آخر الأخبارأخبار محلية

مُعظمهم من الشباب.. حالات الانتحار تتزايد في لبنان وهذه أسبابها

ضغوط اقتصادية خانقة
على المستوى الاقتصادي والعملي، لا تزال فرص العمل نادرة. ففي عامَي 2023 و2024، بلغت نسبة البطالة 27% من مجمل القوى العاملة، أي ما يزيد بنحو 2.4 مرّة عن المعدّل العام في سائر الدول العربية. وحتى في حال توفّرت الوظيفة، فإنها غالبًا تمرّ عبر المحسوبيات والوساطات.
أمّا من حالفه الحظ في إيجاد عمل، فكثيرًا ما يُضطر إلى القيام بأكثر من وظيفة لتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة. فبحسب آخر قرار صادر عن وزير العمل محمد حيدر، رُفع الحد الأدنى للأجور إلى 28 مليون ليرة، مع مضاعفة التقديمات العائلية والمدرسية، ليبلغ المجموع نحو 312 دولارًا. مبلغ لا يكاد يغطي أبسط الحاجات، في ظل الارتفاع المستمر في أسعار السلع، وخصوصًا المواد الغذائية.
في هذا الواقع الضاغط، وجد كثيرون أنفسهم مضطرين إلى الاستدانة، ما عمّق أزماتهم ودفعهم أكثر نحو دوّامة الديون. فمنذ ستّ سنوات، وتحديدًا بعد اندلاع ثورة 17 تشرين وأزمة المصارف التي خنقت اللبنانيين، عاد عدد كبير منهم إلى نقطة الصفر.
ومنذ عام 2019، يسعى الشاب اللبناني إلى التأقلم مع المشهد المتقلّب، فابتعد كثيرون عن اختصاصاتهم الجامعية، واتجهوا نحو أعمال بديلة: من مهنة الصرّاف، إلى تركيب أنظمة الطاقة الشمسية، والتداول بالعملات الرقمية، وصولًا إلى تقديم محتوى مباشر عبر “تيك توك” ومنصات التواصل الأخرى.
وفي الآونة الأخيرة، زادت الحرب العنيفة التي شهدها لبنان من معاناة الناس. فذاك الشاب الذي استثمر كلّ ما يملك لبناء منزل أحلامه أو لتحقيق مشروع خطّط له لسنوات، خسر كلّ شيء في لحظة. وآخرون وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل بعد أن سُرّحوا نتيجة العدوان.

عوامل نفسية تدفع نحو الانهيار

اما على الصعيد النفسي، فتوضح الاختصاصية النفسية ربى بشارة لـ”لبنان 24″، أن الانتحار لا يحدث فجأة، بل هو خلاصة مسار طويل من التراكمات النفسية، تتشابك فيها العوامل الخارجية والداخلية.
فالظروف المعيشية الصعبة، الضغوطات الاقتصادية، البطالة، وغياب الاستقرار، تُعدّ عوامل خارجية تطوّق الفرد وتدفعه نحو الحافة. أما العوامل الداخلية، فهي أعمق، متجذّرة في التجربة الشخصية، نمط التفكير، أسلوب التربية، والبيئة التي نشأ فيها.
تقول بشارة إن الشخص الذي يُقدم على إنهاء حياته، غالبًا ما يكون قد ضاق به الأفق النفسي إلى حدّ لم يعُد يرى فيه مخرجًا. وقد لا تكون الأزمة الآنية هي السبب الوحيد، بل تتراكم الأسباب على مدى سنوات من الإهمال العاطفي، غياب الاحتواء، وحرمان من المساحات الآمنة للتعبير عن الألم. وفي بلدٍ تتراجع فيه سبل العيش بقدر ما تتراجع سبل النجاة، تضعف قدرة الإنسان على الاحتمال.
وتضيف أن ما يُنقذ الإنسان من هذه الدوّامة هو ما يُعرف بـ”المساحة النفسية” الواسعة، تلك القدرة الداخلية على رؤية الخيارات، حتى حين تبدو معدومة. وهذه تُزرع في سنّ مبكرة، حين يُسمح للطفل بالتعبير عن مشاعره، ويُعلَّم كيف يواجه لا أن يهرب، وكيف يبحث عن حلول لا أن يغرق في المآزق.
وتشدّد بشارة على دور الأهل في تشكيل هذه المساحة، فوجود أبوَين يتعاملان مع التحديات بنضج أمام أولادهم، يمنح الطفل نماذج واقعية عن كيفية مواجهة الأزمات.
القدرة على التحمّل، كما تؤكّد، ليست فطرية، بل تُكتسب. وكلّما تمرّن الطفل على تحمّل المسؤولية، خوض التجارب، والتعامل مع الفشل، كلّما أصبح أشدّ تماسكًا حين يكبر. هنا تبرز أهمية التربية الواقعية، التي لا تُلبس الحياة حُلّة مثالية، بل تُظهرها كما هي كمزيج من المتعة والتحديات، من المكافآت والخيبات.
وتحذّر بشارة أيضًا من الإفراط في التساهل، وهي سمة تطغى على أساليب التربية الحديثة. فكلّما خفّ الانضباط، قلت قدرة الجيل الجديد على التحمل. وتشير إلى أنّ معلمات من الجيل السابق يلاحظن كيف بات الأطفال اليوم أقل صبرًا، وأسرع انفعالًا، مقارنة بجيل تربّى في بيئات أكثر صرامة، واحتكاكًا مباشرًا بالحياة والطبيعة.
وشدّدت على أن الإنسان بحاجة إلى جرعة من الحب، يقابلها تدريب على التحمّل، والاعتياد على مواجهة الأزمات، بدءًا من داخل العائلة. 
في الختام، يقف الشاب اللبناني على هامش وطنٍ يُفترض أن يحتضنه، بينما تغيب عنه أبسط حقوقه، وتُقفل في وجهه أبواب الفرص. لا مقوّمات اقتصادية تُسند صموده، ولا بيئة نفسية تُعينه على الاحتمال. ستّ سنوات من الأزمات المتراكمة جعلت الحياة أثقل من أن تُحتمل. فهل من بارقة أمل؟ وهل تتحرّك الدولة قبل أن يفقد هذا الجيل آخر ما تبقّى له من إيمان بالوطن؟

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى