آخر الأخبارأخبار محلية

حوار حزب الله – بعبدا … بين وقف العدوان وبناء الدولة

في خضم التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، يتصدر النقاش حول سلاح حزب الله مجدداً واجهة الملفات المحلية اللبنانية وفي ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية. هذا النقاش، الذي يتقاطع فيه البعد المحلي بالتوازنات الداخلية الدقيقة مع التعقيدات الإقليمية لم يعد يقتصر على جدلية قديمة بل بات محوراً مركزياً في رسم معالم المرحلة المقبلة.

المسألة تتجاوز الطابع التقني أو العسكري البحت المرتبط بترسانة من السلاح، لتلامس جوهر الخلاف حول مفهوم السيادة الوطنية، آليات الحماية، وحدود الاستراتيجية الدفاعية للبنان.

مصادر مقربة من الحزب تشدد على أن سلاح المقاومة لا يمكن فصله عن السياق المستمر للاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية، ولا عن الاعتداءات المتكررة للطيران الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية، لا سيما في الجنوب والبقاع.

لقد أعاد الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، التأكيد مراراً أن أولويات الحزب تتدرج وفق ثلاثية واضحة: وقف العدوان الإسرائيلي، ثم إعادة الإعمار، وأخيراً بناء الدولة. هذا الترتيب، كما تشير أوساط سياسية متابعة، يعكس رؤية الحزب لما يسميه معادلة “السلاح في مقابل السيادة”، ويبرز قناعة الحزب بأن ملف السلاح لا يمكن طرحه بمعزل عن إنهاء الاحتلال وتبديد التهديدات الإسرائيلية المستمرة.

في المقابل، ترى قوى سياسية أخرى أن النقاش حول السلاح لا يعني انتقاص حق لبنان المشروع في الدفاع عن النفس، لكنه يتصل بالحاجة الملحة لتنظيم هذا السلاح ضمن إطار الدولة اللبنانية. الهدف من ذلك هو تجنيب لبنان مخاطر الانجرار ليكون رهينة لأي تصعيد إقليمي محتمل. من هنا تبرز مكانة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، الذي يحرص، وفق مصادر مقربة منه، على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع قيادة الحزب، إيماناً بأن الحوار الصريح والمسؤول يمكن أن يقود إلى تسوية مقبولة تحمي لبنان وتعزز سيادته.

المطلوب، وفق هذه المقاربة، بلورة رؤية وطنية موحدة تعلي شأن حماية لبنان وشعبه، وتحفظ مكانته، مع التركيز على وضع استراتيجية دفاعية متكاملة تدعم الأمن الوطني وترسخ مبدأ السيادة.

وتكشف الأوساط السياسية أن هناك توجهاً جدياً للبحث في ترتيبات خاصة تتيح تسليم السلاح بشكل تدريجي، في مقابل تقديم ضمانات واضحة ومطمئنة للطرف المعني. غير أن هذا المسار، وإن كان مطروحاً بجدية، لن يكون سريع الوتيرة كما ترغب بعض العواصم الغربية، لا سيما واشنطن، إذ يتطلب مفاوضات دقيقة تتعلق بمصير السلاح وشكل الضمانات الأمنية، كما سيحتاج إلى حوار على مستويين متوازيين: إقليمي ودولي، إلى جانب الحوار الداخلي ضمن الإطار السيادي اللبناني.

وتجمع الأوساط السياسية على أن خيار الانزلاق إلى حرب أهلية يشكل تهديداً كارثياً يجب تفاديه بأي ثمن، بالرغم من بعض الأصوات التي تروج لاحتمالية وقوعه بسهولة. في المقابل، يعتبر الحوار الهادئ المسار الأنسب لمعالجة مسألة السلاح، ضمن رؤية وطنية قبل أي خطوة عملية. وترى هذه الأوساط أن هناك فرصة حقيقية أمام اللبنانيين، شبيهة بفرصة اتفاق الطائف، إما لبناء دولة قوية ذات سيادة حقيقية، أو السير نحو تسوية تضمن استقراراً هشاً.

الواقعية السياسية تفرض الإقرار بأن الملف اللبناني لا يتحرك في فراغ داخلي، بل يتشابك مع حقول ألغام إقليمية، ففي سوريا تتصاعد وتيرة التمدد الإسرائيلي، فيما كشف رئيس النظام الانتقالي السوري أحمد الشرع عن مفاوضات غير مباشرة تجري بوساطة إماراتية بينه وبين إسرائيل من جهة أخرى. هذه المفاوضات توحي بمساع لصياغة ترتيبات إقليمية جديدة قد تعيد رسم خرائط النفوذ في المنطقة.

إلى جانب هذا المسار، تشكل المفاوضات المستمرة بين واشنطن وطهران عاملاً ضاغطاً إضافياً. فالتحركات الأميركية الأخيرة في الإقليم تهدف، بحسب مصدر دبلوماسي إلى تثبيت معادلة جديدة تقوم على إضعاف نفوذ المحور الإقليمي المرتبط بطهران، تمهيداً لمسار تطبيعي بين بعض الدول العربية وتل أبيب. هذا المسار يستلزم إعادة رسم التوازنات الأمنية في المنطقة بطريقة تراعي المعطيات المستجدة. وفي هذا الإطار، يصبح ملف سلاح حزب الله جزءاً من لعبة التوازنات الإقليمية الكبرى التي تدار على وقع تسويات ومفاوضات معقدة.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى