عنف وحدود محصنة بين اليونان وتركيا.. “لا أحد يعلم حقيقة ما يجري في نهر إيفروس”
اتهامات بانتهاكات حقوق طالبي اللجوء وإعادتهم قسريا إلى تركيا، وممارسة العنف والتعذيب في بعض الحالات، أمور بات ذكرها شبه اعتيادي عند التحدث حول نهر إيفروس الحدودي بين اليونان وتركيا. على الجانب اليوناني، سعت أوروبا لحماية حدودها وعززت الدعم المقدم إلى أثينا لتحصين الحدود. وتعد منطقة نهر إيفروس الممتدة على مدى 200 كيلومتر محظورة تماما ويمنع على الصحافة أو حتى المنظمات الحقوقية من الاقتراب إليها. فريق مهاجرنيوز توجه إلى القرى الحدودية لمحاولة معرفة حقيقة ما يجري هناك.
“نهر إيفروس يبدو كالأفعى”، بحسب وصف رئيس نقابة حرس الحدود اليوناني فالانتيس غيالاماس، فهو يمتد على مسافة 200 كيلومتر ليشكل الحدود البرية الوحيدة بين تركيا واليونان، تضيق بعض أجزائه إلى مئات الأمتار فيما يبلغ عرض أجزاء أخرى بضع كيلومترات.
النهر الذي يشبه الأفعى ليس فقط في المظهر، يسلب حياة بعض المهاجرين الذين يعبرونه على متن قوارب صغيرة. وفي ظل عدم سماح السلطات لأية جهة حقوقية أو صحفية من الاقتراب منه، بات محط شكوك المنظمات الإنسانية التي تحذر من وقوع انتهاكات جسيمة على ضفافه. ووُجهت الاتهامات إلى حرس الحدود اليوناني بتعامله العنيف وتنفيذه عمليات صد بحق المهاجرين لإرجاعهم بشكل قسري إلى الضفة التركية، ضمن ممارسات تخالف القانون الدولي، وتنتهك حق طالبي اللجوء في الحصول على الحماية.
“لا أحد يعلم حقيقة ما يجري على ضفاف النهر”
السلطات اليونانية تعتبر نهر إيفروس (دلتا) الذي يشكل الحدود الطبيعية مع تركيا، منطقة عسكرية بالكامل، ولا تسمح لأحد من الاقتراب إلى النهر. وبالتالي، تخلو المنطقة من أي تواجد للصحافة أو المنظمات الإنسانية والحقوقية، ورفضت السلطات طلب فريق مهاجرنيوز من الاقتراب إلى النهر لأسباب متعلقة “بالأمن القومي”.
في مدينة سالونيك، أكبر مدن شمال اليونان القريبة من الحدود مع تركيا، التقى فريق مهاجرنيوز بإحدى أعضاء شبكة مراقبة العنف عبر الحدود (BVMN) التي تتحفظ عن ذكر اسمها. “أثناء عبور الحدود مع تركيا، يتعرض الأشخاص لشتى أنواع العنف الجسدي، وغالبا ما تمنعهم السلطات اليونانية من إكمال طريقهم وتجبرهم على العودة إلى تركيا”.
“لا أحد يعلم حقيقة ما يجري على ضفاف النهر”، بحسب تعبير الناشطة التي تعمل على توثيق الانتهاكات التي يتعرض لها طالبو اللجوء استنادا على شهادات هؤلاء الذين تمكنوا من عبور الحدود، إضافة إلى جمع الصور وتحديد النقاط التي عبر منها الأشخاص.
عمليات صد لا تقتصر على منطقة النهر
العنف أصبح شيء “اعتيادي” على مشارف الاتحاد الأوروبي، بحسب الناشطة، “منذ ربيع العام الماضي، أصبحت عمليات الصد تحدث بشكل منهجي. و99% من الشهادات التي نجمعها، يتحدث فيها الأشخاص عن تعرضهم للضرب والتعذيب في بعض الحالات. سمعنا عن تعرض البعض للصدمات الكهربائية”.
منذ بداية العام الحالي، استطاعت هذه المنظمة توثيق عمليات صد في نهر إيفروس أعادت خلالها السلطات اليونانية قسريا حوالي 4 آلاف شخص إلى تركيا، بحسب الناشطة، التي تضيف “الرقم أعلى بذلك من كثير لكن هناك الكثير من الأشخاص الذين يخافون من تقديم شهادتهم والتحدث عما حصل معهم”.
بعد عبور النهر، يمشي عادة هؤلاء الأشخاص لحوالي 25 يوما قبل وصولهم إلى سالونيك. لكن حتى بعد وصولهم إلى هذه المدينة التي تبعد عن الحدود أكثر من 300 كلم، لا يزال خطر الإعادة القسرية إلى تركيا قائما، بحسب المنظمات الحقوقية.
تؤكد الناشطة أن عمليات الصد لا تقتصر على ضفاف النهر، وإنما من الممكن أن توقف السلطات في مختلف المدن أي شخص دون وثائق رسمية وترسله إلى منطقة إيفروس من أجل دفعه إلى تركيا عبر النهر. “كنا شاهدين على حالات لأشخاص أوقفتهم الشرطة أثناء تقديمنا لهم بعض الطعام في مدينة سالونيك، ومن ثم اقتادتهم إلى الحدود ودفعتهم إلى تركيا”.
في شهادة حصرية لمهاجر نيوز، تحدث شرطي يوناني سابق لأول مرة لوسائل الإعلام قائلا إنه تلقى أوامر من السلطات اليونانية بدفع مهاجرين إلى تركيا، “على مدى العقدين الماضيين، نقلت بقاربي أكثر من 2,000 مهاجر إلى الضفة التركية. لم يكن أمام المهاجرين أي خيار سوى الصعود إلى قاربي والعودة من حيث أتوا”.
دعم أوروبي لتحصين الحدود
حارس الحدود غيالاماس ينفي حدوث عمليات صد المهاجرين، ويقول لمهاجرنيوز “عبور النهر بشكل غير شرعي ليس أمرا جديدا. ولطالما واجهنا هذه المشكلة خلال العقدين الماضيين”. ومنذ انخراطه في الجيش اليوناني منذ 20 عاما يعمل في منطقة إيفروس، لكنه يعتبر أن أوروبا باتت “تدرك حجم المشكلة بعد الأزمة التي خلقها أردوغان العام الماضي، لذلك أرسلت لنا وكالة فرونتكس تعزيزات لحماية حدود الاتحاد الأوروبي”.
في نهاية شباط/فبراير العام الماضي، أعلن الرئيس التركي أردوغان فتح حدود بلاده المشتركة مع اليونان، فتجمع آلاف الأشخاص الراغبين بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي على الحدود. ومنذ تلك الأزمة الدبلوماسية بين البلدين الجارين، تلقت اليونان المزيد من الدعم الأوروبي لحماية الحدود، وشددت السلطات المراقبة الأمنية ووظفت تقنيات حديثة عالية المستوى للحد من العبور.
الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل التي تسمى اختصارا “فرونتكس”، تتعاون بشكل وثيق مع الجيش اليوناني ضمن دوريات مشتركة. “أعضاء فرونتكس يقدمون لنا الكثير من المساعدة ونستفيد من خبرتهم في إدارة الحدود”. وبحسب غيالاماس يوجد حوالي 700 عنصر تابع لحرس الحدود اليوناني، إضافة إلى حوالي 150 عنصرا من وكالة فرونتكس.
رغم عسكرة الحدود وتعزيز المراقبة يرى غيالاماس أن ذلك “غير كاف” ولا يزال بوسع بعض المهاجرين عبور الحدود. منذ شهر أيار/مايو، ازدادت عمليات العبور مع انتهاء قيود التنقل المرتبطة بفيروس كورونا وتحسن الطقس. “نحن نرى مهربين كل يوم. خلال الصيف كنا نوقف حوالي 20 مهربا أسبوعيا”.
سياج لحماية الحدود
ضمن خطتها لتعزيز المراقبة على الحدود، أنهت السلطات اليونانية أخيرا تمديد سياج حدودي بطول 27 كيلومترا في مختلف مناطق إيفروس. وفي قرية كاستانياس التي شهدت عبور مئات المهاجرين العام الماضي، أصبح هناك سياج حدودي يبلغ طوله 12 كلم.
في القرية الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها 700 شخص، يجلس ما يسمى برئيس القرية الذي يدير الشؤون المحلية، في مقهى صغير تصدح فيه الأغاني اليونانية التقليدية، “كانت الأمور خارجة عن السيطرة في الأعوام الماضية، لكن منذ بناء السياج الوضع بات أفضل”.
خلال حديثه مع مهاجرنيوز لا يبدو ستافروس راغبا بتكرار سيناريو العام الماضي، “قدمنا المساعدة للاجئين قدر المستطاع لكننا قرية صغيرة وأغلب السكان كبار السن، لم نكن نشعر بالأمان. الآن بات الوضع أكثر هدوءا”.
للمزيد>>> سياج بطول 27 كيلومترا وبقيمة تتجاوز 26 مليون يورو على الحدود التركية اليونانية
الخوف من تدفق مهاجرين وتأييد بناء السياج لمنع المهاجرين لا يقتصر فقط على قرية كاستانياس، وإنما عمد بعض السكان إلى مساعدة السلطات المحلية بمنع المهاجرين من عبور الحدود.
صيادون محليون يحرسون الحدود
وبما أن منطقة نهر إيفروس محظورة، لا يحق سوى للصيادين الذين لديهم رخصة رسمية من الاقتراب من النهر لأداء عملهم.
على ضفة أحد أذرع نهر إيفروس القريبة من بلدة فيريس، يتقدم الصياد اليوناني ألكسندروس لبضع خطوات بحذائه البلاستيكي الطويل لسحب قاربه الخشبي الذي يستخدمه لصيد الأسماك منذ ست سنوات في هذه المنطقة. “أنا وجميع الصيادين هنا، عندما نرى أي مهاجر غير شرعي نتصل بالشرطة لإخبارهم ونقف بوجه القوارب لمنعهم من العبور. خلال الأشهر الماضية رأينا أنا وابني خمسة قوارب لمهاجرين كل منها يحمل حوالي 15 شخصا. لكن منذ تشييد السياج بات العبور أقل مقارنة مع العام الماضي”.
الشهر الماضي، قدمت منظمات عدة منها مفوضية اللاجئين والشبكة الأوروبية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، مجموعة اقتراحات إلى الحكومة اليونانية، طالبت فيها إنشاء آلية وطنية مستقلة لمراقبة الحدود في اليونان. لكن وزير الهجرة اليوناني أكد رفضه ذلك الاقتراح.
للمزيد>>> عمليات صد على الحدود التركية اليونانية وأنباء عن وفاة 3 مهاجرين غرقا
منذ بداية العام الحالي توفي 38 مهاجرا أثناء محاولتهم عبور النهر. “السبب الرئيسي كان غرق هؤلاء الأشخاص، إضافة إلى وفاة بعضهم بسبب تعرضهم لانخفاض حاد في درجة حرارة أجسامهم”، بحسب ما يؤكد الطبيب الشرعي بافلوس بافليديس لمهاجرنيوز.
يبقى المهاجرون لأيام عدة في مراكز للشرطة على ضفاف إيفروس قبل نقلهم إلى مركز فيلاكيو
في قرية حدودية وبين سهول مسطحة منقطعة النظير، يقع ما تطلق عليه السلطات مركز “الاستقبال وتحديد الهوية في فيلاكيو”، وهو واحد من سبعة مراكز مغلقة في البلاد حيث لا يمكن للمهاجرين المغادرة ولا تستطيع وسائل الإعلام الدخول. من المفترض أن تنقل إليه السلطات المهاجرين الذين تعترضهم بعد دخولهم اليونان عبر منطقة إيفروس بطريقة غير شرعية. والهدف من هذا المركز هو أخذ المعلومات الأولية من هؤلاء المهاجرين لتوجيههم إلى المنشآت الأخرى في مختلف المدن اليونانية.
مارغريتس بترزكيس مدير فريق مفوضية اللاجئين داخل مركز فيلاكيو، أبدى قلقه حيال ما يحدث على الحدود في ظل عدم وجود أي جهة تستطيع مراقبة ما يحدث هناك. وأكد أن سعة المركز تصل بحد أقصى إلى 300 شخص، “في بعض الأحيان، لا سيما عند امتلاء المركز، يبقى المهاجرون لأيام عدة في مراكز للشرطة على ضفاف إيفروس قبل نقلهم إلى مركز فيلاكيو”.
ويبقى الغموض يلف منطقة إيفروس وما الذي يمكن أن يحصل في مراكز الشرطة التي يبقى فيها أحيانا المهاجرون لأيام دون أن يكون لديهم أي وصول للمنظمات الحقوقية أو الإعلامية.
الشرطي السابق قال لمهاجرنيوز “كنت أنقل مجموعات من المهاجرين وضعتهم الشرطة في أبنية تابعة لها وكانوا مرغمين على ركوب قاربي للعودة إلى تركيا”.
دانا البوز، موفدة خاصة إلى منطقة إيفروس شمال اليونان
مصدر الخبر
للمزيد Facebook