آخر الأخبارأخبار محلية

لاريجاني في بيروت.. تخفيف التوتر أم تعميق للأزمة؟

في توقيت إقليمي مشحون بالتوتر والترقب الحذر، يحط غداً في بيروت أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، ، حاملاً معه حزمة من الرسائل السياسية المغلفة بخطاب الوحدة والاستقرار. الزيارة تحمل طابعاً دبلوماسياً واضحا، ولكنها في عمقها تأتي في سياق معقد من الاشتباك السياسي والميداني بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، مرورًا بالساحة اللبنانية التي تبدو مجددًا، وكأنها على فوهة بركان.









بحسب التصريحات الرسمية، ترتكز زيارة لاريجاني على ثلاث نقاط أساسية: تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين، تأكيد وحدة لبنان واستقلاله، ودعم الحوار اللبناني – اللبناني والمساعدة الإيرانية غير المشروطة للبنان وفي إطار جهود إيران لحماية السلام في غرب آسيا، وسيتم خلالها إجراء محادثات مع المسؤولين اللبنانيين المعنيين .هذه العناوين الفضفاضة تظهر إيران في صورة الدولة الراعية للتسويات والداعمة للمكونات اللبنانية كافة، لكن القراءة السياسية لما وراء الكلمات تشير، بحسب أوساط سياسية معارضة للسياسة الايرانية ، إلى أن طهران تحاول ترميم موقعها الإقليمي عبر البوابة اللبنانية، بعد تعرضها لسلسلة من الضربات السياسية والعسكرية والعقوبات الدولية المتصاعدة.

تجمع معظم الأوساط اللبنانية على أن زيارة لاريجاني ليست مجرد “زيارة تضامن”، بل تأتي في ظل تصعيد كلامي إيراني غير مسبوق حول لبنان. تصريحات متتالية لمسؤولين إيرانيين حول دعم حزب الله، ورفض نزع سلاحه، واعتبار هذا الطرح “مؤامرة أميركية صهيونية”، حيث أكد مستشار قائد الثورة الاسلامية الإيرانية للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، أن نزع سلاح حزب الله في لبنان حلم لن يتحقق، مشيرا إلى أن بلاده تعارض نزع السلاح. كل ذلك يعيد طرح سؤال محوري: هل دخلت إيران مرحلة جديدة من الانخراط المباشر في الشأن اللبناني، أم أن كل ما يجري هو تصعيد إعلامي ومناورة سياسية؟

تأتي زيارة لاريجاني إلى لبنان، بحسب مصدر سياسي مطلع، في إطار جولة حوارية واستشارية تهدف إلى الاطلاع المباشر على المواقف اللبنانية، وشرح الرؤية الإيرانية حيال الأوضاع الداخلية والصراع مع إسرائيل، خصوصاً بعد تعيينه مؤخراً في موقع محوري داخل النظام الإيراني. وتولي طهران أهمية خاصة لهذه الزيارة، باعتبار أن المشهد اللبناني يشكل جزءاً من لوحة إقليمية أوسع تتشابك فيها ملفات النفوذ والتحالفات.

في هذا السياق، تنظر إيران إلى الموقف الرسمي اللبناني من حصرية السلاح بكثير من الحساسية، واضعة ملف”حزب الله” ضمن سياق المواجهة الشاملة التي تخوضها للدفاع عن حلفائها في المنطقة. ومن هنا، لم يكن مرور لاريجاني في بغداد قبل وصوله إلى بيروت تفصيلاً بروتوكولياً، بل خطوة محسوبة ورسالة واضحة لواشنطن مفادها أن الضغوط المكثفة على لبنان والعراق لن تدفع طهران إلى التراجع، بل ستزيد من اندفاعها نحو توسيع قنوات التنسيق مع شركائها وتعزيز دعمها لهم.

وتشير معطيات سياسية إلى أن لاريجاني يسعى لتمديد المهلة الممنوحة لبحث خطة حصر السلاح في لبنان، بهدف توفير وقت إضافي لفتح باب التفاهمات ضمن إطار المفاوضات الإيرانية–الأميركية، فطهران تدرك أن ملفات حساسة، وعلى رأسها سلاح “حزب الله”، لا يمكن حلها إلا عبر صفقة شاملة مع واشنطن، مما يجعل لبنان ورقة ضغط استراتيجية في الصراع الإقليمي والدولي، ومناورة تمنح إيران هامشاً زمنياً للتحرك بين المفاوضات الغربية والدولية وترتيب الأوضاع اللبنانية بما يخدم مصالحها.
وتعتبر القيادة الإيرانية أن المواجهة الحاصلة تجاوزت البعد السياسي التقليدي لتتحول إلى صراع أعمق على هوية التوازنات الإقليمية، وسط ما تصفه بمحاولة منظمة لمحاصرة الدور الشيعي وإضعافه في المدى البعيد. ومن منظور طهران، فإن تعزيز حضورها في الساحة اللبنانية، بالتوازي مع ساحات أخرى، هو جزء من معركة مصيرية لا مجال فيها للمساومات الكبرى، علما أن لاريجاني أكد عشية زيارته لبنان أن حزب الله يمتلك نضوجاً سياسياً، والمقاومة ليست بحاجة إلى وصاية، مشدداً على أن الحزب قادر على إدارة شؤونه واتخاذ قراراته بعيداً عن أي وصاية خارجية.
لقد أكدت إيران مرارا دعمها ل”حزب الله” ورفضها أي محاولة للمساس بسلاحه. ومن جهة أخرى، كانت تحرص في تصريحات مسؤوليها على التأكيد بأنها لا تتدخل في الشأن اللبناني، بل تفتح المجال للحوار الداخلي. في هذا السياق، برزت تحليلات تشير إلى أن زيارة لاريجاني ربما تمهد لمسار جديد يتمثل في دمج “حزب الله”بشكل تدريجي في مؤسسات الدولة وربما حتى بحث مسألة السلاح في إطار تفاهمات داخلية. وينتظر أن يلعب رئيس مجلس النواب نبيه بري دوراً محورياً في هذا المسار، خاصة إذا حصل على ضمانات حقيقية من طهران، حيث سيستقبل الزائر الإيراني ويقدم له رؤيته وقراءته لكيفية التعامل مع المرحلة المقبلة، بهدف تفادي انزلاق لبنان نحو الفوضى.
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم أكثر من أي وقت مضى هو التالي: هل إيران مستعدة فعلًا لخوض مواجهة مباشرة مع إسرائيل إذا اندلعت حرب على لبنان أو “حزب الله”؟ أم أن كل ما يقال هو مجرد ضغط كلامي هدفه تحسين شروط التفاوض مع واشنطن والغرب؟ إذا كانت طهران تفكر بصفقة جديدة مع الأميركيين، فإن لبنان قد يستخدم كورقة مساومة. ويطرح هنا سيناريو مثير للجدل: أن تكون قضية سلاح “حزب الله” نفسها مطروحة ضمن صفقة إقليمية شاملة، تضمن بقاء النفوذ الإيراني من دون البعد العسكري المباشر، في مقابل رفع العقوبات وعودة طهران إلى الساحة الدولية.

المرحلة المقبلة ستكون كاشفة. فإما أن تتحول التصريحات الإيرانية إلى مواقف ميدانية فعلية، وإما أن يبقى الكلام سلاحا بديلا عن الفعل. وفي الحالتين، لبنان سيكون في قلب العاصفة فإما ساحة صراع، أو ورقة تفاوض.

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى