المؤثرون والإعلانات: بين التأثير الحقيقي والضجيج الرقمي
الخميس, 23-10-2025 9:30 ص
0 2 دقائق
شهدت السنوات الأخيرة في لبنان طفرة كبيرة في عالم الإعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تحوّل “المؤثرون الرقميون” إلى ركيزة أساسية في استراتيجيات التسويق لدى الشركات والعلامات التجارية. ومع تزايد الاعتماد على المنصات الرقمية، أصبح “الانفلونسر” اليوم ليس مجرد وجه دعائي، بل أداة فعالة لصنع الرأي وتوجيه المستهلكين، خصوصاً في بلد يمر بأزمات اقتصادية متلاحقة دفعت العديد من الشركات إلى البحث عن وسائل ترويج أقل كلفة وأكثر تأثيراً.
يُعتبر السوق اللبناني من أكثر الأسواق العربية نشاطاً في مجال التسويق عبر المؤثرين، نظراً للطابع الحيوي للمجتمع اللبناني واهتمامه الدائم بالموضة، الجمال، والأكل، إضافة إلى الانتشار الواسع للهواتف الذكية واستخدام الإنترنت. لذلك، أصبح من الشائع أن نرى مؤثراً لبنانياً يروّج لمنتج تجميلي أو مطعم أو علامة محلية بأسلوب قريب من الجمهور وبلهجة محبّبة، ما يجعل الإعلان يبدو كأنه توصية شخصية لا حملة تجارية.
لكنّ هذا الازدهار لم يخلُ من التحديات، حيث بدأ الكثير من المستخدمين يشكّكون في صدقية المؤثرين الذين يروّجون لأي منتج في مقابل المال، رغم انه بمقدار جودة منخفضة. هذه الظاهرة أوجدت فجوة بين “المؤثر الحقيقي” الذي يبني علاقة ثقة مع متابعيه، و”المؤثر التجاري” الذي يتعامل مع المحتوى كوسيلة للربح فقط. وأثناء هذه المرحلة، بدأت العلامات التجارية تبحث عن التوازن بين الشهرة والتأثير الفعلي، وترغب في التعاون مع مؤثرين لا يملكون أعدادًا خيالية من المتابعين لكن يشكلوا فرقًا لديهم، بدلًا من أصحاب الارقام الضخمة الذين يقتقرون للتفاعل الحقيقي.
من جهة أخرى، أثرت الأزمة الاقتصادية على قطاع الإعلانات الرقمي في لبنان، لكن هذا الامر انعكس ايجابًا على عمل المؤثرين، فمعظم الشركات لجأت لهم لتقليص ميزانياتها. وأصبحت شركات التسويق والسوشيال ميديا، تخصص لهم مساحة في استراتيجياتها التسويقية، خصوصًا انهم أقل كلفة من الطرق التقليدية مثل التلفزيون أو اللوحات الطرقية. كما دُمجت مبادرات محلية لتعزيز العلامات الصغيرة من خلال التعاون مع مؤثرين جددا، خاصة في مجالات الطعام المنزلي، والصفحات الجديدة.
من الناحية القانونية، لا يزال لبنان يفتقر إلى إطار واضح ينظّم الإعلانات عبر المؤثرين. فغالبية المحتوى الترويجي لا يُفصح بوضوح عن كونه إعلاناً مدفوعاً، ما يثير تساؤلات حول الشفافية والصدقية. وقد بدأت بعض الجمعيات المهنية والمبادرات الإعلامية بالدعوة إلى وضع مدوّنة سلوك تُلزم المؤثرين بالإفصاح عن طبيعة التعاون الإعلاني، انسجاماً مع المعايير المعمول بها في الأسواق العالمية.
في المحصلة، يمكن القول إن عالم المؤثرين في لبنان يقف اليوم عند مفترق طرق: بين الاحتراف والفوضى، بين التأثير الحقيقي والاستعراض. فالفرصة كبيرة لبناء صناعة إعلانية رقمية ناضجة تستفيد من الطاقة الإبداعية لدى الشباب اللبناني، لكنّ النجاح الحقيقي لن يتحقق إلا عندما يتحوّل “المؤثر” من مجرّد واجهة جميلة إلى صوت صادق قادر على إلهام جمهوره بذكاء ومسؤولية.