هل ماتت أسطورة العالم العبقري في زمن العولمة؟ – DW – 2025/10/8

في شهر تشرين الأول/أكتوبر من كل عام يرن هاتف بعض العلماء والباحثين ليتم إخطارهم بأنهم فازوا بجائزة نوبل في الطب أو الفيزياء أو الكيمياء.
ويندهش الباحثون الذين قد يكونون قد استيقظوا للتو من نومهم ويشاركون في مكالمة فيديو مع ستوكهولم. والآن يتعين عليهم شرح أبحاثهم التي استغرقت حياتهم كلها في غضون بضع دقائق لوسائل الإعلام.
يحاول الصحفيون يائسين فهم ما هي “النقط الكمومية” أو “الفوتونات المتشابكة”. يكتبون مقالاتهم ثم يتنفسون الصعداء، لأن الهدوء سيعود لمدة عام آخر. في الأسبوع التالي لن تكونجوائز نوبل موضوعاً للنقاش.
بصراحة: من يهتم حقاً اليوم بجوائز نوبل؟ هل لا تزال الجائزة العلمية التي مُنحت لأول مرة في عام 1901 بكل ما تحمله من بهاء وطقوس رفيعة المستوى ذات أهمية اليوم؟
تساهم جوائز نوبل في تعريف العامة بالاكتشافات العلمية. ولكن أليست متحيزة بشكل كبير، إذا أخذنا في الاعتبار أن أغلب الفائزين من أوروبا والولايات المتحدة، ومن الرجال على حساب السيدات؟
Table of Contents
الفكرة النبيلة وراء جائزة نوبل
تعود فكرة جوائز نوبل إلى الوصية الأخيرة لعالم يعاني من الشعور بالذنب: ألفريد نوبل، مخترع الديناميت. أراد أن يكرم العلماء المتميزين “الذين قدموا أكبر فائدة للبشرية في العام الماضي”.
تعد جوائز نوبل لبنة مهمة في مدماك التقدم العلمي؛ إذ أنها تكرم التطوير السريع للقاحات التي حملت ملايين الأشخاص من الإصابة بأمراض خطيرة خلال جائحة كورونا، واختراع مصابيح LED الموفرة للطاقة، وتقنيات مثل المقص الجيني التي يمكن من خلالها علاج أمراض كانت تعتبر في السابق مستعصية.
“لا شك أنها بمثابة قمة جبل إيفرست في مجال العلوم. جوائز نوبل تظهر أبرز الاكتشافات العلمية وهناك ارتباط عاطفي بها”، يقول رجيب داسغوبتا. وهو عالم أوبئة وأستاذ الصحة العامة في جامعة جواهر آل نهرو في نيودلهي بالهند.
هل يمكن لجوائز نوبل أن تحبّب الجيل بالعلوم؟
يختلف الاهتمام الإعلامي بجوائز نوبل من بلد إلى آخر. يقول رجيب داسغوبتا إن الهند تتابع حفل توزيع الجوائز عن كثب. هناك اهتمام مفصل يتجاوز مجرد الأخبار. “ينبع هذا الاهتمام من توجه نظام التعليم في الهند نحو مواد العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات”، يقول الباحث الهندي.
من أجل إثارة اهتمام الأطفال بالعلوم الطبيعية تُدرَّج جوائز نوبل في المناهج التعليمية بالمدارس الهندية. ولا يقتصر الأمر على الهند.
ليلي غرين هي مدرسة أحياء في نيوبري، بريطانيا. تدرِّس تلاميذاً تتراوح أعمارهم بين 11 و18 عاماً وقد تناولت تاريخ جوائز نوبل في دروسها. “نستخدم ذلك لتعليم المفاهيم الأساسية للعلوم. أفضل الاكتشافات هي تلك التي تحفز خيال الأطفال من خلال قصص رائعة أو فضائح”. مثل قصة باري مارشال، الطبيب الأسترالي الذي شرب أنبوب اختباري يحوي بكتيريا لإثبات أن أحماض المعدة (العصارة المعدية) لا تقتل جميع البكتيريا. ومع ذلك تشك غرين في أن جوائز نوبل هي التي تدفع الشباب إلى دراسة العلوم الطبيعية: “إنهم عادة ما يكونون مفتونين ومتحمسين للعلوم، وليس لأنهم يريدون الفوز بجائزة نوبل”.
أسطورة العالم العبقري
في سنواتها الأولى كانت جوائز نوبل تُمنح في الغالب لعلماء ذكور مثل ألبرت أينشتاين وإرنست رذرفورد. كانت امرأة مثل ماري كوري استثناءً ولا تزال كذلك حتى اليوم. حصلت كوري على جائزتي نوبل، أي أنها استثناء مزدوج.
وقد ساهمت الجوائز في ظهور فكرة العالم العبقري الذي يدفع العلم إلى الأمام بمفرده بفضل ذكائه الخارق. لكن في الواقع يحدث التقدم العلمي بطريقة مختلفة تماماً؛ فهو يتطلب تعاون مئات الباحثين من جميع أنحاء العالم ومن مختلف مجالات البحث. العلم فيه تخصصات رئيسية وتخصصات فرعية لا تحصى، ولكن الكثير منها متداخلة وتخدم بعضها البعض.
اليوم يتم توزيع جوائز نوبل عادة بين مجموعات من العلماء. شارك مع كل حائز على جائزة نوبل آلاف العلماء وطلاب الدكتوراه والفنيين في الأبحاث وإجراء التجارب، بيد أنهم في الغالب يبقوا مجهولين للجمهور العام.
ترى ليلي غرين أن هناك ميلاً في جوائز نوبل إلى المبالغة في تقدير عمل العلماء الأفراد وتعتقد أن فكرة العالم العبقري المنفرد آخذة في التلاشي. “نركز بشكل متزايد على أن العلم هو جهد جماعي. وهذا يساعد الأطفال على إدراك حجم العمل الذي يتطلبه تحقيق الاكتشافات العلمية”، كما تقول.
نقص التنوع في جوائز نوبل
لكن أكبر انتقاد موجه إلى هذه الجائزة المرموقة هو التالي: منح الأفضلية لمعاهد البحوث الغربية في اختيار الفائزين. في العلوم الطبيعية تقل نسبة النساء الفائزات بجائزة نوبل عن 15٪. وينحدر ما مجموعه 468 فائزاً بجائزة نوبل من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا. وثمانية من الفائزين بجائزة نوبل من الصين، و12 من الهند.
“معظم الجوائز مستحقة للغاية ولكن هناك أيضا سياسة وراءها. في العديد من البلدان يتم تجاهل مؤسسات البحث بما في ذلك الهند. وبالتأكيد لجان جائزة نوبل ليست شاملة كما ينبغي أن تكون”، يقول رجيب داسغوبتا.
قد تؤدي جوائز نوبل إلى تفاقم هذه اللامساواة: ففي الغالب تؤدي الجوائز والاعتراف المصاحب لها إلى زيادة الموارد المالية المخصصة للبحث العلمي.
ومع ذلك يقر راجيب داسغوبتا بأن مؤسسات البحث العلمي في الهند ودول أخرى يجب أن تتحسن لتتمكن من منافسة الولايات المتحدة أو أوروبا. عندها فقط ستكون هذه البلدان قادرة على الاحتفاظ بالمواهب التي أنتجتها.
أعده للعربية: م.أ.م
مصدر الخبر
للمزيد Facebook