اقتراح لاسترجاع الودائع بالليرة واستخدامها لدفع الضرائب…جلد المودع مرتين!

وفق تقرير بنك عودة الفصلي، ارتفعت الودائع بالليرة اللبنانية بمقدار 5.8 تريليون ليرة، من 67.9 تريليون في كانون الأول 2024 إلى 73.7 تريليون في أيار 2025. ما يعكس حجم الكتلة الماليّة المجمّدة داخل المصارف من دون أي قدرة على الاستفادة الفعليّة منها.
اقتراح البستاني: تسوية على أساس 20%
في محاولة لمعالجة هذه المعضلة، تقدّم النائب فريد البستاني باقتراح قانون يهدف إلى تسوية أوضاع الودائع بالليرة للأفراد والشركات، شرط أن تكون مودعة في المصارف قبل 17 تشرين الأول 2019 وما تزال موجودة حتى تاريخ صدور القانون.
بموجب الاقتراح، تُحتسب هذه الودائع على أساس 20% من سعر صرف السوق بتاريخ الدفع، ولا يحقّ لأصحابها استخدامها إلّا لتسديد الضرائب والرسوم للدولة حصرًا.كما يحدّد الاقتراح سقفًا سنويًّا يعادل 100 ألف دولار أميركي لكل مكلّف، وفق سعر الصرف السائد في السوق.في الشق الإيجابي، يحوّل هذا الاقتراح الودائع التي أصبحت أرقامًا في المصارف إلى أداة لتسديد الالتزامات الضريبيّة، بما يساهم في تعزيز إيرادات الخزينة، ورفع نسبة التحصيل، والحد من التهرّب الضريبي، فضلاً عن تقليص الكتلة النقدية المجمّدة. لكن هل ينصف هذا الاقتراح المودعين أم يكرّس خسائرهم؟
يرى خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي أنّ النقاش العام يركّز غالباً على الودائع بالدولار، في حين أنّ معالجة الودائع بالليرة أكثر تعقيداً، إذ تتداخل فيها ثلاثة محاور أساسية، الودائع بالليرة في الحسابات المصرفيّة، تعويضات نهاية الخدمة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، التي تمثّل إشكالية كبيرة، وأزمة النقد الوطني المتمثّل بالليرة اللبنانية، التي فقدت قيمتها نتيجة الأداء السياسي وغياب الحلول الجديّة للوضع الاقتصادي وللأزمة المصرفية. من هنا، يرى فحيلي في حديث لـ “لبنان 24” أنّ أيّ معالجة جديّة يجب أن تنطلق من ملف الودائع بالليرة نفسه، لا أن تبقى محصورة في معالجة الدولار فقط.
ملاحظات جوهريّة على اقتراح البستاني
يقترح البستاني اعتماد 20% من سعر الصرف في السوق، وهنا تبرز إشكاليتان وفق فحيلي، الأولى، أنّ سعر الصرف المعتمد في السوق اليوم لم يتكوّن نتيجة توازنات اقتصادية طبيعيّة، بل هو سعر مفروض بقرار من المجلس المركزي لمصرف لبنان في 18 تشرين الأول 2023، حيث حدّد مصرف لبنان السعر الرسمي بـ 89,500 ليرة ووضعه على موقعه الإلكتروني، وأُكّد عليه لاحقًا في التعميم الأساسي رقم 167 في كانون الثاني 2024. الإشكاليّة الثانية تكمن في النسبة التي اقترحها البستاني، وهنا تبرز تساؤلات جدّيّة، لماذا هذه النسبة بالتحديد؟ ولماذا لم يتم اعتماد 50% أو 70% أو حتى 10%؟ ما الأساس الاقتصادي أو المالي الذي بُنيت عليه هذه المعادلة، وما جدواها الفعليّة؟. إضافة إلى ذلك، فإن اقتصار استخدام هذه الأموال على تسديد الضرائب لا يأخذ في الاعتبار أنّ العديد من المودعين لديهم أرصدة تفوق بكثير التزاماتهم الضريبيّة، ما يجعلهم غير مستفيدين عمليًّا من هذه الآليّة.
فجوة في التنفيذ وتوزيع الخسائر
معظم المقترحات، بما فيها اقتراح بستاني، يعاني من غياب آليات تنفيذ واضحة، ومن عدم تحديد الجهة التي ستتحمّل الفارق الكبير بين سعر الصرف الرسمي المقترح وسعر السوق الفعلي “ما يفرض توضيحًا دقيقًا لكيفية توزيع الخسائر. الأمر نفسه ينسحب على قانون الفجوة المالية، حيث لا زالت الخسائر من دون توزيع عادل بين الدولة والمصارف والمودعين” يقول فحيلي.
تعزيز المالية العامة من جيوب المودعين!
التوجّه نحو طرح حلول مالية بهدف زيادة إيرادات الدولة على حساب أموال المودعين لا يمكن اعتباره إنجازًا “استعمال أموال الناس لتعزيز مالية الدولة ليس مدعاة للفخر”.
شبكة أمان اجتماعي
معالجة أزمة الودائع بالليرة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحلّ الأزمة الاقتصادية الشاملة. “فاستقرار العملة الوطنية يشكّل مفتاح استعادة جزء من القيمة المفقودة للودائع وشرطًا أساسيًّا لأي خطة تعافٍ”. وفي معرض طرح حلول يشدّد فحيلي على أولوية إنشاء حزام أمان اجتماعي يحمي الفئات الضعيفة، في ظل نسب الفقر المرتفعة وصعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسيّة مثل الطبابة والتعليم.
أكلاف الخدمات باهضة
أدت السياسات المالية، لا سيما رفع السعر الرسمي للدولار من 15,000 إلى 89,500 ليرة، إلى ارتفاع كبير في كلفة الخدمات العامة وفواتير الكهرباء والاتصالات، يلفت فحيلي، مما قلّص القدرة الشرائية حتّى بالنسبة للموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار، فكيف الحال بالنسبة للمودع الذي يتقاضى رواتب متدنيّة بالليرة، ويحتاج أن ينفق من وديعته لتأمين الحد الأدنى من العيش الكريم، مشيرًا إلى أنّ البيانات المطلوبة لمعرفة أوضاع المودعين موجودة لدى المصارف ومصرف لبنان، ومن السهل التمييز بين المودع الذي يملك مصادر دخل بالدولار ولا يعتمد على حساباته باللولار أو الليرة، وبين المودع الذي يحتاج إلى أمواله المحجوزة في المصارف لتأمين معيشته.
تقليص النفقات وهيكلة القطاع العام
تفتقر الحلول المطروحة سواء في المشاريع الواردة من الحكومة أو عبر اقتراحات نيابية إلى معالجة الأزمة بتشعّباتها ومفاعيلها على المواطن والمصارف والدولة، ويتمّ التركيز فقط على ضمان قدرة الدولة على تأمين تمويل الرواتب والأجور، من دون تقليص حجم القطاع العام أو تنفيذ إعادة هيكلة ذاتيّة، وهنا يكمن القصور في الرؤية العلاجيّة بنظر فحيلي “على عكس القطاع الخاص الذي نجح في الاستمرار بفعل خفض التكاليف التشغيليّة والاستغناء عن موظّفين، فاثبت قدرة استثنائية على الصمود والتكيّف مع الأزمة.”
لا تعافٍ بلا معالجة جذريّة لانهيار العملة الوطنيّة
الاقتراحات المطروحة حالياً أقرب إلى آليات جباية منها إلى حلول اقتصاديّة مستدامة، ولا بدّ من معالجة أزمة الودائع بالليرة اللبنانية في أيّ خطة تعافٍ اقتصادي، هذه الأموال ليست مجرد مسألة حسابية، بل قضية تمسّ العدالة الاجتماعية، والثقة بالقطاع المصرفي، واستقرار النقد الوطني. وأيّ حلّ حقيقي لا يمكن أن يتحقق من دون مقاربة شاملة تعيد توزيع الخسائر بعدالة وتضع مصلحة المواطنين في صلب المعالجة.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook