آخر الأخبارأخبار محلية

إسرائيل تهدد تراث لبنان.. الذاكرة قُصفت!

نشر موقع “العربي الجديد” تقريراً جديداً تحت عنوان: “حرب على الذاكرة: تراث لبنان مدرج على لائحة أهداف إسرائيل”، وجاء فيه:

 

 

لطالما كانت المواقع الأثرية في لبنان شاهداً صامتاً على الحروب. من معابد الرومان في البقاع، إلى القلاع الصليبية والمساجد العثمانية في الجنوب، تقف هذه المعالم في وجه الزمن، وفي وجه القنابل أيضاً. لكنّها لم تكن يوماً بمنأى عن نيران المواجهات، ولا عن مشاريع محو الذاكرة.

 

لكن المشهد بدا مختلفاً مع اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، في السابع من تشرين الأول 2023. هذه المرة، لم يقتصر القصف على البنى التحتية والمنازل. بدا أن التراث نفسه أُدرج على لائحة الأهداف. المواقع الأثرية والتاريخية لم تُستثنَ من الغارات الإسرائيلية، سواء تلك المدرجة على لوائح التراث العالمي أو المحمية وفق اتفاقيات دولية، أو حتى تلك التي لم تكن قد اكتُشفت بعد.

أهداف خارج الحسابات العسكرية؟

 

في الحروب السابقة، كان يمكن تفسير الضربات جزئياً ضمن السياق العسكري: أهداف يُشتبه في استخدامها، أو تقع قرب مواقع قتالية. اليوم، المشهد أكثر التباساً. مواقع مهجورة، غير مأهولة، بعيدة عن مراكز التجمعات أو البنية التحتية، تتعرض للقصف. فهل هو استهداف للتاريخ؟ لمحطات الذاكرة الجماعية؟ أم أن الحرب دخلت طوراً جديداً: حرب على الجذور؟

 

في حديثه إلى “العربي الجديد”، لا يخفي المدير العام للآثار (المديرية تابعة لوزارة الثقافة اللبنانية)، سركيس خوري، قلقه العميق من هذا المسار، ويقول إنّ “الحرب كانت ثقافية بامتياز”، مشيراً إلى أن 40 ضيعة جنوبية ذات طابع تراثي تعرضت لأضرار مباشرة، تدمّرت بالكامل، ويضيف: “الدمار لم يطاول الحجارة فقط، بل مسّ التراث اللامادي المتجذر منذ آلاف السنين، من أشجار زيتون وخروب وعمارة تقليدية متوارثة”.

 

صور… الذاكرة على خط النار

 

في صور، المدينة الساحلية العتيقة المدرجة على لائحة “يونسكو”، تكررت الغارات على مقربة من موقعي البص والمدينة القديمة. ورغم أن الضربات لم تصب المعالم الأثرية مباشرة، فإن الهزات والاهتزازات الناتجة منها هزّت الأرض تحت أساسات عمرها قرون، وهدّدت معالم لم تُكتشف بعد. الدمار هنا ليس فعلاً مباشراً، بل محو استباقي لذاكرة لم تُكتب بعد.

 

في مرجعيون، لم يُستهدف موقع قلعة شمع بالقصف فقط، بل أيضاً بالوجود العسكري الإسرائيلي في محيطه، ترافقاً مع حضور خبير الآثار الإسرائيلي زئيف إيرليخ، الذي قُتل خلال الاشتباكات، لتُفجَّر القلعة لاحقاً انتقاماً. هذه القلعة العائدة إلى العصور الوسطى تكبّدت أضراراً جسيمة.

 

في النبطية، لم تكن الأسواق الشعبية فقط ضحية الغارات، بل الذاكرة نفسها. السوق الذي يعود تأسيسه إلى أوائل القرن العشرين، والذي كان يشكّل نقطة التقاء بين الريف والمدينة، بين التجارة والطقوس اليومية، صار رماداً.

 

 

تقول إحدى الباحثات في التراث الشعبي لـ”العربي الجديد” إن “الذاكرة الجماعية تُقصف أيضاً”، مضيفة أن “هذا السوق لم يكن فقط مكان بيع وشراء، بل مسرحاً للّغة اليومية، للهويات الصغيرة التي تبني المدينة”.

 

من قلعة الشقيف إلى مسجد النبي شعيب في بليدا، ومن كنيسة مار سمعان في صور إلى مقام النبي بنيامين بن يعقوب في محيبيب، تُستهدف الجوامع والكنائس كما تُستهدف البيوت. بعض هذه المعالم انتقل بين الديانات عبر القرون، فصار معبداً ثم كنيسة ثم مسجداً، في دليل حيّ على التراكم التاريخي والتنوّع الديني في الجنوب اللبناني. الحرب لا تفرّق، لكن تدميرها له دلالاته. وفي لمحة موجزة، استهدفت إسرائيل أيضاً مساجد تاريخية في بلدات: يارون، شبعا، كفرتبنيت، طيردبا، الثقلين في مجدل سلم، والظهيرة، كذلك تعرضت كنيسة مار سمعان في محيط صور وكنيسة دردغيا لأضرار جسيمة.

البقاع يهتزّ… والآثار تتصدّع

 

في البقاع، المشهد أكثر خفاءً. الغارات لا تقع مباشرة على المواقع الأثرية، لكن آثارها واضحة. في بعلبك، المدينة الرومانية المحصّنة على لائحة التراث العالمي، سُجلت اهتزازات قوية إثر غارات قريبة من المجمع. قلعة بعلبك، أيقونة لبنان الحجرية، لم تُقصف، لكنها تصدّعت. قبة دورس المجاورة تعرّضت لتشققات في التاج العلوي، فيما أصيبت أعمدتها الغرانيتية بانفصال داخلي، يجعل أي اهتزاز مستقبلي تهديداً وجودياً لها.

 

في قضاء بعلبك أيضاً، أُبلغ عن أضرار في قلعة ميس، وأخرى في تمنين. المخاوف تتزايد، لا فقط بسبب القصف، بل أيضاً بسبب غياب خطة حماية طارئة، أو تدخل دولي لحفظ الحالة البنيوية لهذه المواقع. “كيف يمكنني أن أحمي ضد آلة تدميرية؟”، يقول سركيس خوري، ويضيف: “لذا لجأنا إلى الطرق الدبلوماسية والقوانين للحفاظ على مواقعنا الأثرية”.

بيروت ليست خارج المعادلة

 

حتى العاصمة، التي غالباً ما بقيت خارج خطوط النار، لم تُستثنَ. مقبرة الباشورة في قلب بيروت، التي تضم رفات شخصيات سياسية وثقافية من العهد العثماني، تعرضت لأضرار إثر غارة على منطقة مجاورة. القصف أصاب السور التاريخي وبعض المدافن، في مشهد بدا عشوائياً، لكنه في نتائجه “منهجي”.

وبحسب اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية التراث الثقافي، يُعتبر استهداف المعالم الأثرية جريمة حرب.

 

 

ولبنان سبق أن صنّف 34 موقعاً ضمن “الحماية المعززة”، ووضعت شارات “الدرع الأزرق” على عدد منها.

 

هنا، يزيد خوري: “أجرينا مسحاً ميدانياً، وكل يوم نكتشف أضراراً جديدة. الوضع في الجنوب غير مستتب، ونحن لا نزال في حالة خوف على المواقع الأثرية، فالحرب لم تنتهِ بعد”. (العربي الجديد)


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى