آخر الأخبارأخبار دولية

تصريحات ماكرون حول الجزائر ستكون نتيجتها عكسية وستساهم في تعقيد العلاقات بين البلدين


نشرت في: 04/10/2021 – 18:07

رغم جهود سابقة بذلتها باريس لتحسين العلاقات مع الجزائر، أدت تصريحات منسوبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحدث فيها عن استغلال النظام الجزائري لـ”ريع الذاكرة” إلى تصعيد التوتر بين البلدين. ولم يتأخر رد الجزائر كثيرا بدءا باستدعاء سفيرها في باريس وصولا إلى منع الطائرات العسكرية الفرنسية من التحليق في أجوائها. ويرى مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي ودول المتوسط في جنيف، حسني عبيدي، في حوار مع فرانس24 أن تصريحات ماكرون تشكل قطيعة مع خطابه التصالحي مع الجزائر.

بعد قرار باريس خفض عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين، تزايد التوتر الدبلوماسي بين فرنسا والجزائر على خلفية تصريحات منسوبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحدث فيها عن “تاريخ رسمي” للجزائر “أعيدت كتابته بالكامل” معتبرا أنه “لا يستند إلى حقائق” إنما على “خطاب يرتكز على كراهية فرنسا”.

كما قال ماكرون إن الجزائر أنشأت بعد استقلالها عام 1962 “ريعا للذاكرة” كرسه “النظام السياسي-العسكري”. وأضاف الرئيس الفرنسي “نرى أن النظام الجزائري منهك، الحراك (الاحتجاجي) في عام 2019 أنهكه”.

وإثر هذه التصريحات، سارعت الجزائر إلى استدعاء سفيرها في باريس “للتشاور” وحظرت السلطات الجزائرية على الطائرات الحربية الفرنسية التحليق في أجوائها.

وعبرت الرئاسة الجزائرية في بيان عن “رفضها القاطع، للتدخل غير المقبول، في شؤونها الداخلية (..) التي تحمل في طياتها اعتداء، غير مقبول، لذاكرة 5.630.000 شهيد (…) في مقاومتهم البطولية، ضد الغزو الاستعماري الفرنسي”. واعتبر البيان أن ”جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر(…) تستجيب لتعريفات الإبادة الجماعية ضد الإنسانية”.

  • فرانس24: ما هي خلفيات تصريحات الرئيس ماكرون، خاصة وأنها تأتي في سياق توتر دبلوماسي بين البلدين؟

حسني عبيدي: تصريحات ماكرون تشكل قطيعة مع خطابه التصالحي مع الجزائر. وهي خطوة تصعيدية من الرئيس الفرنسي تأتي في سياق حملة انتخابية شرسة في فرنسا يسعى خلالها الكثير من المرشحين لاجتذاب أصوات اليمين أو حتى اليمين المتطرف. وهذا ما يفسر الرد الجزائري الحازم مع هذه التصريحات. فالسلطات الجزائرية ترفض إقحامها في هذا الصراع الانتخابي الذي غلب عليه الخطاب الهوياتي.

زد على ذلك أن الصراع يأتي في خضم أزمة صامتة بين البلدين بسبب غياب التفاهم بينهما. ولعل أبرز تجلياتها إلغاء زيارة رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس إلى الجزائر. هذه الأزمة جاءت لتضاف إلى عدة نقاط عالقة بين البلدين ولعل أبرزها ملف الذاكرة الاستعمارية ومسألة خفض التأشيرات الممنوحة للجزائريين لدخول فرنسا.

  • هل نفهم من التصريحات خيبة أمل ماكرون من عدم تجاوب الجزائر مع تصفية ملف الذاكرة الاستعمارية لدفع العلاقات بين البلدين؟

حسني عبيدي: الجزائر تعتبر أن ملف الذاكرة الاستعمارية خاصا ومنفصلا ولا تريد ربطه بتحسين العلاقات بين البلدين. كما إن القول إن النظام يحاول استغلال “ريع الذاكرة” استفز النخب العسكرية والسياسية الحاكمة، فكل الجزائريين يطالبون بالكشف عن تفاصيل جرائم الحقبة الاستعمارية. هذه الذاكرة ليست حكرا على النظام لوحده حيث رفع الجزائريون خلال مسيرات الحراك صور شهداء ثورة الاستقلال على غرار العربي بن مهيدي وغيره. من الواضح أن ماكرون وصل إلى طريق مسدود في علاقته مع الحزائر وفشله في الدفع بما يسميه ملف تصالح الذاكرة واسترجاع الجزائر لرعاياها المقيمين بطريقة غير شرعية وتباطؤ وتيرة التعاون الاقتصادي بين البلدين.

  • ما تفسيرك لتحدث ماكرون عن الإرث العثماني قبل الاستعمار الفرنسي؟

لا يمكن المقارنة بين الاستعمار الفرنسي والوصاية العثمانية فلكل منها سياقها المختلف. كما أن الحديث عن غياب الدولة قبل احتلال فرنسا للجزائر في 1830 مجانب للصواب وخرج فيه الرئيس الفرنسي عن واجب التحفظ وتكلم وكأنه مؤرخ رغم أن كلامه ملزم للدولة. بالمحصلة، تصريحات ماكرون ستكون نتيجتها عكسية وستساهم في تعقيد العلاقات بين البلدين خاصة وأنها تأتي في مرحلة دقيقة تعمل فيها باريس على تغيير استراتيجيتها في منطقة الساحل حيث تخطط لسحب جنودها في قوة “برخان” وإعادة هيكلة قواتها في النيجر.

  • كيف سيؤثر هذا التصعيد الدبلوماسي على العلاقات الاقتصادية والتنسيق بين البلدين؟

حسني عبيدي: هذه التصريحات تأتي في خضم دوامة من الخلافات لكنها تجعل فرنسا تفقد دولة محورية في المنطقة، وقرار منع تحليق الطائرات الفرنسية ليس بالسهل خصوصا في ظل تزايد النفوذ الروسي في منطقة الساحل. والجزائر أرادت من خلال هذا القرار إيصال رسالة بأنها لا تقبل التمادي في التدخل بشؤونها. على الصعيد الاقتصادي، فقدت فرنسا موقعها كشريك أول مع الجزائر منذ مدة إلا أن هذا الأزمة قد تتسبب في تخفيض الجزائر لمعاملاتها التجارية مع باريس.

هذه التصريحات قد تؤثر أيضا على التنسيق الأمني والاستخباراتي بين البلدين وما له من تبعات على منطقة الساحل والملف الليبي الذي يبدو أن البلدين غير متفقين بشأنه هو الآخر. أعتقد أن هذه التصريحات تشكل شرارة غير مسبوقة من حلقات سوء التفاهم بين البلدين. لذا أعتقد أن الطرفين سيعملان على تجميد الوضع الحالي على الأقل إلى نهاية الحملة الانتخابية في فرنسا. كما أن من مصلحة الجزائر عدم التصعيد في علاقاتها مع باريس.

عمر التيس


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى