هل تصمد أقدم شجرة في العالم أمام عجلة “التقدم”؟ – DW – 2025/4/28

على مدى آلاف السنين، قامت إمبراطوريات وسقطت، وولدت لغات ونسيت، لكن شجرة “غراند أبويّلو” (أي الجدّ الأكبر بالإسبانية) صمدت 5400 عاما، لتصبح واحدة من أقدم الكائنات الحية على وجه الأرض.
العالِم التشيلي البارز جوناثان باريتشيفيتش الذي يعمل في فرنسا، نشأ في الغابة المطيرة المعتدلة في منتزه أليرس كوستيرو الوطني، حيث اكتشف جده أنيبال شجرة غران أبويلو عام 1972 أثناء عمله كحارس للمتنزه، وهو ما غيّر مسار العائلة. يقول جوناثان: “خطواتي الأولى كانت في هذه الغابة مع جدي، وقد ألهب ذكرياتي العلمية”.
جوناثان وفريقه، بمن فيهم والدته، يدرسون الأسرار المخبأة لهذه الشجرة وأنواعها القريبة، التي تسجل في حلقاتها السنوية تاريخ المناخ بدقة نادرة، ما يوفر بيانات مهمة لفهم تغير المناخ. إذ تمتص الغابات نحو ثلث انبعاثات الكربون ، ودراسة نمو الشجرة يوضح مدى قدرتها على الاستمرار في هذا الدور في المستقبل الحار.
Table of Contents
سجلّ مناخي عمره آلاف السنين
ما يجعل أشجار السرو الباتاغوني، المعروفة أيضًا باسم سرو باتاغونيا أو فيتزرويا كوبريسيديس، مميزة ليس فقط عمرها الطويل، بل قدرتها على تسجيل تغيّرات المناخ بدقة متناهية. فكل حلقة في جذع الشجرة تمثل عاماً كاملاً، وتحمل معلومات عن المناخ في تلك السنة. تُتيح دراسة حلقاتها للباحثين إعادة بناء أنماط مناخية تمتد لآلاف السنين – وهي بيانات لا مثيل لها لدى أي نوع آخر في المنطقة.
العالِمة التشيلية روثيو أوروتيا، المتخصصة في هذا المجال، تقول: “هذه الأشجار بمثابة موسوعات حية.” وأكدت أن أبحاثها ساهمت في إعادة بناء سجلات درجات الحرارة على مدار 5,680 عاما، وهو إنجاز نادر في علم المناخ.
مواجهة الاحتباس الحراري
تمتص الغابات ما يقارب ثلث الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الأنشطة البشرية. وكلما نمت الشجرة أكثر، زاد امتصاصها للكربون، وهو ما يظهر في سماكة الحلقات السنوية داخل الجذع. لذلك، تعتبر دراسة نمو الأشجار عاملاً حاسماً في فهم قدرة الغابات على الاستمرار في مقاومة ظاهرة الاحتباس الحراري .
طريق جديد يُهدد الغابات المطيرة
وسط هذا العمل العلمي المهم، ظهر تهديد جديد، إذ أن الحكومة التشيلية قد اقترحت إعادة فتح طريق قديم يمر في قلب المنتزه لبناء طريق سريع جديد. وبررت القرار بأنه سيُسهم في ربط المدن وتعزيز السياحة.
إلا أن باريتشيفيتش يشكك في ذلك، وقال ل DW: “هناك طريق بديل قائم بالفعل. الطريق الجديد يربط مباشرة بميناء كورال، والذي تستخدمه واحدة من أكبر شركات تصدير لب الخشب في أمريكا اللاتينية.”
يبدو أن الهدف الحقيقي هو فتح الوصول إلى الأخشاب ذات الجودة العالية، كما يقول العديد من السكان المحليين.
من جهة أخرى، يحذر باحثون مثل أوروتيا من أن الطريق سيزيد من خطر حرائق الغابات. وقالت إن أكثر من 90 في المائة من الحرائق في المنطقة تبدأ بالقرب من الطرق. وهي ظاهرة تتكرر عالمياً. إذ تبدأ 75 في المائة من حرائقالأمازون على بُعد 5 كيلومترات من طريق، و96 في المائة من حرائق الولايات المتحدة تبدأ على بعد أقل من 800 متر.
إنقاذ الأشجار والنظم البيئية
نشر العلماء رسالة في مجلة “ساينس” الأمريكية حذروا فيها من مخاطر الطريق المزمع، مستندين إلى سنوات من البحث والعمل الميداني. وقد لاقت الرسالة صدىً واسعًا بين العلماء حول العالم، ومع ضغط السكان المحليين، تراجعت الحكومة مؤقتًا عن المشروع.
بالنسبة لباريتشيفيتش، القضية شخصية، فوالدته جمعت بيانات من الغابة لسنوات، وأصبح عملها من أطول الدراسات المناخية المستمرة في نصف الكرة الجنوبي، مؤثرًا عالميًا.
أعدته للعربية: ريم ضوا
مصدر الخبر
للمزيد Facebook