آخر الأخبارأخبار محلية

خلاصة زيارة أورتاغوس: تحققنا وحذرنا

كتبت جوسلين البستاني في” نداء الوطن”: لا تأتي مورغان أورتاغوس بصفتها مبعوثة رفيعة المستوى تملك خبرة في التواصل الاستراتيجي وإدارة الرسائل المُتشدّدة من أجل “الاستماع”، بل لإعادة تأكيد الرقابة الأميركية على ترتيبات ما بعد وقف النار، وضمان فعاليتها في ظلّ استعادة “حزب الله” تدريجيًا بعضًا من قدراته العسكرية. أي للتحقق ممّا إذا كان خطابه الراهن مُجرّد “ماسكيروفكا”، أم أنه حقًا يترجم عملية إعادة تسلّح فعليّة.

بالتالي، تُدخل زيارة مورغان أورتاغوس طبقة جديدة من المعاني السياسية والعملياتية على الوضع القائم، إذ تُضفي وضوحًا استراتيجيًا على بيئة يُهيمن عليها الغموض المضلِّل. وتأتي في إطار النهج الإقليمي الحازم لإدارة ترامب، ولا تُعدّ عملاً دبلوماسيًا روتينيًا، بل زيارة إشارية تهدف إلى اختبار آليات الاستقرار في جنوب لبنان، وإعادة تقييم حدود تسامح واشنطن مع الخطاب التضليلي الذي يعتمده “حزب الله” من جهة، ومع تباطؤ الدولة اللبنانية في نزع سلاحه من جهة أخرى. فلقاءاتها مع البنية التنسيقية في الجنوب، ولا سيما خط التنسيق بين “اليونيفيل” والجيش اللبناني وإسرائيل، ترمي إلى تقييم مدى فعالية هذه “الآلية” وما إذا كانت قد خضعت لاختراق من جانب “حزب الله”.
إنها، في جوهرها، تعكس تصميم واشنطن على امتلاك وضوح ميداني مباشر قبل أن تقرّر دعم أو تقييد أي عملية إسرائيلية مقبلة.
أما على المستوى التكتيكي، فتشمل الزيارة التحقق أو نفي المعلومات المتعلّقة بتحركات “حزب الله”، ومعايرة الرسائل، أي نقل رسالة واضحة إلى بيروت مفادها أن الولايات المتحدة لن تحمي لبنان من أي ردّ إسرائيلي في حال استمرار انتهاكات وقف إطلاق النار، مع توجيه الخطاب الدولي بحيث يُفهَم أي تحرّك إسرائيلي مقبل على أنه تطبيق لقرارات مجلس الأمن لا عملاً عدوانيًا.
من منظور إسرائيل، تمثل الزيارة إشارة ضمنية لقبول تقييماتها الاستخباراتية، وربما تمهيدًا لتخفيف القيود الأميركية على تحرّكاتها. في المقابل، تُمارِس واشنطن عبر هذه الزيارة ضغوطًا إضافية على الدولة اللبنانية لحثها على إظهار حدّ أدنى من السيطرة على الأرض، رغم محدودية قدراتها المؤسسية.
فمن المرجّح أن تؤيّد إدارة ترامب أي ضربة إسرائيلية استباقية أو وقائية إذا أمكن تبريرها بأنها ضرورية لمنع إعادة تسليح “حزب الله” أو لتحييد تهديد وشيك، استنادًا إلى معلومات استخباراتية مؤكدة تُتَبادل عبر قنوات الاتصال بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وتُظهر أن “حزب الله” يُعيد تشكيل أصوله الدقيقة أو بعيدة المدى. ويُشترط في ذلك تأكيد إسرائيلي على أن العملية محدودة الأهداف ولا تهدف إلى التسبّب بانهيار الدولة اللبنانية، إضافةً إلى إخطار مُسبق لواشنطن يُتيح لها مواءمة رسائلها الدبلوماسية ومواقف قواتها الإقليمية.
يعكس هذا النهج تفضيل الرئيس ترامب سياسة الردع الهجومي أو منع التهديدات من النضوج، بدلًا من احتوائها عبر دبلوماسية طويلة المدى، خصوصًا أن الغموض يخدم مصلحة “حزب الله”، بينما يخدم الوضوح مصلحة إسرائيل. كما ينظر مسؤولو الإدارة الأميركية، ولا سيما داخل مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، إلى استراتيجية “حزب الله” الراهنة في مجال المعلومات على أنها حملة تضليلية تهدف إلى استغلال تردّد الغرب في المخاطرة.
وعليه، فإن موقف واشنطن يقوم على أن أي تحرّك إسرائيلي موثوق لفرض شروط نزع السلاح يُعدّ مقبولًا، بل مرحّبًا به، إذا كان من شأنه أن يُعيد تشكيل الإدراك الإقليمي لعزم الولايات المتحدة على فرض الاستقرار وإحلال السلام عبر الردع بالقوة.
باختصار، تشير زيارة أورتاغوس إلى انتقال إدارة ترامب من التسامح السلبي إلى آلية تحققٍ فعّالة، كما تنسجم مع منطق “الضوء الأخضر المشروط” الذي تتبناه واشنطن، إذ تتيح للإدارة القول: “لقد قمنا بالتقييم، وحذرنا، وتحققنا” قبل أي تحرّك إسرائيلي مُحتمل. بمعنى آخر، إذا كان لا بدّ من التصرّف، فليكن ذلك بشكل نظيف وسريع وبالتنسيق معنا، بما يضمن للولايات المتحدة الأساس السياسي والإثباتي لتبرير موقفها في حال انهيار وقف إطلاق النار.

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى