آخر الأخبارأخبار محلية

عام على الحرب الإسرائيلية الدموية.. هل يفعلها نتنياهو مجدّدًا؟

مرّ عام كامل على اندلاع الحرب الإسرائيلية الدموية التي نقلت معركة “الإسناد” التي فتحها “حزب الله” من مكان إلى آخر، وأعقبت “هجوم البيجر” الشهير، الحدث الذي قلب المعادلات في المنطقة وأدخل لبنان مجددًا في دائرة النار. فخلال أشهر قليلة من المواجهات، تكبّد لبنان أثمانًا بشرية واقتصادية هائلة، فيما خرج “حزب الله” من المعركة مثقلًا بجراح عسكرية واضحة، وإن حافظ على بعض الزخم السياسي والإعلامي في بيئته.

 
اليوم، ورغم التوصل إلى اتفاق هش لوقف إطلاق النار بعد تلك المواجهة، فإنّ صورة المشهد اللبناني والإقليمي لا تبدو وردية. إسرائيل لم توقف خروقاتها، واستطلاعها الجوي المكثّف فوق لبنان ما زال يثير المخاوف من تصعيد جديد، في وقت يترقب فيه الداخل اللبناني أعباءً إضافية، بعدما تجاوزت الخسائر السابقة خمسة آلاف قتيل وأكثر من 14 مليار دولار من الأضرار المباشرة وغير المباشرة.
 
وسط هذه الصورة القاتمة، تطرح الذكرى الأولى للحرب سؤالًا إشكاليًا: هل يمكن أن تتكرر المواجهة في هذه المرحلة؟ وهل يفعلها بنيامين نتنياهو مجددًا، مستندًا إلى هواجس داخلية وأجندات سياسية، خصوصًا إذا ما شعر بأيّ مماطلة في تحقيق الأهداف التي لم تتحقّق، ومن ضمنها نزع سلاح “حزب الله”، أم أن الحسابات الإقليمية والداخلية في لبنان ستكبح جماح الحرب، ولو أنّ المواقف الأميركية تبدو برأي كثيرين محفّزة لها، لا العكس؟!
 
محطّة مفصليّة
 
لا يمكن النظر إلى الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان إلا باعتبارها محطة مفصلية في الصراع الممتد منذ عقود. فالحملة الإسرائيلية كانت الأعنف، بل الأقسى، منذ حرب تموز 2006، حيث امتدت المواجهات لأسابيع طويلة، تخللتها عمليات قصف مركّزة على البنية التحتية اللبنانية، واستهداف مباشر للقرى الجنوبية، وصولاً إلى الضاحية الجنوبية لبيروت ما أدى إلى نزوح مئات الآلاف وتشريد عشرات الآلاف من العائلات.
 
على المستوى العسكري، تلقّى “حزب الله” ضربة قاسية، إذ تآكل زخم قوته تدريجيًا، وخسر قدرات نوعية في ترسانته الصاروخية ومراكزه القيادية، خصوصًا مع اغتيال أمينه العام السابق وزعيمه السابق السيد حسن نصر الله، في حدث لم يتوقعه أحد. ومع ذلك، لم ينجح الجيش الإسرائيلي في تحقيق “النصر الكامل” الذي روّج له، إذ بقي الحزب متماسكًا سياسيًا، قادرًا على الاستمرار ضمن معادلة “المقاومة” التي يطرحها لجمهوره الداخلي والإقليمي.
 
لكن الخسائر لم تقف عند حدود الساحة العسكرية، فقد دفعت بيئة الحزب أثمانًا باهظة، سواء لجهة الدمار في المناطق الجنوبية والضاحية، أو لجهة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي عمّقت الأزمة المعيشية اللبنانية. وهكذا، تحوّل الانتصار الإعلامي الذي حاول الحزب تسجيله إلى معادلة أكثر تعقيدًا، حيث بدا وكأنّ الحفاظ على الزخم السياسي جاء مقابل خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة.
 
هل تعود الحرب؟
 
لعلّ السؤال المطروح اليوم يتمثل في مدى واقعية عودة الحرب من جديد، فعلى المستوى الإسرائيلي، ثمة من يعتقد أن نتنياهو لم ينهِ بعد مشروعه في القضاء على “حزب الله”، وأن الحرب السابقة لم تكن سوى جولة أولى في سياق طويل. ويجد هذا التقدير ما يدعمه في كثافة الاستطلاعات الجوية الأخيرة وفي الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي يواصل تحميل الحزب مسؤولية تهديد الأمن القومي.
 
في المقابل، تبدو قدرة “حزب الله” على خوض مواجهة جديدة موضع تساؤل. فبعد عام على الحرب، يبدو الحزب في أضعف حالاته عسكريًا، وقد خسر قسمًا مهمًا من مخزونه الصاروخي وبنيته القتالية. ومع ذلك، لا يظهر أي استعداد للتسليم بسحب سلاحه أو التراجع عن دوره الإقليمي. بل على العكس، يصرّ قادته على رفض الاستسلام للأمر الواقع، معتبرين أن المواجهة مع إسرائيل خيار استراتيجي لا تراجع عنه.
 
لكن أي حرب جديدة لن تكون بلا حسابات. فلبنان الرسمي يواجه شللًا اقتصاديًا وسياسيًا، وبيئة الحزب غارقة في أزمات معيشية خانقة، فيما المجتمع الدولي غير مستعد لمنح غطاء طويل لأي حرب مفتوحة. وهذا ما يجعل سيناريو اندلاع مواجهة جديدة رهينًا بعوامل إقليمية ودولية أكثر منه قرارًا منفردًا من نتنياهو أو الحزب، ولو أنّ إسرائيل تتصرّف منذ فترة كـ”ضابط” للمنطقة بأسرها، في محاولتها لفرض نفوذها عليها، وبالتالي الضرب حيثما وكيفما تشاء.
 
عام مضى على الحرب، ولبنان لا يزال يعيش في تداعياتها الثقيلة. الخسائر البشرية والاقتصادية لم تُرمّم، والجرح العسكري لـ”حزب الله” لم يلتئم، فيما إسرائيل تواصل سياستها التصعيدية. ومع الذكرى الأولى، يعود السؤال ليطرح نفسه بقوة: هل يفعلها نتنياهو مجددًا ويجرّ لبنان إلى حرب أخرى؟ الإجابة لا تزال رهينة التوازن الدقيق بين طموحات إسرائيل، قدرات الحزب، وضغوط الداخل والخارج، ما يجعل المستقبل مفتوحًا على احتمالات خطيرة، قد يكون لبنان أول من يدفع ثمنها!

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى