قمة فرنسية-أفريقية بين أيدي الشباب… فهل ينجحون في بناء علاقات جديدة أم تبقى “هزيمة رمزية” للقارة السمراء؟
نشرت في: 06/10/2021 – 22:48آخر تحديث: 06/10/2021 – 22:49
تستضيف مدينة مونبلييه الساحلية في جنوب شرق فرنسا الجمعة القمة الفرنسية-الأفريقية الـ28. وما يميز نسخة هذه السنة هو غياب الرؤساء والزعماء الأفارقة. فالرئيس إيمانويل ماكرون فضل إعطاء الفرصة للشباب من المجتمع المدني الأفريقي والفرنسي لتبادل الآراء والمواقف حول قضايا عديدة، من أجل التغيير الذي يطمحون إليه. فيما يأتي هذا الحدث السياسي البارز في وقت تأزمت علاقات فرنسا الدبلوماسية مع عدة دول وعلى رأسها الجزائر ومالي. فهل سينجح هؤلاء الشباب في تفعيل ديناميكية جديدة بين مختلف الأطراف؟
تحتضن مدينة مونبلييه، الواقعة جنوب شرق فرنسا الجمعة، القمة الفرنسية-الأفريقية الـ28 بحضور وفود من 53 دولة أفريقية تضم مثقفين ورواد أعمال وفنانين ورياضيين شباب، إضافة إلى جمعيات من المجتمع المدني الأفريقي والفرنسي.
وتختلف هذه النسخة عن باقي القمم الماضية، كونها لن يشارك فيها أي رئيس دولة أو رجل سياسي، عدا إيمانويل ماكرون نفسه لكن سيكتفي بإلقاء خطاب أمام الشبان الحاضرين ظهر الجمعة قبل أن يفسح المجال لأعمال مؤتمرهم.
الرئيس الفرنسي هو الذي اختار هذه الصيغة الجديدة للقمة رغبة منه في “إعطاء الأولوية لشباب هذه الدول ولكل الذين يصنعون التغيير في القارة السمراء وفي فرنسا ومن أجل الإنصات لهم والخروج من الصيغ والشبكات البالية” حسب ما كتبته جريدة “ميدي ليبر” الإقليمية نقلا عن الإليزيه.
ويتوقع أن يحضر الاجتماع نحو ثلاثة آلاف شخص، بمن فيهم أكثر من ألف شاب من القارة السمراء، إضافة إلى العديد من مكونات المجتمع المدني الفرنسي، لبحث قضايا اقتصادية وثقافية واجتماعية.
خمس ورشات لخمسة مجالات
وبفضل الصيغة الجديدة للقمة، يكون إيمانويل ماكرون قد استعبد بشكل غير مباشر رؤساء وزعماء أفارقة لأول مرة في تاريخ هذه القمة التي تشهد منذ 1973 على العلاقات المتقلبة والمضطربة بين بعض دول هذه القارة الشاسعة وفرنسا، المستعمرة السابقة. ويذكر أن بعد قمة بوركينا فاسو في منطقة الساحل التي نظمت في 2017، تم تأجيل قمتين اثنتين بسبب جائحة فيروس كورونا.
هذا، وسيتم وضع هذه القمة تحت رعاية المفكر الكاميروني أشيل مبيمبي الذي أشرف منذ شهور على تنظيم هذا الحدث الذي قد يغير بعض ملامح العلاقات الفرنسية الأفريقية في المستقبل.
وستحتضن قاعة “لوكوروم” صباح الجمعة خمس ورشات يتم خلالها تبادل الأفكار حول خمسة مجالات، وهي الاقتصاد والرياضة والتعليم العالي والبحث العلمي والديمقراطية إضافة إلى الميادين الثقافية. والهدف منها رسم علاقة جديدة بين القارة السمراء وفرنسا.
التأسيس لعلاقة جديدة
هكذا ستكون قمة مونبلييه فرصة سانحة لتبادل الآراء والمواقف بين الشبان المشاركين في هذه الورشات فسيسعون إلى اقتراح توصيات تمكن من بناء علاقة جديدة بين القارة الأفريقية وفرنسا و”إعادة تأسيسها ” حسب الإليزيه.
ويأتي هذا الموعد في وقت تأزمت فيه العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وبعض الدول الأفريقية، لا سيما بعد إعلان باريس أنها ستخفض عدد التأشيرات الممنوحة عادة لمواطني الجزائر والمغرب وتونس، وإغلاق الجزائر مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية احتجاجا على تصريحات منسوبة لماكرون، وفي وقت استدعت فيه مالي السفير الفرنسي احتجاجا على تصريحات ماكرون “غير الودية والمهينة” والتي دعا فيها إلى “عودة الدولة” في مالي.
فهل سينجح أشيل مبيمبي في إقناع الشباب الأفارقة في مونبلييه أن تدهور العلاقات بين فرنسا وبعض الدول الأفريقية هي سحابة صيفية عابرة وأن المياه ستعود إلى مجاريها قريبا؟
فرنسا منفصلة جدا عن واقع “الحركات الجديدة” في أفريقيا
الإليزيه أكد أن “كل المواضيع التي تثير الغضب ستطرح على الطاولة”: من التدخلات العسكرية الفرنسية إلى السيادة والحوكمة والديمقراطية، معترفا بأن “الأجواء السياسية الحالية تجعل المناقشات حساسة”.
وفي تقرير قدمه الثلاثاء إلى الرئيس الفرنسي، أكد مبيمبي أن فرنسا منفصلة جدا عن واقع “الحركات الجديدة والتجارب السياسية والثقافية” التي يقوم بها الشباب الأفريقي. كما أشار أيضا إلى أنه من بين كل الخلافات “ليس هناك ضرر أكبر من دعم فرنسا المفترض للاستبداد في القارة”.
من جهته، يرى الفيلسوف الكندي من أصل غيني أمادو سادجو باري أنه “منذ خطاب واغادوغو، تحركت الخطوط بشكل رمزي وكانت هناك خطوات مهمة” مثل إعادة قطع منهوبة من بنين وإعلان انتهاء الفرنك الأفريقي واعتراف بـ”مسؤوليات جسيمة” لفرنسا في الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا في 1994. وأضاف “لكن فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لا يمكننا التحدث عن تغييرات كبيرة” مذكرا خصوصا بدعم ماكرون لنجل إدريس ديبي عند توليه السلطة في تشاد في نيسان/أبريل الماضي.
صعوبة الحصول على تأشيرات
إضافة إلى القضايا السياسية والدبلوماسية، سيتم مناقشة مشاكل أخرى يعاني منها الشباب الأفارقة وعلى رأسها مشكلة الحصول على تأشيرة للسفر إلى فرنسا للدراسة أو للعمل.
وقال مارك، وهو طالب من ساحل العاج في كلية الصحافة في لانيون في منطقة بريتاني “أريد أن أقول للسلطات الفرنسية. كما تعلمين القدوم إليك خيار ندفع ثمنه غاليا على جميع الأصعدة”، مشيرا إلى أنه “كافح” لأشهر للحصول على تأشيرة ودفع كل مدخراته للمجيء إلى فرنسا.
من جانبه يقول أنزومان سيسوكو المدافع عن المقيمين بطريقة غير قانونية وعضو المجلس البلدي في باريس “هناك نوايا حسنة في قمة مونبلييه لكن هناك أيضا مجموعة كاملة من السكان غير المرئيين لم نوجه إليهم الدعوة: المهاجرون“.
وأضاف “إنهم الفاعلون الحقيقيون في التنمية بفضل المساعدة التي يقدمونها لعائلاتهم في أفريقيا”، حسب تقدير هذا المهاجر المالي السابق الذي كان يقيم بشكل غير شرعي قبل أن يحصل لاحقا على الجنسية الفرنسية.
محو الديون وإجلاء القوات العسكرية
وعبر أنزومان سيسوكو عن أمله في “بناء الجسور بين أبناء المهاجرين المولودين في فرنسا، والشباب المولودين في أفريقيا الذين يلقون بأنفسهم في البحر الأبيض المتوسط ليأتوا إلى هنا”.
وسيسمح شكل القمة بنفض الغبار عن العلاقة الفرنسية الأفريقية لكنها تبقى في نظر أمادو سادجو باري “هزيمة رمزية لأفريقيا نفسها”. فيقول “لماذا لا يزال المستقبل البشري والسياسي والاقتصادي للقارة الأفريقية يناقش في فرنسا؟ لماذا لا تستمع الحكومات الأفريقية نفسها إلى مخاوف شعوبها؟”.
يعد الإليزيه بـ”مقترحات عملية” بناء على التقرير الذي قدمه مبيمبي إلى الرئيس ماكرون. إلى ذلك، دعت بعض الجمعيات المحلية في مدينة مونبلييه كجمعية “المفكرون الأحرار” وجمعية “تضمن 66” وممثلو الحزب الشيوعي المحلي إلى “محو الديون” إضافة إلى “إجلاء كل القوات الفرنسية من القارة السمراء بشكل عام ومن منطقة الساحل على وجه الخصوص”.
طاهر هاني/ أ ف ب
مصدر الخبر
للمزيد Facebook