رأي.. من “الهيبة” إلى “صالون زهرة” … هل انفصلنا عن الواقع والتاريخ في الدراما؟
هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
أعترف وأقول… أنا سيدة عرفت عن الوحدة بين سوريا ومصر من مسلسل. اكتشفت السفر برلك ودخول سايكس بيكو إلى منطقتنا أيضا من خلال مسلسل. لا تفهموني خطأ… أنا أحب القراءة كثيرا، ولكن أيضا المسلسلات موجودة من حولي، أتابعها، وأجد فيها أيضا مصدرا لمعرفة التاريخ، والتعرف إلى واقع ما يجري من حولنا.
مؤخرا، بدأت بمتابعة مسلسل “صالون زهرة”، الذي يحكي بكل بساطة قصة زهرة، وهي صاحبة صالون، تعيش في حي صغير، لها أصدقاء وأعداء، يدخل الحي ذات يوم شاب سوري لقصد ما، ومع تصاعد الأحداث تبدأ قصة حب ما بين الاثنين.
اعتراف آخر.. القصة خفيفة جدا، فلا أهوى مشاهدة المسلسل هذا بالتحديد إلا بعد نهاية يوم طويل، شابه التعب والإرهاق، فتكون متابعته بمثابة المكافأة التي تخفف عني وطأة اليوم الشاق. فلا تفكير، ولا تركيز، ولا أي محاولة لربط الأحداث بالواقع أو بالشخصيات أو غير ذلك.
لكن، ويبدو أن الاعترافات كثيرة في هذا النص، أعترف أيضا أنني كنت في بعض الأحيان أتساءل: “يبدو أن أحداث القصة تجري في بيروت، فالأمر واضح من ذكر الليرة، ومن الحدود السورية اللبنانية، ومن اللكنة التي يتحدث بها أبطال المسلسل، والعلم الذي ظهر في أكثر من مرة. فأين المسلسل من واقع الحال في لبنان؟”
لكني أعود إلى التفكير بيومي الشاق، لأقرر أن هذا المسلسل بالتحديد لا يستحمل هذه الأسئلة، فاستكملي راحتك ومتابعتك اللطيفة لصالون زهرة، أقول لنفسي، وكفي عن تعقيد الأمور.
أعتقد أن المشكلة أعمق من مسلسل “صالون زهرة” بالتحديد، فيبدو أن الانسلاخ عن الواقع هو نمط متكرر خلال السنوات الأخيرة، وأعتقد أن هذا الأمر فيه بعض الخطر على وعي الجيل الشاب الذي يتابع هذا النوع من الأعمال.
بدءا من الهيبة، ومرورا بعشرين عشرين، وانتهاء بصالون زهرة، كلها أعمال تجري أحداثها في لبنان، ولكن لا يبدو لبنان في خلفية الأحداث أبدا. مع الوقت، مستقبلا، ستبدو هذه الفترة من عمر البلد وكأنها لم تكن. بالطبع، ستكون موجودة في الأخبار، وكتب التاريخ، والوثائقيات، ولكن باعتقادي لا شيء كالمسلسل، يجذب الأنظار إليه، خصوصا وإن كان بتوقيع نجومنا الذين نحبهم.
لا يجب أن ننسى أبدا أن أي عمل فني، مسلسل كان أم أغنية أم فيلما، جميعها مصادر للعلم والمعرفة، يضاف إليها الكثير من الترفيه. لا أدعي أن أي عمل يجب أن يكون دراميا ومؤلما ليحمل حقيقة واقعنا، ولكن أؤمن أنه من الضروري أن يكون الواقع موجودا، حتى لو كان في الخلفية، ليثير الأسئلة، والبحث، والمعرفة.
التفكير لدي يتسع ليشمل بعدا أكبر قليلا، ألا وهو العموميات، والتي تعد مصدر أمان لمن يقدمون هذه الأعمال الفنية، وأقصد هنا بالتحديد المنصات الرقمية التي تعرض عليها هذه المسلسلات. العموميات بعيدة عن التفاصيل، بعيدة عن المشاكل، بعيدة عن الجدل، الذي قد يجلب الصورة السلبية للمنصة. أجيال كاملة يمحى الوعي بالتاريخ والأحداث لديها من أجل راحة البال.
لكم أن تتخيلوا على المدى الطويل ماذا يعني ذلك: أجيال كاملة لا تقرأ التاريخ، وهذه المادة بسياقها في المنطقة العربية لا تدرّس في الكثير من المدارس، وأصبحت مفقودة في واحد من مصادر الترفيه في حياتنا وهو المسلسلات. والنتيجة: جيل مغيب بالكامل.
لكن، حتى لا نكون ظالمين لـ”لصالون زهرة ” بالتحديد، الإشارة إلى حرمان الأم من أولادها في إحدى حلقات المسلسل موفقة جدا، وفيها تميل القصة إلى أن تكون واقعية تتماشى مع مشاكلنا اليومية، التي وبرغم محاولاتنا أن نتناساها على فنجان قهوة عند متابعة مسلسل مسائي، لا يمكن أن تختفي بكل سهولة.
الخلاصة:
يأخذنا بين ديكوراته، وأجوائه الرومانسية، وفساتين زهرة الجميلة إلى عالم مختلف، ولكن ما رأيكم بمسلسل يتضمن هذه الوصفة الناجحة لقصة مسلية، ولكنه في نفس الوقت يزيد من وعي مشاهديه بما يحدث في الواقع ولو كان بأقل التفاصيل. فهذه دعوة أن لا ننسى الواقع على حساب الترفيه والتسلية والهروب مما نعيشه.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook