رئيس الجمهورية ملزم برفض أي جلسة وزارية يغيب عنها المكوّن الشيعي

المادة 49 من الدستور حدّدت موقع رئيس الجمهورية، فنصّت على أنّه «رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه». كما أعطته صلاحية ترؤس مجلس الوزراء عندما يشاء، ما يجعله حاضراً في قلب العملية التنفيذية.
من هنا، يتبيّن أنّ رئيس الجمهورية ليس مجرد منصب بروتوكولي، بل هو الحَكَم الدستوري الذي يضمن أن تبقى أعمال مجلس الوزراء مطابقة لروح الدستور ونصوصه. فإذا انعقد مجلس الوزراء في غياب مكوّن أساسي كالطائفة الشيعية، فإنّ على الرئيس واجباً دستورياً برفض الاعتراف بشرعية الجلسة، لأنّ استمرارها يناقض ميثاق العيش المشترك المنصوص عليه في مقدمة الدستور.
ثانياً: المشاركة في صناعة القرار لا التمثيل الشكلي
الدستور نصّ في المادة 95 على مبدأ المناصفة في وظائف الفئة الأولى بين المسلمين والمسيحيين، كما نصّت المادة 65 على أنّ القرارات الأساسية في مجلس الوزراء تحتاج إلى أكثرية الثلثين. لكنّ هذه النصوص لا تقتصر على الجانب العددي أو الشكلي، بل ترمي إلى تكريس المشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات المصيرية.
فالتمثيل الاسمي، أي مجرد وجود وزراء من طائفة معينة في الحكومة من دون أن يكون لهم تأثير حقيقي في القرار، لا يحقّق روح الدستور. المشاركة العادلة تعني أن يكون لكل طائفة شريك فعلي في صناعة القرار، لا مجرد «مقاعد» على الطاولة.
ثالثاً: الميثاقية كشرط للشرعية الدستورية
الشرعية في لبنان ليست مجرد نتيجة لانتخابات أو مراسيم. وهيمرتبطة عضوياً بمدى احترام مبدأ العيش المشترك. لذلك، حين تغيب طائفة كبرى عن جلسة لمجلس الوزراء – طوعاً أو قسراً – فإنّ القرارات التي تصدر عن هذه الجلسة تفقد مشروعيتها.
وهذا ما تكرّس في التجربة اللبنانية، خصوصاً في أزمات سابقة (مثل انسحاب الوزراء الشيعة عام 2006)، حيث أظهرت الوقائع أنّ أي قرار يتخذ في غياب مكوّن أساسي يُعتبر فاقداً للشرعية. وهذا لا يعود فقط إلى الأعراف السياسية، بل يجد أساسه في النص الدستوري نفسه، إذ لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
رابعاً: واجب رئيس الجمهورية عند غياب المكوّنات الأساسية
رئيس الجمهورية، بصفته الحَكَم والضامن للدستور، لا يملك رفاهية الحياد في مثل هذه الحالات. بل يقع عليه واجب واضح:
1- رفض انعقاد الجلسة إذا غاب عنها مكوّن أساسي، حفاظاًعلى الشرعية الدستورية.
2- رفع الجلسة فور تبيّن أنّ المشاركة الميثاقية غير متحققة.
3- دعوة القوى السياسية إلى التشاور لإعادة تكوين مشاركة متوازنة تضمن احترام الدستور.
وهذا ليس خياراً سياسياً بل واجب دستوري. فالرئيس الذي يقبل بانعقاد جلسة غير ميثاقية يكون قد تخلى عن دوره الحَكَم وتحوّل إلى طرف، ما يهدد التوازن الوطني.
خامساً: حجم الطائفة الشيعية وأثره في الميثاقية
لا يمكن إنكار أنّ الطائفة الشيعية، من حيث عددها وامتدادها الاجتماعي والسياسي، تمثّل إحدى أكبر الطوائف اللبنانية. وبالتالي، فإنّ تغييبها عن مجلس الوزراء أو تهميش دورها في القرار التنفيذي يعني ضرب التوازن الوطني في الصميم.
المشاركة الشيعية ليست امتيازاً، بل هي ترجمة لواقع اجتماعي – ديموغرافي – دستوري. فالميثاقية تقوم على الاعتراف المتبادل بين الطوائف، لا على فرض هيمنة الأكثرية العددية أو السياسية.
سادساً: بين النصوص والأعراف – أيهما يسمو؟
قد يقول قائل إنّ الدستور لا ينص صراحة على وجوب حضور كل الطوائف في كل جلسة. لكنّ هذا القول يتجاهل أنّ النصوص وحدها لا تكفي. الأعراف الدستورية والسياسية في لبنان أثبتت أنّ القرارات المصيرية لا تمرّ إلا بتوافق الطوائف الأساسية.
وإذا كان النص الدستوري قد جعل من الميثاقية شرطاً للشرعية، فإنّ الأعراف جاءت لتفسّره وتفعّله. وهكذا، يصبح غياب الوزراء الشيعة ليس مجرد نقص عددي، بل خرقاً للروح التي يقوم عليها الدستور.
سابعاً: المخاطر الدستورية والسياسية لغياب الميثاقية
1- فقدان الشرعية: القرارات المتخذة في جلسة غير ميثاقية تصبح عرضة للطعن الشعبي والسياسي وربما القضائي.
2- تعطيل المؤسسات: إذ ستقاطع الطائفة الغائبة تنفيذ القرارات، ما يؤدي إلى شلل كامل.
3- تفكك العقد الاجتماعي: إذ يشعر مكوّن أساسي بأنّه مُقصى من إدارة شؤون الدولة.
4- تفاقم الانقسام الطائفي: وهو ما يهدّد السلم الأهلي الذي يحميه الدستور.
ثامناً: مقارنات مع النظم التوافقية
النظم التوافقية المشابهة للبنان – مثل سويسرا وبلجيكا – أثبتت أنّ التوافق شرط لا غنى عنه لاستمرار النظام. في بلجيكا، تعطلت الحكومات أكثر من 500 يوم بسبب غياب التوافق بين المكوّنات. وفي سويسرا، لا تُتخذ القرارات الكبرى من دون مشاركة الجميع.
أما في لبنان، فإنّ هشاشة الوضع الطائفي تجعله أكثر حاجة من غيره إلى هذا التوافق. وبالتالي، يصبح انعقاد مجلس الوزراء في غياب مكوّن أساسي مخالفة دستورية – سياسية مضاعفة.
بناءً على ما تقدم، فإنّ أي جلسة لمجلس الوزراء تغيب عنها الطائفة الشيعية تفقد شرعيتها الدستورية والميثاقية، حتى لو استوفت نصابها العددي. وواجب رئيس الجمهورية هنا أن:
• يرفض الاعتراف بشرعية انعقادها.
• يرفعها فورًا حفاظًا على العيش المشترك.
• يؤكد أنّ الدستور ليس نصوصاً جامدة بل عقداً وطنياً حياً يتطلب مشاركة فعلية من جميع المكوّنات.
خاتمة: الميثاقية كشرط وجود لا كذريعة تعطيل
إنّ النقاش حول الميثاقية ليس تفصيلاً سياسياً، بل هو نقاش حول هوية لبنان ونظامه. فإما أن يكون لبنان ديمقراطية توافقية تقوم على الشراكة، أو يصبح مجرد ديمقراطية عددية تقودها أكثرية ظرفية، ما يعني تهديداً لوجوده ذاته.
من هنا، فإنّ رئيس الجمهورية، بصفته حامي الدستور، ملزم برفض أي جلسة وزارية تُعقد في غياب مكوّن أساسي، لأنّها لا تعبّر عن العيش المشترك ولا عن روح الدستور. وبذلك، فإنّ الميثاقية ليست قيداً على الديمقراطية، بل شرط وجودها وضمان استمرارها.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook