تكنولوجيا

كيف يحول الذكاء الاصطناعي التكنولوجيا الحيوية إلى سلاح خطير؟ – DW – 2025/10/26

من النادر جدا العثور على أدلة واضحة على  حالات الإرهاب البيولوجي أو التخريب الزراعي، فغالبا ما يتسم هذا المجال بعمليات سرية واتهامات سياسية وأدلة غير مباشرة. وتعد قضية “فوزاريوم غراميناروم” المثال الأكثر توثيقا حتى الآن للاشتباه في قيام الصين بعمليات إرهاب زراعي ضد إحدى الديمقراطيات الغربية:

عينات مشبوهة في الأمتعة

في يوليو/ تموز 2024 تم تفتيش زونيونغ ليو (34 عاما) عالم الأحياء في جامعة تشجيانغ في هانغتشو بجنوب شرق الصين، من قبل موظفي الجمارك بعد هبوطه في مطار ديترويت متروبوليتان في الولايات المتحدة. كانت في أمتعته كومة من المناديل الورقية وورق ترشيح عليه دوائر غامضة وأربعة أكياس بلاستيكية تحتوي على مادة نباتية حمراء بنية اللون لكنها ليست عينات غير ضارة، بل هي Fusarium graminearum والمسبب للأمراض والذي تصنفه السلطات الأمريكية على أنه “سلاح إرهاب زراعي محتمل” يمكن أن يدمر محاصيل كاملة ويسمم الحيوانات والبشر على حد سواء.

في البداية زعم ليو أنه كان يزور صديقته يونتشينغ جيان، الباحثة ما بعد الدكتوراه في مختبر جامعة ميشيغان. لكن تحت ضغط المحققين اعترف في النهاية بأنه أخفى العينات عمدا لاستنساخها في المختبر واستخدامها في تجارب أخرى. كما عثر محققو مكتب التحقيقات الفيدرالي في هاتف ليو على مراجع متخصصة في “الحرب البيولوجية النباتية” وسجلات محادثات مع جيان، وهي أدلة على خطط تهريب متفق عليها ومحاولات سابقة لإدخال عينات محظورة.

إرهاب زراعي في المطار؟

سرعان ما أصبحت صديقته جيان نفسها محط اهتمام السلطات الأمنية، وحسب مكتب التحقيقات الفيدرالي فإنها مدعومة من الحكومة الصينية وهي من المؤيدين المخلصين للحزب الشيوعي، وتجري أبحاثا في ميشيغان على نفس مسببات الأمراض. ويتهمها المحققون مع ليو بالتآمر والتهريب والإدلاء ببيانات كاذبة والاحتيال في الحصول على التأشيرة.

بينما تم ترحيل ليو مباشرة إلى الصين ويبقى بعيدا عن متناول القضاء الأمريكي، تظل جيان قيد الحبس الاحتياطي في انتظار جلسة الاستماع الخاصة بكفالتها.

BdTD الولايات المتحدة الأمريكية، حصاد فول الصويا
هندسة الجينات يمكن أن تكون لها آثار إيجابية هائلة، في تطوير اللقاحات وفي العلاجات القائمة على الجينات ولكن ايضا ينطوي على مخاطر عالية أيضاصورة من: Nick Rohlman/The Gazette via AP/picture alliance

وتتزايد المخاوف في الولايات المتحدة من أن ما بدأ كتبادل علمي كان في الواقع جزءًا من استراتيجية سرية تهدف إلى إضعاف الزراعة الأمريكية من قبل منافس استراتيجي.

 ويتحدث خبراء الأمن وسياسيون عن “مخاوف أمنية وطنية خطيرة” وأصبح هذا الحادث مثالا نموذجيا للتهديد الجديد المتمثل في الإرهاب الزراعي في عصر الحرب الهجينة، حيث هجمات موجهة على إنتاج الغذاء عن طريق إدخال أو تغيير مسببات الأمراض الخطيرة بشكل موجه.

ومن الجدير بالذكر أن فطر Fusarium graminearum موجود بالفعل في الولايات المتحدة. في القمح والشعير ويتسبب الفطر في تجعيد الحبوب وتقليص حجمها، وفي الذرة يسبب تعفن السنابل. لكن الخطر الحقيقي هو ظهور نوع معدل وراثيا لا يمكن علاجه. حتى الآن لا يوجد دليل على أن العينات المهربة قد تم التلاعب بها بالفعل، لكن الخطر حقيقي ومخيف.

التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي.. البعد الجديد للخطر

إلى جانب طرق التهريب التقليدية تكتسب إمكانية تحسين الكائنات الضارة باستخدام  البيولوجيا التخليقية أو تصميم البروتينات المدعوم بالذكاء الاصطناعي أهمية بالغة. ويحذر العلماء منذ فترة طويلة من أن أدوات تغيير الفطريات والجراثيم والفيروسات والبروتينات السامة يمكن أن تخدم أهدافا سلمية، ولكنها قد تخدم أيضا أهدافا حربية أيضا.

ومما يزيد الأمر تعقيدا أن آليات الأمان الحالية غير كافية، إذ تظهر دراسة حديثة أن نماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة يمكن أن تنتج متغيرات بروتينية خطيرة تفلت من أنظمة المراقبة الحالية.

“يمكن أن يكون للبروتينات المولدة بالذكاء الاصطناعي خصائص مشابهة للبروتينات الموجودة في الطبيعة، ولكنها تختلف في تسلسل الحمض النووي. إذا كان البروتين خطيرا فإن أنظمة المراقبة تغفل الخطر”، توضح بيرت بلاتو، أستاذة التربية الدينية في معهد اللاهوت الإنجيلي بجامعة دريسدن التقنية.

ثغرات أمنية في إنتاج البروتينات المولدة بالذكاء الاصطناعي

” هندسة البروتينات هي بحث ذو استخدام مزدوج. لذا يمكن أن يكون لها آثار إيجابية هائلة، مثلا في تطوير اللقاحات وفي العلاجات القائمة على الجينات وفي مفاهيم التشخيص والعلاج الفردية وفي الأمراض التي لا توجد لها حتى الآن سوى علاجات قليلة أو محدودة”، تقول بلاتو، وتضيف أنه “في الوقت نفسه ينطوي هذا البحث على مخاطر عالية لأن هذه التكنولوجيا نفسها قد تكون لها آثار ضارة محتملة مثل التوليف غير المقصود أو المتعمد للجينات التي تشفر بروتينات خطرة مثلا لتطوير أسلحة بيولوجية”.

كما يؤكد مجلس الخبراء الألماني أن تقنيات الاستخدام المزدوج وتصميم البروتينات المدعوم بالذكاء الاصطناعي يجعل الهجمات على البنية التحتية الحيوية والزراعة وسلاسل التوريد أسهل من الناحية التقنية وأكثر سهولة.

ويرى البروفيسور ديرك لانزيرات، مدير المركز الألماني المرجعي للأخلاقيات في العلوم الحيوية، الأمر بشكل مشابه ويقول “تتميز تقنيات الاستخدام المزدوج بأنها يمكن أن تُستخدم لأغراض مدنية ولكن يمكن أيضا إساءة استخدامها لأغراض عسكرية أو إجرامية”. ويواجه الباحثون دائما معضلة، “فمن ناحية يفتح تصميم البروتينات المدعوم بالذكاء الاصطناعي فرصا لتحسين تطوير اللقاحات وتسريع إنتاج الأدوية، ولكن من ناحية أخرى ينطوي على خطر تسهيل تطوير الأسلحة البيولوجية”، حسب البروفيسور لانزيرات من جامعة راينيش فريدريش فيلهلم في بون.

حقول قمح ومزرعة قرب اليرتون في الولايات المتحدة
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية “سلة غذاء العالم” بفضل إنتاجها الكبير من القمح ودورها المهم كمصدر لهذا الغذاء الأساسيصورة من: Joshua A. Bickel/AP/picture alliance

العلم عند نقطة التحول

“قد تؤثر العواقب المحتملة للاستخدام الخبيث على حياة العديد من الأشخاص بشكل سلبي للغاية. ولكن الأمر نفسه ينطبق أيضا على الآثار الإيجابية. لذلك يجب الموازنة بين الأضرار والفوائد المحتملة بحكمة”، حسب البروفيسورة بلاتو، وهي عضو في مجلس إدارة مركز الكفاءة في مجال الذكاء الاصطناعي التابع لجامعة دريسدن التقنية.

وتستجيب الأوساط العلمية بالتزامات ذاتية ومدونات أخلاقية، لكن ديناميكية التقدم التكنولوجي تتطلب تنظيما دوليا أقوى وهيئات رقابة مستقلة.

حتى اليوم نادرا ما توجد أدلة قضائية قاطعة على وقوع هجمات فعلية. لكن التغير في صورة التهديد يجبر الديمقراطيات الغربية على توخي الحذر: إن الجمع بين تصميم البروتينات المدعوم بالذكاء الاصطناعي ومشكلة الاستخدام المزدوج، ونقص في التعرف على المخاطر يخلق بعدا جديدا للإرهاب الزراعي والبيولوجي.

وكما توضح حالة يونتشينغ جيان وزونيونغ ليو، لم يعد من الممكن شن هجوم على بلد ما بالوسائل التقليدية فحسب، بل أصبح من الممكن شنه بالوسائل الميكروبيولوجية أيضا. وقد تبدأ الأزمة الكبرى التالية بشكل غير مرئي تماما حيث ينتهي التحكم في جراثيم الفطريات ومتغيرات الجينوم.

أعده للعربية: م.أ.م


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى