إلى الدول المستوردة.
 
هذا المستوى من الانضباط في الصناعة يمنح المشرّع هامشاً أوسع للتحرّك، إذ يمكن تشديد القيود على بيع الكحول للقاصرين وتضييق الخناق على التسويق غير المسؤول، من دون ضرب الصناعة التي تلتزم بالمعايير وتخلق فرص عمل وقيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
 
المعادلة التي يحاول لبنان صياغتها اليوم ليست سهلة: كيف يحمي القاصرين من “الكأس الأولى” التي قد تفتح الباب لعادات خطرة، وفي الوقت نفسه يصون قطاعاً يمتلك كل مقوّمات النجاح العالمي؟
الأرقام تؤكد أن القانون وحده لا يكفي. فحين يقول واحد من كل عشرة مراهقين إنه شرب الكحول، فإن المشكلة لا تتعلق فقط بنصّ قانوني بل بثقافة مجتمعية، وبسهولة حصول هؤلاء على المشروب من متجر الحيّ أو من “سهرة” بلا رقابة. من هنا، يصبح مشروع القانون خطوة أولى في مسار أطول يشمل تشديد تطبيق السنّ القانونية للبيع في المحال والمطاعم والنوادي، ضبط إعلانات الكحول ومشروبات الطاقة الموجّهة إلى الفئات الشابة، وإدخال برامج توعية صحية وسلوكية إلى المدارس والثانويات، بالاستناد إلى بيانات رسمية حديثة حول سلوك المراهقين.
 
إذا نجح لبنان في إقرار قانون فعّال وتطبيقه بجدّية، فقد يقدّم نموذجاً عن بلد يوازن بين حماية الأجيال الصاعدة وبين صون صناعة تاريخية تشكّل جزءاً من صورته في العالم، من دون أن تبقى الكأس مفتوحة أمام القاصرين أو ينكسر كأس المنتج اللبناني في الأسواق الخارجية.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى