حين يتحول الطموح إلى عبء.. عن جيلٍ يلهث خلف الكمال

نستيقظ كل صباح ونفتح هواتفنا قبل أن نفتح أعيننا تمامًا. نرى صديقًا سافر، وآخر اشترى بيتًا، وثالثًا صار مديرًا، ورابعًا يشاركنا صورًا من نادٍ رياضي، أو حفلة، أو حياة تبدو بلا تعب. فننظر إلى أنفسنا، ونشعر، من حيث لا ندري، أن ما نملكه قليل، وأن ما حققناه لا يكفي، وأننا تأخرنا كثيرًا عن الآخرين.
لكن الحقيقة البسيطة التي ننسى أن نراها، هي أن تلك الصور واللقطات ليست الحياة، بل أجزاء منتقاة منها. لا أحد ينشر تعبه، ولا وحدته، ولا شكوكه، ولا لياليه التي يسهر فيها قلقًا على الغد. على وسائل التواصل، الجميع بخير، والجميع ناجح، والجميع يضحك. وهنا تكمن المشكلة: لأننا نقارن أنفسنا بنسخٍ مصفّاة من حياة الآخرين، بينما نعيش مع أنفسنا بصدقٍ تامّ، نرى كل ضعفٍ وكل إخفاق.
الإنسان الطموح كان في الماضي يسعى ليُرضي ذاته، أما اليوم فكثيرون يسعون ليُثبتوا شيئًا للآخرين. الطموح لم يعد نابعًا من الداخل، بل موجَّهًا إلى الخارج. نحن لا نحلم لنتطور، بل نحلم لنُثبت أننا ننجح. وهنا يتحوّل الطموح من جناحين إلى قيودٍ من حديد.
من الطبيعي أن نحلم، وأن نعمل بجد، وأن نرغب بحياة أفضل. لكن غير الطبيعي هو أن نحيا في سباقٍ دائم لا يترك لنا لحظةً لنلتقط أنفاسنا أو نحتفل بما أنجزناه فعلًا. ومن غير الطبيعي أن نشعر بالذنب لأننا نرتاح، أو لأننا لا نعمل طوال الوقت، أو لأننا ببساطة بشر يمكن أن نتعب من المكافحة.
إن السعي المستمر دون توقف لا يصنع إنجازًا، بل يستهلكنا من الداخل. فحتى الأرض تحتاج إلى موسم راحة لتعود وتثمر. كذلك نحن، لا يمكن أن نعطي إن لم نتوقف لنتنفس، لنعيد ترتيب دواخلنا، لنتذكر لماذا بدأنا الطريق أصلًا.
ربما علينا أن نعيد تعريف النجاح. فليس النجاح ما يراه الناس، بل ما نعيشه نحن بسلام. النجاح أن تنام مرتاح الضمير، أن تشعر بالرضا لا بالكمال، أن تجد نفسك لا أن تُثبتها للآخرين.
ففي النهاية، لا أحد يسير في طريقك سواك، ولا أحد يعرف صراعاتك الداخلية، ولا ما عبرت لتصل إلى ما أنت عليه. لا تدع صور الآخرين تسرق تعبك الجميل. لا تُرهق نفسك في مطاردة ظلٍّ لا يُمسك. عش طموحك كما يليق بك: بصدق، لا بتحدٍّ.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook





