آخر الأخبارأخبار دولية

الخضر والليبراليون… صانعو الملوك الذين يبحثون عن تحالف مستحيل

نشرت في: 28/09/2021 – 14:07

أفرزت الانتخابات العامة في ألمانيا، التي أجريت الأحد، نتائج متقاربة بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي والمحافظين، وهذا ما صب في مصلحة تيارين سياسيين آخرين هما الليبيراليون والخضر، إذ صارا، مع هذه النتائج، من صانعي الملوك، ولا يمكن أن ينجح الاشتراكيون ولا المحافظون في تشكيل حكومة دون اللجوء إليهما.

فرضت نتائج الانتخابات العامة في ألمانيا، التي أجريت الأحد، كلا من الخضر والليبيراليين كرقم أساسي في معادلة تشكيل حكومة جديدة، نظرا للنتائج المتقاربة جدا التي حصل عليها كل من الاشتراكيين والمحافظين في هذا الاستحقاق. والكل يترقب اليوم أيا من الحزبين الفائزين سيربح الرهان في التحالف معهما لتشكيل حكومة جديدة.

وفي ظل هذا الوضع السياسي، يخفت نجم المتنافسين على منصب المستشارية: أولاف شولتز عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي وأرمين لاشيت عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، حزب أنغيلا ميركل، وتسلط الأضواء أكثر على صانعي الملوك: كريستيان ليندنر، رئيس الحزب الديمقراطي الحر، والثنائي روبرت هابيك وأنالينا بربوك، قادة حزب الخضر.

للمزيد…الانتخابات الألمانية: هل يخلف أولاف شولتز “أكثر سياسي ممل في العالم” المستشارة ميركل؟

وضع غير مسبوق

إنهما يعلمان أنه لا يمكن لأي من الحزبين الكبيرين تشكيل حكومة دون إشراكهما. لهذا السبب، “للمرة الأولى في التاريخ السياسي الألماني، اجتمع الحزبان الصغيران يوم الاثنين 27 سبتمبر/أيلول، قبل بدء المفاوضات مع الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي”، كما يؤكد كلاوس شوبرت أستاذ العلوم السياسية في معهد البحوث السياسية بجامعة مونستر لفرانس24.

“إنها قطيعة مع التقاليد التي بموجبها يحدد الحزب الذي يتصدر نتائج الانتخابات، ‘في هذه الحالة الحزب الاشتراكي الديمقراطي‘، جدول أعمال المفاوضات. ونعلم مدى ارتباط الألمان عموما بهذه الأعراف”، يلفت كلاوس شوبرت. وهو وضع خلق نوعا من الاضطراب في المشهد السياسي.

ما هي السيناريوهات الممكنة لتشكيل حكومة جديدة؟



وهذا التحول في التقاليد السياسية الألمانية، يظهر إلى أي حد أن الوضع بالبلد، بشكله الحالي، غير مسبوق. فيوضح شوبرت “إنه لأمر ذكي للغاية من جانبهم، لأنه إذا نجح الخضر والليبيراليون في التوصل إلى اتفاق، فسيكونون في موقع قوة للتفاوض مع الاشتراكيين والمحافظين وفرض أجندتهم الخاصة بالمطالب”، علما أنه جرت العادة أن الحزب الفائز هو من يحدد معظم أولوياته.

لكن حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر لا يزالان بحاجة للتوصل لاتفاق. وهذا لا يبدو سهلا، علما أن الحزب الديمقراطي الحر رفض في 2017 المشاركة في تحالف مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الخضر، لأن الليبراليين اعتبروا أن أجندتهم غير متوافقة مع أولويات البيئيين. وقضى زعيم الحزب كريستيان ليندنر وقته، خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، في التحذير من التصويت للخضر، لأنهم في اعتقاده، سيدمرون الديناميكية الاقتصادية الألمانية باسم مكافحة الاحتباس الحراري في حال وصولهم إلى السلطة.

تنازلات صعبة

هذه الاختلافات بين الحزبين لا تمنعهما من التوافق، كما يؤكد سودها ديفيد ويلب، مدير مكتب برلين لمركز الأبحاث التابع لصندوق مارشال الألماني، لفرانس24. “كريستيان ليندنر لن يكون قادرا على أن يرفض مجددا المشاركة بالحكومة بعد رفضه لذلك في 2017، إنها فرصته الأخيرة. أما الخضر، فيعتقدون أن حالة الطوارئ المناخية لا تترك لهم أي خيار سوى المشاركة في الحكومة للمحاولة للتحرك”، برأي سودها ديفيد ويلب.

لكن على ماذا سيتفقان؟ “كل منهما يمكن أن يعتبر نفسه أنه من أحزاب الجيل الجديد، ’الخضر والحزب الديمقراطي الحر هما التشكيلان الأكثر شعبية بين من تبلغ أعمارهم أقل من 30 عاما‘، وسيسعيان معا للعب على هذا من خلال تسليط الضوء على موضوعات مثل تحديث المجتمع، عبر اعتماد الدولة على الإنترنت في خدماتها للمواطنين والقيام بإصلاحات للثقافة الاجتماعية مثل تعزيز المساواة بين الجنسين”، يقول هانز فورلاندر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة دريسدن لفرانس24.

سيحاول كل طرف ملامسة الخطوط الحمراء في برنامج الآخر. فالحزب الديمقراطي الحر لا يريد على الإطلاق أن يسمع عن الزيادات الضريبية بل وعد بتخفيض الضرائب على الأغنياء، بينما يريد الخضر تمويل التخفيضات الضريبية للطبقات الوسطى بممارسة ضغط ضريبي أقوى على الثروات الكبرى.

بالإضافة إلى ذلك، يطالب الخضر بأن تستثمر الدولة بكثافة لجعل الاقتصاد أكثر خضرة، في حين يشدد الليبراليون على التحكم في الإنفاق.

وجهات نظر لا يمكن التوفيق بينها؟ على الأقل ليس بسرعة. لقد بدأ الطرفان بالفعل في مناقشة سبل إرضاء الجميع في الحزب الديمقراطي الحر والخضر أيضا. ويشير هانز فولاندر إلى أن محور “إحدى الأفكار سيكون إنشاء نوع من الميزانية الاستثنائية لمحاربة ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي لن يتم أخذ نفقاتها في الاعتبار لتقييم مستوى العجز في ألمانيا”.

كما أنه يمكن بدء الحديث عن توزيع الحقائب الوزارية حتى لو لم تكن هذه أولوية هذه الجولة الأولى من المفاوضات، لتسهيل هضم الاختلافات حول القضايا الأخرى. فيشير سودها ديفيد ويلب إلى أنه قد “صرخ كريستيان ليندنر (رئيس الحزب الديمقراطي الحر) بما يكفي على أنه يريد أن يصبح وزيرا للمالية. بدوره، يطمح روبرت هابيك لاعتلاء هذا المنصب، لكن ربما في مقابل تبني القليل من المرونة في السياسة الضريبية، خاصة تجاه الطبقات الوسطى، سيقبل الخضر بتولي وزارة الخارجية.

للمزيد…ألمانيا: ما هو الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يقرع أبواب المستشارية من جديد؟

مع لاشيت أم شولتز؟

يتمتع الحزب الديمقراطي الحر والخضر على السواء بفرص أكثر في نيل جملة من المكاسب مع أرمين لاشيت. ويقول كلاوس شوبرت من جامعة مونستر بهذا الشأن، إن مستقبل مرشح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي السياسي، يرتبط بمدى “قدرته على تشكيل حكومة وأن يصبح مستشارا. وسيكون مستعدا لتقديم تنازلات أكثر من أولاف شولتز”.

ولهذا، من وجهة نظر تكتيكية بحتة، من الأفضل بالنسبة للحزب الديمقراطي الحر وللخضر أن يتحالفا مع أرمين لاشيت، لأنهما سيكونان على يقين من أنهما سيحتلان موقعا قويا في الحكومة.

بالنسبة لليبراليين، فهم رابحون في كل الحالات، فإذا سارت الأمور على ما يرام، سيستفيد الحزب كقوة سياسية ساهمت في تسيير البلاد، أما إذا فشلت الحكومة، يفسر كلاوس شوبرت، “فسيكون الحزب الديمقراطي الحر قادرا على إلقاء اللوم على حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاستمرار في امتصاص أصوات اليمين”.

لكنها مقاربة غير طبيعية، يضيف الخبير السياسي، لأن ذلك يعني “إقامة تحالف مع شخص يبدو أنه الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات”، يشير هانز فورلاندر. وقد لا يكون في صالح الأحزاب المشاركة في حكومة بمستشار ضعيف، “في وقت تحتاج فيه أوروبا إلى حكومة ألمانية قوية للمساعدة على رسم أوروبا أقوى ضد الولايات المتحدة، الصين، وأيضا روسيا” يوضح فورلاندر.

وإلى ذلك، يبدو أن أولاف شولتز هو المرشح الأكثر احتمالا لإقناع حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر بتشكيل ائتلاف حكومي إلى جانبه. ويرى سودها ديفيد ويلب أنه “من الواضح أنه ستكون اضطرابات في البداية لتحديد مكان وأهمية كل فرد في الفريق” الحكومي.

وتتفق مختلف الأحزاب الألمانية على أنها ستبذل قصارى جهودها للتوصل إلى توافق قبل أعياد نهاية العام، حتى تطوي بشكل نهائي صفحة أنغيلا ميركل، وإلا ستضطر المستشارة المنتهية ولايتها إلى إلقاء خطابها السياسي 17 في اليوم الأخير من عمر العام الجاري في خضم الاحتفالات برأس السنة الجديدة.

 

سيباستيان سايبت

حرره للعربية بتصرف: بوعلام غبشي


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى