قرار الحكومة يُقرأ من عنوانه

Advertisement
ما يهمّ اللبنانيين هو أكثر ما سبق جلسة الأمس من تحرّكات في شارع “الثنائي الشيعي”. وهذه التحركات “المدوزنة” على خلفية المواقف السياسية لعدد من نواب “حزب الله”، قبل الجلسة الحكومية وبعدها، جاءت لتذكّر اللبنانيين بتواريخ أو بأمكنة من الصعب أن تُمحّى من ذاكرتهم الرطبة. ومن بين هذه التواريخ أو الأمكنة، التي لا يمكن أن تنتسى 7 أيار من العام 2008، وكذلك ما حصل في الطيونة من حوادث دامية، وما سبقها من مشاهد في أكثر من منطقة لبنانية. فهذه التواريخ وتلك الأمكنة تضع اللبنانيين أمام معادلات جديدة بصبغة قديمة، وهي تدور حول وظيفة سلاح “حزب الله” في الداخل اللبناني، الذي يرتبط، شئنا أم ابينا، بما نتج عن 7 أيار وعن حوادث الطيونة من مضاعفات سياسية وأمنية. ففي السياسة دفعت 7 أيار جميع القوى السياسية، من كبيرها إلى صغيرها، للذهاب إلى الدوحة حيث طرح موضوع السلاح غير الشرعي على طاولة البحث. إلاّ أن ما نتج عن مؤتمر الدوحة من تسويات سياسية، ومن بينها بدعة الثلث المعطّل، لم يضع حدًّا لسلاح “حزب الله”، الذي تبيّن أن له وظيفة أخرى غير وظيفة الدفاع عن لبنان وحماية الحدود الجنوبية من أي اعتداء إسرائيلي محتمل بعد محنة حرب تموز وما نتج عنها من مآسٍ.
ولم يكتفِ يومها “حزب الله” بدوره اللبناني سواء عبر تواجده على امتداد الحافة الجنوبية، أو التهويل على الداخل بخلفيات سياسية، ومن بينها ما حصل مع المحقّق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار عندما تلقى تهديدًا مباشرًا بـ “القلع”، وغيرها من الاستفزازات، التي تمثّلت بـ “القمصان السود”، والعراضات الاستفزازية لعدد من مناصري الحزب عبر اقتحام أكثر من منطقة لبنانية تُعتبر غير متصالحة مع فكرة السلاح الحزبي غير الشرعي عبر مسيرات منظمة للدراجات النارية، وكذلك لما شهدته التظاهرات الاحتجاجية في 19 تشرين الأول من العام 2019 من أعمال شغب، وما تعرّض له “شباب الثورة” من اعتداءات مباشرة لا يزال قسم كبير منهم مصابًا بأعطال دائمة في أجسادهم.
ومع ما لقيه من دعم إيراني مباشر، وهذا ما أعترف به الأمين العام السابق لـ “الحزب” السيد حسن نصرالله في أكثر من خطاب له، تمدّد “حزب الله” خارج الحدود وساند نظام الرئيس السوري بشار الأسد آنذاك ضد “الدواعش”، ولعب أدوارًا أمنية في العراق واليمن. وهذا الانخراط في مشاريع إقليمية أعطته ربما أدوارً أكبر من حجمه الطبيعي. وهذا ما كشفته الحرب المباشرة بينه وبين العدو الإسرائيلي، الذي استطاع أن يدمّر قسمًا كبيرًا من قدرة “الحزب” العسكرية.
فأمام ما قام به مناصرو “حزب الله” في شوارع الضاحية مساء الجلسة، وما شهده بعض القرى البقاعية من تظاهرات سيّارة خلال انعقاد الجلسة لم يعد من المهمّ كثيرًا ما ستكون عليه وضعية السلاح. فمعه أو من دونه سيبقى الوضع على حاله ما دام جمهور “الحزب” مقتنعًا بأنه لا يزال يشكّل رقمًا صعبًا في معادلة التوازنات الداخلية، التي تختّل حكمًا وأكثر بوجود السلاح بهذه الكثافة وبهذه النوعية خارج الشرعية، وخارج حدود ضبطه بما يتوافق مع السيادة اللبنانية، وبما يؤمّن التوازن والمساوة بين المواطنين. وطالما أن أمور الحسم مؤجلة فإن من لا يزال يمتلك هذا السلاح سيبقى معتبرًا من الدرجة الأولى من حيث الامتيازات الحاصل عليها فيما يبقى غيره غارقًا في هاجس العيش وكأنه مواطن من الدرجة الثانية.
فإذا لم يعد المنتمي إلى بيئة “حزب الله” إلى حياته الطبيعية كغيره من أخوته اللبنانيين بعد تسليمه سلاحه بطريقة أو بأخرى فإن هذا التسليم يبقى رمزيًا. وهذه الرمزية مرهون تلاشيها بما يمكن أن يصدر عن القيادة الحزبية في حارة حريك من موقف يشبه إلى حدّ كبير الموقف، الذي اتخذه الرئيس الشهيد الشيخ بشير الجميل في اليوم الأول لانتخابه رئيسًا للجمهورية حين أقدم على حلّ “القوات اللبنانية” كقوة عسكرية.
وعليه فإن جلسة الغد لناظره قريب، وأن المهلة المعطاة للجيش لإتمام ما تمّ تكليفه به سيبقى في الميزان الأميركي المتوقّف عليه ما ستحمله الأيام المقبلة من مفاجآت وتطورات.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook