كلاس هنأ قوى الامن: كنت مطيعاً لأبي أتهيّب كرامة الدرك

وتابع: “شغلني بأبي، أيُّ إعتناء كان يصرفه بالحرص على قبعته، حبّة البركة، فكان متى رفعها عن رأسه حضنها كما الجوهرة، ووضعها أرفع مكان في البيت، خوفا على معنى القبعة وكرامة الأرزة وما تحتها من ذخائر. وكم لافتٌ ولذيذ ان تدفعني حشرية الولدنة الى اللعب بالقبعة، في بَرْقة طَيْش وتخلٍّ، فأختلسها للحظة، متمثلاً الأفندي الكبير، بهناءات وظيفته، مزهواً بأنني ابن دركي، وكأن الدنيا لي، فيردعني أبي، وكأنني صانع الكبائر، أو متجاسر على كرامة البذّة العسكرية، أو مخلّ بأمن ذكرياته الكاكية، فينبهني بعبسة رضى وبنبرة جادّة، ان الكاسكيت شرف العسكري وعنوان هيبته، فلا مزاح معها ولا لهو بها… هي للمهات فقط!!! كنت مطيعاً لأبي، اتهيّب كرامة الدرك، وفعلت كما كان يفعل… قبَّلت قبّعته برجفة وَجَل، ورفعت اليه “ذخائره”، كأغلى من اغلى التقدمات. خفضت رأسي وأقفلت عينيَّ على زعلة… قلت عفواً، وأقسمت الاّ أدخل قدس أقداسه إلاّ وأنا مستحقّ لعزٍّ ما فوقه عزّ… هو ان أكون ابن دركي . لفتتني في سلوكيات أبي، المناقبية المدنية التي عاشها وربّانا عليها، من خلال تصرفاته، المرافقة لإستعمالات قبّعة الدرك. فها هو يحتضنها، كأغلى الأشياء على قلبه، ويحترمها، وكأنه في حضرة القائد، وها هو يرفعها احتراماً، اذا ما مرّ أمام كنيسة أو جامع، وهاكه يرفعها وقاراً اذا ما مرّت جنازة، أو يحملها بيده اذا ما سلّم على كبير مقام، أو حامل سنين من العمر… يفعل ذلك باحترام، وكأن شرف العسكري في سلوكيات قبّعته!!! مرّة، قرّرت ان اقف على معنى مواظبة ابي على تقبيل قلب قبّعته مغمضاً عينيه، وكأنه أمام ايقونة! صمّمت على إكتشاف سرّ مهنة الخشوع للقبعة، التي ما دخلنا كنيسة أو مزاراً، الاّ ومشحها بماء جرن التبرّك وحنى رأسه، في رتبة سجود، وصلّى بصمت. جمعت ضعفي وسألته متهيّباً الموقف خوف المزاح، وكان الجوابُ دمعةً باردة، سرعان ما لمعت في عَينه قبل ان تبلعها غصّة، لأن الدركي لا يبكي…”.
وقال: “حضنني وأخبر : “يوم تطوّعت يا ولدي في سلك الجندرمة، قدَّمتْ لي جدَّتُك أيقونةً مكرّسةً { لسيدة رأس بعلبك } ، وطلبَتْ مني ان اتبرّك من ايقونتها العجائبية، لأنها ستحفظني وتبارك ايامي و تحميني و تردني اليها سالماً من أي شرّ. ففعلتُ برضىً عظيم وكنت كلما مُنِحْتُ إجازة، زرتُ الراس وحججت الى كنيسة السيدة ، حفظاً لوصيّة امّي، التي يوم انتقلت الى رحمة الربّ، كانت راكعة للصلاة في زاوية الدار، وفي يدها صورة لأبنائها الثلاثة: كبيرنا يوسف في الجيش، وصغيرنا أنطون في الكلية البطريركية في القدس، وأنا، بعهدة الدرك. وأوجع الوجع الاّ تموت أمّك على زندك يا بني…، والأوجع ان تتيتم…! كلنا في اليتم طفل..! يومها يا ولدي، قرّرت أن أضع صورة أمّي الى جانب صورة “سيدة الراس” في ايقونسطاس قبعتي… وكم جميل يا بني أن تكلّل رأسك ببركة العذراء وتحمي نفسك بطيف أمّك..!! وليس من مكان أعظم من كاسكيت الجندرمة استضيف فيها ايقونة العذراء وصورة أمّي…”..!. أخبرني، ترحّم… وتنهّد إيماناً ووفاءً لمَنْ أبّد ذكراها في قبّعته – المزار وارتاحت على خدي دمعة لأنني اكتشفت سرّ طفولة أبي، وتربيتنا على الخير… ! تنهيدة أبي، ردّتني الى خواطر وتساؤلات، عن مواظبته على احتفالية التمجيد التي كان يؤديها للعَلم والقبّعة، وفريضة الخشوع للذخائر التي تسلّح بها في أدّق الملّمات. ويوم، تقاعد من الحياة، في تقاعده الثاني، لملمنا متروكاته. ضوّعنا سبحته وشحيمة الصلاة وذكريات الخدمة ومحفوظات الجندرمة، لمّعنا الأوسمة وكلّلنا بها قبّعة الأفندية، التي لا نزال نرفع بها رأسنا اعتزازاّ ووفاء والتي كلّما اشتقنا لمجالسة أبي، من وراء الغيم، قبّلناها كذخيرة قماشية لشفيعنا في السماء، الغائب عنّا، والهارع إلينا، غبَّ الطلب، برمشة عين. قُبعَةُ أبي { كاسكيت الجندرمة } ترشح كرامةً وحباً و حناناً و بركات، ولا تتأخر علينا بالعطاء ..! كاسكيت الجندرمة ، سريعةُ الندهة…نحن نَندَهُ و نطلبُ وهي تستجيب ! وما تهادنتْ لَحظَةً عن تلبية النداء”.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook