إغتيال الطبطبائي: تصعيد اسرائيلي بلا سقف وتحذيرات دولية من جولات قتال جديدة

غير أنّ هذا التطور لا يمكن فصله عن السياق السياسي والعسكري الذي تتحرك ضمنه حكومة بنيامين نتنياهو، إذ يتجاوز الحدث طابعه الميداني ليغدو أداة ضغط ورسالة مركّبة في أكثر من اتجاه. فالعملية تحمل تأكيداً إسرائيلياً بأنّ سياسة الاغتيالات والضربات الاستباقية ستظل خياراً مطروحاً كلما رأت تل أبيب أنّ الظروف تخدم مصالحها، وأنّ أي اتفاقات لن تشكل سقفاً ملزماً لسلوكها العسكري. وتشير المعطيات إلى أنّ العملية نُفّذت بعلم أميركي، ما يعزّز الانطباع بأنّ إسرائيل غير معنية بخطابات التهدئة، وأنها تعتبر القوة الخيار الأكثر فاعلية لإعادة ضبط الإيقاع على الجبهة اللبنانية، حتى وإن أدى ذلك إلى رفع مستوى التوتر وزيادة احتمالات الانفجار.
وعليه، أظهرت الغارة محاولة واضحة لإعادة فرض معادلة جديدة على لبنان، تقوم على مبدأ استنزاف حزب الله سياسياً ونفسياً بالتوازي مع الضغط الأمني المباشر. فاستهداف شخصية بهذا المستوى لا يمكن إدراجه في خانة الرد الآني، بل يكشف إرادة مبيّتة لإحاطة الحزب بطوق من التهديد المستمر، ودفعه إلى خيارات ضيقة بين الردّ وما يستتبعه من توسّع دائرة المواجهة، أو ضبط النفس وما يحمله ذلك من كلفة معنوية وسياسية في بيئته الحاضنة وخارجها. وفي كلا الخيارين، يسعى نتنياهو إلى التحكّم بإيقاع التصعيد وتوقيته بما يخدم حساباته الداخلية والإقليمية.
وسط هذا المشهد، لا يبدو حزب الله معنياً بالرد وفق التوقيت الإسرائيلي، خصوصاً بعد تأكيد عضو المجلس السياسي في الحزب، محمود قماطي، التزام الحزب بالتنسيق الكامل مع الدولة والجيش، وتشديده على أنّ لا خيار إلا التمسّك بالمقاومة ورفض الاستباحة الإسرائيلية للسيادة اللبنانية. ورغم أنّ هيئة البث الإسرائيلية “كان 11” تحدثت عن تقديرات تستبعد حصول تبادل فوري للضربات، إلا أنّ إسرائيل تُعدّ لاحتمال ردّ من جبهات أخرى، في إشارة إلى أنّ هامش المفاجآت لا يزال مفتوحاً.
وفي موازاة ذلك، يبرز المشهد الداخلي اللبناني بوصفه عاملاً إضافياً في الحسابات الإسرائيلية، وتأتي مبادرة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وزيارته الجنوب برفقة قائد الجيش رودولف هيكل في إطار تثبيت موقف رسمي واضح، وهو ما بدا أنّ إسرائيل أرادت الردّ عليه ميدانياً. ويتضح أن العدوان جاء ليؤكد، وفق مصادر سياسية، محدودية قدرة الجيش على الرد أو الردع في ظل اختلال موازين القوى وتعقيدات المشهد الإقليمي، فيما تتعامل إسرائيل مع الدعوات الدولية للتهدئة بتجاهل متعمد، مفضلة سياسة فرض الوقائع على الأرض على الانخراط في مسارات تفاوضية لا تضمن لها تحقيق مكاسب ملموسة.
أخطر ما في هذا المشهد ما نقلته مصادر دولية إلى المسؤولين اللبنانيين، ومفاده أن الفترة المقبلة قد تشهد جولات قتال جديدة قد تشمل لبنان وغزة وإيران، في ظل أزمة إقليمية لا تزال بعيدة عن الحل. وتشير المعلومات التي نشرتها “يديعوت أحرونوت” إلى أنّ إسرائيل تعمل على إعداد خطة هجومية واسعة تشمل ضربات جوية مكثفة في لبنان، وعمليات تستهدف البنية العسكرية لحركة حماس في غزة، إلى جانب احتمال تنفيذ هجوم استباقي يطال منشآت صاروخية أو نووية داخل إيران. وتحذّر دوائر أمنية غربية من أنّ خطوة من هذا النوع قد تشعل المنطقة بأكملها.
في المحصلة، تبدو الغارة على الضاحية أكثر من مجرد عملية أمنية؛ فهي جزء من معركة مفتوحة على احتمالات متعددة، أكثرها إثارة للقلق اقتراب المنطقة من مواجهة واسعة لن يكون لبنان بمنأى عن تداعياتها.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook





