سلام في المأزق بارادته فمن ينزله عن الشجرة؟

الخطأ الثاني الذي عمّق مأزق رئيس الحكومة تمثّل في إصراره على الا يتم أي نشاط جماهيري أو تحرّك شعبي من دون موافقته المسبقة، وهو ما بدا كأنه محاولة لفرض وصاية سياسية وإدارية غير ممكنة عملياً في واقع لبنان المعقّد. هذا التشدد دفعه تدريجياً إلى الصعود أكثر فأكثر إلى أعلى الشجرة، عندما قرر عدم تخطي فكرة حصول النشاط حتى من دون موافقته فاختار الاعتكاف وإظهار نفسه في موقع من يريد اتخاذ موقف مبدئي وحازم، لكنه في الواقع زاد بذلك من تعقيد المشهد ووضع نفسه في زاوية ضيقة يصعب الخروج منها بسهولة.
وما زاد الوضع توتراً أن رئيس الحكومة فتح اشتباكاً سياسياً وإعلامياً مع القوى الأمنية، وتحديداً مع الجيش ، في خطوة قرأها كثيرون على أنها خوض لمواجهة مفتوحة مع مؤسسات الدولة. هذا الاشتباك لم يبقَ في الإطار الأمني فقط، بل تمدّد إلى علاقة رئيس الحكومة مع رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي يحمل رؤية مختلفة تماماً عن رؤية سلام في التعاطي مع الملفات. وبرز هذا الخلاف بوضوح في الردّ الحازم الذي صدر عن وزير الدفاع المحسوب على رئيس الجمهورية، والذي شكّل رسالة سياسية مباشرة لسلام بأن مواقفه غير مقبولة داخل منظومة السلطة نفسها واعتكافه قد يصيب العهد، ولا احد غيره.
أمام هذا المشهد، يبدو أن سلام بات بحاجة ماسة إلى “سُلَّم” ينزل به عن الشجرة التي صعد إليها بقراراته ومواقفه المتسرّعة. غير أن المعضلة تكمن في أن أحداً لا يبدو مستعداً لتقديم هذا السلم له، لا القوى السياسية التي ترى في تراجعه ضعفاً سياسياً يمكن استثماره، ولا الأجهزة الأمنية التي دخل معها في مواجهة مباشرة، ولا حتى رئاسة الجمهورية التي تنظر إليه باعتباره مسؤولاً عن تأزيم الوضع. هكذا يجد رئيس الحكومة نفسه اليوم أمام معادلة صعبة: المضي في طريق التصعيد يعني المزيد من العزلة والتعقيد، والتراجع يعني خسارة صورته كمَن أراد أن يفرض سلطته. وفي كلتا الحالتين، يظهر أن سلام دفع نفسه إلى مأزق ذاتي كان يمكن تفاديه لو أحسن قراءة الواقع السياسي اللبناني وتعقيداته قبل اتخاذ قراراته.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook