آخر الأخبارأخبار محلية

سرديّة السلاح.. هل تضعف إسرائيل موقف حزب الله أم تقوّيه؟!

عند استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الأحد الماضي، من دون إنذار مسبق، تفاوتت القراءات والتحليلات بشأن الرسائل الإسرائيلية من الهجوم، وإن تقاطعت بصورة عامة على رغبة إسرائيل بفرض معادلات جديدة، عنوانها أنّ الضاحية لم تعد محيّدة، وأنّها مشمولة في سياق “حرية الحركة” التي تحاول تكريسها لنفسها على كامل الأراضي اللبنانية، وتدّعي أنّ اتفاق وقف إطلاق النار قد ضمنها لها بصورة أو بأخرى.

 
في القراءات “المتفرّعة”، ثمّة من ربط الأمر بالتطوّرات الإقليمية، خصوصًا على مستوى العلاقة الأميركية الإيرانية، ولا سيما أنّ الهجوم جاء بعد يوم واحدٍ على اختام الجولة الثالثة من المحادثات بين واشنطن وطهران، ولكن ثمّة من ربطه أيضًا بالنقاش الداخلي حول “نزع السلاح”، في ضوء موقف “حزب الله” الأخير الذي طلب على لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، “إزالة الفكرة من القاموس”، باعتبار أنّ “لا شيء اسمه نزع السلاح”.
 
ومع أن رئيس الجمهورية جوزاف عون أعاد بعد الهجوم التأكيد على “قرار” حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية الذي قال إنّه “اتُخِذ”، مشدّدًا خلال استقباله وفداً من مجلس الشيوخ الفرنسي على رفض العودة إلى “لغة الحرب”، فإنّ السؤال طُرِح على مصراعيه، فهل تضعف إسرائيل فعلاً موقف “حزب الله” من خلال استهدافها للضاحية، فضلاً عن خروقاتها المتكرّرة، أم أنّها عمليًا تقوّيه، ولا سيما أنّها تثبّت أنّ الدبلوماسية غير كافية للردع؟!
 
إسرائيل “على الخط”!
 
في وقتٍ يحاول “حزب الله” إعادة تصويب “الأولويات” في مسألة السلاح، أو الاستراتيجية الدفاعية كما يفضّل وصفها، حين يقول إنّه منفتح على الحوار مع رئيس الجمهورية بشأنها، ولكن في الوقت المناسب، أي بعد انسحاب إسرائيل من النقاط التي تحتلّها في الداخل اللبناني، ووقف اعتداءاتها وخروقاتها، جاء الهجوم على الضاحية الجنوبية ليوجّه رسالة إسرائيلية في الاتّجاه المعاكس إن صحّ التعبير، على خطّ فرض المعادلات.
 
في هذا السياق، يقول العارفون إنّ إسرائيل أرادت أن تدخل على خط النقاش الدائر حول السلاح من خلال هجومها على الضاحية، الذي يُعَدّ تصعيدًا نوعيًا، خصوصًا إذا ما استُتبِع بهجمات مكثّفة أخرى لا تكرّس “عدم تحييد” الضاحية فحسب، بل “تحرج” الحزب أمام جمهوره وبيئته الحاضنة، وهي بذلك توجّه رسالة “حازمة” للحزب وغيرها، مفادها أنّ “نزع السلاح هو الذي يأتي أولاً”، باعتبار أنّه “شرطٌ” لإكمال اتفاق وقف إطلاق النار.
 
وبهذا المعنى، قد تكون الرسالة الإسرائيلية من خلال الهجوم على الضاحية “متناغمة” مع بعض ما يردّده خصوم “حزب الله” في الآونة الأخيرة، لجهة أنّ نزع السلاح هو “الخطوة الأولى” التي لا بدّ منها، من أجل حلّ كلّ النقاط الخلافية والإشكاليّة، ولجهة رفض أن يكون هذا الموضوع مادة لحوار داخليّ جديد، باعتبار أنّ المطلوب تنفيذه من دون إبطاء ولا مماطلة، بمعنى أنّ أيّ “استقرار” لن يكون مُتاحًا قبل تنفيذ شق السلاح لبنانيًا بالدرجة الأولى.
 
موقف “حزب الله”
 
لكن أبعد من “التناغم” بين الرسالة الإسرائيلية من الهجوم على الضاحية، وموقف خصوم “حزب الله”، ثمّة علامات استفهام تُطرَح عمّا إذا كان الاستهداف الإسرائيلي للضاحية بهذا المعنى يقوّي موقف الحزب، وهو الذي يضع الدولة أمام “الاختبار”، مردّدًا باستمرار أنّ هذا الاختبار سيثبت أنّ الدبلوماسية وحدها لا تكفي في “ردع” إسرائيل، أم أنّه “يضعف” عمليًا موقف الحزب، الذي يثبت مرة أخرى، عجزه وضعفه، واضطراره في نهاية المطاف إلى “الخضوع”.
 
يقول العارفون إنّ وجهتي النظر تصحّان في مكان ما، فلا شكّ أنّ الهجوم الإسرائيلي يقوّي موقف “حزب الله” في مكانٍ ما، وهو الذي يقول إنّ “صبره له حدود”، وإنّ “خياراته تبقى مفتوحة”، لكنّه يعطي الدولة “فرصتها” لإثبات قدرتها على التصدّي للخروقات الإسرائيلية بالسبل الدبلوماسية، وبهذا المعنى، فإنّ استهداف الضاحية بلا سبب يضعف موقف خصوم الحزب، الذين يعتبرون أنّ المقاومة بلا جدوى، وأنّ الدولة قادرة على الردع.
 
في المقابل، تنطلق وجهة النظر الثانية من حالة “العجز” التي يمرّ بها “حزب الله”، الذي لم يعد يتعامل حتى مع استهداف الضاحية، مع كلّ الإذلال الذي يتسبّب به للناس الآمنين في بيوتهم، “خطًا أحمر”، كما كان يعدّه حتى في أيام الحرب والقتال، وهو ما يدلّ على أنّ السلاح الذي يتمسّك به الحزب ويرفض التخلّي منه ليس ذي جدوى، طالما أنّه عاجز عن “ردع” إسرائيل، التي تتمادى أكثر فأكثر، طالما أنّها لا تواجه أيّ مقاومة في أيّ مكان.
 
قد يكون الرأيان جائزَيْن في مكانٍ ما، لكن ثمّة من يعتبر أنّ الهجمات الإسرائيلية المكثّفة تضرّ بخصوم “حزب الله”، أكثر ممّا تضرّ بالحزب نفسه، فهي لا تخدم “سردية نزع السلاح”، بل لعلّها تقوّي رأي “حزب الله” لجهة أنّ السلاح لا يمكن أن يكون موضع نقاش، طالما أنّ الخطر الإسرائيلي لا يزال ماثلاً في ظلّ استمرار الاحتلال، خطر يبدو أنه وصل إلى “الذروة” مع تشريع إسرائيل لنفسه الحقّ بقصف أيّ مكان في أيّ وقت، ومن دون أيّ رادع!

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى