لاريجاني في بيروت…تذكّروا ماذا قال ميقاتي لقاليباف

Advertisement
ومردّ هذا “التناحر” السياسي الداخلي يأتي لمناسبة زيارة أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني لبيروت في توقيت يعتبره البعض تدّخلًا سافرًا في الشأن اللبناني، فيما يتهم الفريق “الممانع” الفريق “السيادي” بأنه لا يرى سوى بعين واحدة، في الوقت الذي لا بدّ من التذكير بالموقف الذي اتخذه الرئيس نجيب ميقاتي يوم كان يرأس حكومة تصريف الأعمال، والذي استغرب فيه تصريحات رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، الذي أبدى فيه استعداد طهران للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، وقال له: “نستغرب هذا الموقف الذي يشكل تدخلا فاضحا في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان، علما بأننا كنا أبلغنا وزير خارجية إيران، ورئيس مجلس الشورى الإيراني، خلال زيارتيهما إلى لبنان أخيرا، بضرورة تفهم الوضع اللبناني، خصوصا وأن لبنان يتعرض لعدوان إسرائيلي غير مسبوق، ونعمل لدى جميع أصدقاء لبنان، ومنهم فرنسا، للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار”.
فالحرب الأخيرة التي بدأت بإسناد غزة وانتهت بإظهار إسرائيل تفوقها العسكري التكنولوجي، واستطاعت أن تنال من قيادات الصف الأول، ومن بينها الأمينين العامين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، لم تنتهِ فصولها بعد في ظل ما تقوم به إسرائيل من اعتداءات يومية تطال عناصر تابعة لـ “الحزب” أو مناصرين له.
فمنذ أكثر من أربعة عقود، تتأرجح العلاقة اللبنانية – الايرانية بين الدعم السياسي والعسكري من جهة، والتوتر والرفض اللبناني للتدخل في الشأن الداخلي من جهة أخرى، خصوصًا ما صدر مؤخرًا
عن القيادة الإيرانية من مواقف رافضة نزع سلاح “حزب الله”. وهذا ما شكّل محورًا أساسيًا في تأجيج الصراع السياسي اللبناني المرتبط مباشرة بدور الـ “حزب”، الذي يفاخر بوقوف ايران إلى جانبه في ملماته، حتى ولو كان لبعض القيادات العسكرية الحزبية مآخذ على عدم تدّخل طهران لمساندة “المقاومة الإسلامية” يوم كان العدو يدّك معاقلها وتحصيناتها في الجنوب.
فالعلاقة بين النظام الإيراني و”حزب الله” يعود إلى يوم تمكّنت فيه الثورة الإسلامية في إيران من تثبيت دعائمها في العام 1979، حيث بدأت طهران تصدير رؤيتها الثورية إلى المنطقة، فكان لبنان المستباحة سيادتُه ساحة أساسية لترجمة هذا المشروع في البيئة الشيعية، التي كانت مهيأة للتعاطي مع هذا المشروع أكثر من أي بيئة أخرى في المنطقة، خصوصًا بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982. وبداية هذه العلاقة كانت بمساهمة “الحرس الثوري الإيراني” في تطوير قدرات “حزب الله”، الذي تبنى منذ البداية عقيدة الولاء لـ “ولاية الفقيه”، ما جعل قراره السياسي والعسكري مرتبطًا بشكل وثيق بالمحور الإيراني.
في العام 1989، أنهى اتفاق الطائف الحرب الأهلية وأقرّ مبدأ حصر السلاح بيد الدولة (للحديث صلة). غير أن الدعم الإيراني للحزب بقي خارج هذا الإطار، إذ رأت طهران أن سلاح “حزب الله” هو ضرورة لمواجهة إسرائيل، وأنه لا يخضع لمفاوضات لبنانية داخلية، ما أدى إلى استمرار ازدواجية السلطة العسكرية.
بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، وانسحاب الجيش السوري من لبنان، تعاظم الانقسام بين فريق يطالب بحصرية السلاح بيد الجيش وفريق متمسك بسلاح “الحزب” بدعم إيراني مباشر. وجاءت حرب تموز 2006 لتعزز هذا المسار، إذ قدّمت إيران دعمًا مفتوحًا لل”الحزب”، ما رسّخ دوره كقوة عسكرية موازية للدولة.
في العام 2008، شكّل استخدام “حزب الله” سلاحه في الداخل اللبناني في أحداث 7 أيار لحظة صادمة، عكست بوضوح قدرة القرار الإيراني على تجاوز الحدود الداخلية اللبنانية.
وفي العام 2012، جاء تدخل “الحزب” في الحرب السورية، مخالفًا سياسة النأي بالنفس، ليؤكد أن قراراته الاستراتيجية مرتبطة بالتحالف الإقليمي بقيادة طهران.
ومع اندلاع احتجاجات تشرين 2019، تصاعدت الأصوات المطالبة بحصر السلاح بيد الجيش، لكن الرد الإيراني جاء داعمًا لبقاء السلاح باعتباره “ضمانة لأمن لبنان القومي”.
فمن خلال تدّخلها في ملف السلاح في لبنان أرادت طهران أن تقول للعالم أجمع أن سلاح “حزب الله” لم يعد مسألة تقنية أو أمنية يمكن حلها بقرار حكومي أو اتفاق داخلي، بل أصبح عقدة إقليمية تتشابك فيها مصالح طهران مع معادلات الردع الإسرائيلية، ومع مستقبل النفوذ الإيراني في المشرق العربي. لذلك، فإن أي محاولة لبنانية لفرض سيادة الدولة الكاملة ستظل رهينة الموقف الإيراني، ما يجعل العلاقة بين البلدين محكومة بالتوتر طالما بقيت هذه المعضلة بلا حل. ومن هنا، يبقى قرار حصر السلاح بيد الدولة محور شدّ حبال دائم بين بيروت وطهران، ومن شأنه أن يعرقل استقرار الدولة ويجعلها في قلب الصراعات الإقليمية.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook