إسرائيل تواصل الضغط بالنار.. حزب الله يردّ بـالغموض البنّاء؟

لكنّ التصعيد الإسرائيلي المتجدّد لا يُقرأ بمعزَل عن المسار الدبلوماسي الموازي على الحدود وفي العواصم المعنيّة، بدليل توقيته الذي جاء بالتزامن مع جولة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس على الخط الحدودي من الجانب الإسرائيلي، قبل انتقالها إلى بيروت، كما يترافق أيضًا مع سردية إسرائيلية تصعيدية وإشارات إلى “استعداد” عسكري وإعلامي تُذكّر بأجواء ما قبل الحروب، وصولاً حتى إلى تحضير “الذرائع” التي تبرّر العدوان إن وقع.
هنا تتقاطع الدبلوماسية مع الميدان، وهو ما يبدو أنّ “حزب الله” تلقّفه، ليختار أمينه العام الشيخ نعيم قاسم “توقيتًا رمزيًا”، هو ذكرى مرور عام على تولّيه الأمانة العامة للحزب، لإرسال مجموعة من الرسائل تحت عنوان “لدينا من القوة ما لدينا”، محاولاً من خلاله استعادة شيء من معادلة الردع التي لطالما عرف بها الحزب قبل أن يفقدها في الحرب الأخيرة، مع الخسائر الدراماتيكية التي مني بها، فهل ينجح في هذه المهمّة؟
ضغط إسرائيلي بالنار
في المبدأ، لا عنوان يعلو على عنوان الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار التي تكثّفت بشكل لافت خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث تكشف خرائط الاستهداف في الساعات الماضية رغبة إسرائيلية في توسيع رقعة الضغط نحو بيئات مدنية وخدمية، بما يُحمِّل “الدولة اللبنانية” كلفة سياسية واجتماعية وأمنية، وينقل النقاش من اشتباك حدودي إلى مساءلة سيادية داخلية، خصوصًا أنّ شعار “حصر السلاح بيد الدولة” لم يترجم بعد.
ولعلّ ما يزيد من ترجيح رسالة “الضغط” هذه تزامن التصعيد الإسرائيلي المتواصل، مع زيارة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس التي اطّلعت ميدانيًا على الإجراءات الإسرائيلية الحدوديّة عشية قدومها إلى بيروت، في إشارة مزدوجة لجهة ربط الملف اللبناني بمنطق “الحدود والأمن” من الزاوية الإسرائيلية؛ وكذلك، رفع مستوى التوقعات الأميركية من الدولة في بيروت قبل استكمال الوساطة التي اعتقد كثيرون أنّها جُمّدت أو توقفت.
وتغذّي التسريبات الإسرائيلية التي تكثفت هي الأخرى في الأيام الأخيرة هذا المناخ، في ضوء حديث متواتر عن “تحضير” لعملية أوسع، يكاد بعض الإعلام الإسرائيلي يعتبرها “أمرًا واقعًا”، بل إنّ هناك من ذهب إلى حدّ التكهّن بتنسيق مع الولايات المتحدة حول حدود هذه العملية، وآفاقها، وكلّها عوامل تسهم في خلق شعور طاغٍ بأن الانزلاق إلى الحرب احتمالٌ قريب، بما يضغط على بيئة القرار في لبنان قبل وصول الموفدين الدوليين.
رسائل قاسم.. “غموض بنّاء”؟
وسط هذه المشهديّة، جاءت المقابلة التلفزيونية للأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، بمناسبة ربما أرادت قيادة الحزب تظهيرها لأهميتها، وهي ذكرى مرور عام على تولّي الرجل منصبه، وكأنّه بذلك أراد القول إنّه، كما حزبه، صامد رغم كلّ الأقاويل، وأنّه لم ولن يتراجع أمام الضغوط، وهو ما تعزّزه تصريحات الرجل، ولا سيما المعادلة الجديدة التي أطلقها حول تموضع الحزب بعد الحرب الأخيرة، وقوامها: “لدينا من القوة ما لدينا”.
باختصار، يقول العارفون بأدبيّات الحزب إنّها تكتيكات مختلفة يعتمدها الحزب اليوم، خلافًا لتلك التي كان يعتمدها تاريخيًا، وتقوم على عدم عرض “فائض القوة” كما في السابق، في رسالة مضمرة يحاول الحزب من خلالها أن يقول إنّه قوي بما يكفي لاستعادة معادلة الردع، أو بالحد الأدنى تقييد الأهداف الإسرائيلية، حتى إن لم يمنع الحرب بحدّ ذاتها، خلافًا للاستنتاج القائل بأنّ الحزب “انتهى”، بدليل عدم ردّه على كل خروقات اتفاق وقف إطلاق النار.
في خلفية هذه الرسائل، يُقرأ “الغموض البنّاء” خيارًا مقصودًا، لترك الأمور مفتوحة على كلّ السيناريوهات، ويندرج في هذا السياق الحديث عن قدرات الحزب من دون تفصيلها، أو تحديد طبيعتها، وكذلك التلويح بإحداثيات دقيقة لدى الحزب، وتثبيت أنّ الردع يتغذّى على الوقائع لا على الضجيج. باختصار، يقول العارفون إنّ الحزب يحاول من خلال هذا الخطاب ترميم صورة القدرة على الإيلام، مع إبقاء مسافة عن قرار الحرب، ولو أقرّ بأنّها واردة.
بين ضغط النار الإسرائيلي الذي يتقصّد الدولة والمجتمع، وبين “غموض” حزب الله الذي يُراد له أن يُنعش الردع بلا تسرّع، تبدو الساعات المقبلة اختبارًا مزدوجًا: هل تُترجم زيارات الموفدين إلى تبريدٍ متدرّج أم إلى “تسعير” جديد؟ وكيف ستُوزَّع كلفة أي قرار، دبلوماسيًا في بيروت وواشنطن، وميدانيًا جنوبًا، على الأطراف جميعًا؟ الثابت هو أنّ لبنان يُدخَل مجددًا في “سياسة حافة الهاوية”، حيث تُكتَب النتائج على خطّ تماسٍّ واحد بين النار والرسائل.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook





