سلام: لا استقلال تام بلا دولة سيّدة وقادرة

تابع سلام خلال مؤتمر المواطنة المسؤولة في قصر الاونيسكو: “وان كان بديهياً ان لا استقلال تاماً بلا دولة سيّدة وقادرة، فقد يقتضي التشديد اليوم ان لا دولة سيّدة وقادرة بلا مواطنين أحرار ومتساوين. نحن في لحظة يحتاج فيها لبنان أن يعيد صياغة علاقته بنفسه. علاقة الدولة بمواطنيها، وعلاقة المواطنين بدولتهم. وهذه العلاقة، التي يسميها الفلاسفة “العقد الاجتماعي”، هي وعي مشترك ومسؤولية مشتركة، قبل ان تكون ميثاقاً تأسيسياً او دستوراً مكتوباً”.
أكمل: “أقف أمامكم اليوم، لا بصفتي رئيسًا لمجلس الوزراء فقط، بل كمواطن يشبهكم في القلق وفي الأمل، في جرح السنوات الماضية وفي رغبة الحياة التي لا تموت. ألتقيكم عشية ذكرى الاستقلال، لا لنحتفل بما كان، بل لنفكر بصراحة بما يجب أن يكون. فالاستقلال ليس مجرد محطة من الماضي، بل هو مناسبة كي نفكر جميعنا في سؤال مفتوح: أيّ وطن نريد؟ وأي مواطن نريد أن نكون؟لقد قام الدستور اللبناني على مبدأ واضح: الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية. اذن المواطنون والمواطنات هم مصدر الشرعية، والدولة هي الضمانة. ثم جاء اتفاق الطائف ليثبّت هذه الفكرة، وينقل لبنان من منطق “التقاسم” إلى منطق “الشراكة” في عمل المؤسسات لكنه بقي مشروعًا معطّلًا أو ناقص التنفيذ”.
واعتبر “إنّ ما نحتاج إليه اليوم، بعد ثمانين عامًا من الاستقلال، هو أن نعيد وصل ما انقطع: أن نعيد وصل الدولة بمفهوم المصلحة العامة التي عليها تجسيده، ووصل الدستور بمؤسساته، ووصل المواطنين بحقوقهم. فعندها تكون المواطنة المسؤولة ليس مجرد فكرة … بل تصبح حجر الأساس لأي دولة حديثة، وشرط الاستقرار السياسي والاجتماعي فيها. فلا تكون الدولة بعيدة عن تطلعات مواطنيها أو حاجات مناطقهم”.
تابع: “أيها الشابات والشباب،دولة القانون التي نريد، هي ضمانة المواطن الأولى. هي ليست سلطة فوقه، بل مؤسسة تخدمه. الدستور فيها ليس كتابًا منسياً، بل إطارًا ناظمًا للحياة العامة. والدولة لا تكون على الحدود فقط، بل تكون في القضاء والإدارة والمدرسة والجامعة. والمساواة هي قلب الدولة الديمقراطية الحديثة كما ان الحرية هي روحها.فمن دون المساواة او الحرية، لا يدوم العقد الاجتماعي، ولا يتكوّن انتماء وطني راسخ.الدولة التي تطلب من المواطن أن يلتزم بالقانون، يجب أن تكون هي أوّل من يلتزم به. والدولة التي تطلب من الناس الثقة، يجب أن تستحق مؤسساتها هذه الثقة. والدولة التي تبسط سيادتها باسم الدستور والقانون، ليست علامة سلطة… بل علامة مسؤولية. ومن موقع المسؤولية أقول بصراحة: الدولة في لبنان، عبر سنوات طويلة، لم تكن على مستوى هذه المسؤولية. تأخّرت في حماية مواطنيها، تردّدت في تطبيق الدستور، تراجعت أمام الضغوط الخارجية، وسمحت بأن تنمو اللامساواة وأن يُترك المواطن ليواجه وحده انهيار العملة الوطنية، وتردّي الخدمات العامة”.
أضاف: “لا أقول هذا للتنصّل من المسؤولية، بل لتحمّلها. فالدولة والمسؤولون فيها لا يجب ان يكونوا فوق المساءلة والمحاسبة. تمامًا كما أنّ للدولة مسؤوليات لا يمكنها التهرّب منها، فإنّ للمجتمع أيضًا دورًا لا يمكن تجاهله. فالمواطنة في معناها الأصيل ليست علاقة استهلاك من الدولة، بل علاقة مشاركة في الدولة.مسؤولية المواطن ليست أن يتلقّى ما تقدّمه السلطة، بل أن يطالب بما يستحقّه. مسؤوليته ليست الصمت، بل السؤال. ليست الانسحاب من الشأن العام، بل الانخراط فيه.المواطنة المسؤولة لا تُقاس بدرجة الطاعة للسلطة بل بقدرة المواطن على التعبير بلا خوف، وعلى الدفاع عن حقوقه دون عقبات.ومن حقّ المواطن أن يحلم بوطن أفضل، وأن يطالب بالإصلاح كلما دعت الحاجة، وأن يشارك في صنع السياسات عبر الأدوات الديمقراطية التي وُجدت لأجله وفي مقدّمها صناديق الاقتراع”.
تابع: “أيها الحضور الكريم،بين مسؤولية الدولة ومسؤولية المواطن، تتأسّس العلاقة التي نريد بناءها اليوم بين اللبناني ودولته. علاقة لا تقوم على الاتكال ولا على الخصومة، بل على شراكة صادقة تُعيد وصل ما انقطع من ثقة في السنوات الماضية. لذلك، أريدكم أن تحافظوا اليوم على جرأة السؤال وعلى خطاب نقدي بنّاء. فالمواطنة المسؤولة تُبنى بالصوت لا بالصمت، بالمشاركة لا بالمقاطعة، بالعلم والكفاءة لا بالواسطة والمحسوبية.إنّ مستقبلاً أفضل لهذا الوطن يتوقف على قدرتكم على انتاج ثقافة سياسية جديدة تقوم على قبول الاختلاف، ونبذ العنف، واحترام القانون، وعلى أن تصبح حقوق المواطن ومصالحه هي المعيار الأساسي للسياسات العامة”.
أكمل: “أيها الشابات والشباب، لبنان الذي نحلم به ليس بعيدًا. هو هنا، في استعدادكم للعمل في الشأن العام، في اندفاعكم للمبادرة، في إيمانكم أنّ هذا البلد، رغم كل شيء، ما زال وطنًا نستحقّه… ويستحقّنا. المواطنة المسؤولة تترجم في الحق بالحلم، الحلم بدولة لا تدار بالاستثناء، بل بالقانون؛ دولة لا تدار بالولاءات المذهبية والطائفية بل بالخبرة وتكافؤ الفرص، دولة لا تُدار بالخوف بل بالثقة.أقول لكم بكل صدق: لقد أضعنا في وطننا الكثير من الوقت والفرص، لكن ما زال في وطننا من عناصر القوة ما يجعله قادرًا على النهوض من جديد، أبرزها تجربة فريدة مع الحداثة، وطاقات بشرية استثنائية، وثقافة اجتماعية تميّزت بالانفتاح وروح المبادرة”.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook





