جولة الموفد السعودي في بيروت.. هل من رسائل مشفّرة خلفها؟!

جاءت جولة الموفد السعوديّ في بيروت في توقيتٍ لافتٍ، في الشكل أولاً، على وقع ما يصحّ وصفه بـ”الاستنفار الدبلوماسيّ” على المستوى اللبنانيّ، إذ تزامنت في يومها الأول مع زيارة رئيس الحكومة نواف سلام إلى سوريا، وفي يومها الثاني مع زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى قطر، وهو ما دفع كثيرين إلى الاستفسار عن “الرابط” بين المحطّات الثلاث، خصوصًا في ظلّ عمل “العهد” على إعادة بناء علاقاته مع المحيط العربي.
وفي المضمون، جاءت أيضًا الزيارة “معبّرة”، على وقع النقاش المفتوح في البلد حول نزع سلاح “حزب الله”، أو “حصر السلاح بيد الدولة” وفق التعبير المفضّل لرئيس الجمهورية، ما دفع كثيرين إلى السؤال عمّا إذا كان الموفد السعودي حمل “رسالة” في هذا الإطار إلى المسؤولين اللبنانيين، بما يكمّل ربما الرسائل التي حملتها نائبة المبعوث الأميركي مورغان أورتاغوس في زيارتها الأخيرة، وسط حديث متكرّر عن “تنسيق” بين الجانبين حول الملفّ اللبنانيّ…
رسائل “متقاطعة”
يتحدّث العارفون عن “تقاطع” في الرسائل التي تصل إلى المسؤولين اللبنانيين، في ظلّ اتفاق ضمنيّ بين “أصدقاء لبنان” على العناوين الأساسية التي تطبع هذه المرحلة، والتي تنقسم بشكل أساسيّ إلى شقَّيْن، شقّ أمنيّ، مرتبط بضرورة إنهاء أيّ مظاهر مسلحة خارج إطار الدولة، من أجل ضمان الاستقرار، وشقّ اقتصاديّ، مرتبط بضرورة مباشرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي طال انتظارها، وبالتالي مباشرة المفاوضات مع صندوق النقد الدوليّ.
حضرت هذه العناوين مثلاً في زيارة أورتاغوس الأخيرة إلى بيروت، والتي كان واضحًا من “نوعيّة” اللقاءات التي عقدتها، حرصها على الموازنة بين الأولويتين، دون تغليب أيّ منهما على الأخرى، كما حضرت في جولة الموفد السعودي التي تقاطعت كلّ التسريبات بشأنها أنّه أثار الموضوعَيْن مع كلّ من التقاهم، وهي حضرت أيضًا بطبيعة الحال في زيارة رئيس الحكومة إلى سوريا، باعتبار أنّ هذه الملفات تندرج ضمن خانة “الاهتمام المشترك”.
بهذا المعنى، يشدّد العارفون على أنّ الموفد السعودي في جولته على المسؤولين اللبنانيين، أراد أن يؤكد على ضرورة إيلاء هذين الاستحقاقين الأهمية المطلوبة، من أجل المضيّ إلى الأمام في إعادة “إنعاش” العلاقة الثنائية بين لبنان والمملكة العربية السعودية، وفق ما تم الاتفاق عليه في الزيارتين اللتين أجراهما رئيسا الجمهورية والحكومة إلى الرياض أخيرًا، واللتين لمسا خلالهما إيجابية استثنائية، من وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
السعودية “ثابتة”
استنادًا إلى ما تقدّم، يرى العارفون أنّ جولة الموفد السعودي تعبّر بشكل ما، عن “استكمال” للنهج الذي بدأ خلال زيارتي عون وسلام إلى الرياض، والذي كرّس في مكانٍ ما “عودة السعودية إلى لبنان”، إن صحّ التعبير، بمعنى إنهاء سياسة “التباعد” التي طبعت العلاقات في الأعوام القليلة الماضية، نتيجة بعض المواقف الرسمية التي رأت فيها الرياض “إساءات شخصية”، فضلاً عن كونها مثّلت “خروجًا” من جانب لبنان عن مبدأ التضامن العربي.
أكثر من ذلك، يشير العارفون إلى أنّ زيارة الموفد السعودي يمكن أن تندرج أيضًا في سياق التحضيرات للزيارة الرسمية التي يفترض أن يقوم بها وفد لبناني وزاري إلى المملكة، من أجل التوقيع على عدد من الاتفاقيات الجاهزة، تتويجًا لما تمّ التفاهم عليه خلال زيارتي عون وسلام الأخيرتين، وربما الاتفاق بشأن بعض التفاصيل المرتبطة بقرارات حظر السفر وتجميد الاستثمارات في لبنان، وإن كان الانطباع السائد بأنّ ذلك مؤجَّل لمرحلة مقبلة.
هكذا، تبدو الرسالة الأساسية خلف زيارة الموفد السعودي، وهي زيارة يقول العارفون إنّها مُعلَنة وغير مشفّرة، ولو أحاط الرجل زيارته بالكتمان، على جري عادته، هي أنّ الرياض “ثابتة” على “وعدها” بدعم لبنان، وهي ماضية في هذا الطريق، إلا أنّ الكرة تبقى في ملعب الأخير بالدرجة الأولى، فهو وحده من يمكنه أن يمنح المجتمع الدولي بأسره “الضوء الأخضر” لدعمه، من خلال تنفيذ تعهداته، وطمأنة “الأصدقاء” إلى جدّيته في “طيّ الصفحة”.
“السلاح والإصلاحات”. لعلّهما العنوان الأكثر تردادًا في هذه المرحلة. ليس الموفد السعودي وحده من ردّدهما، بل لعلّه “يتقاطع” عليهما مع مجمل المحيط العربي والإقليمي والدولي. وحتى الآن، يبدو أنّ “العهد” المدرك للمسؤولية الملقاة على عاتقه، يقدّم للمجتمع الدولي، “كلاميًا” على الأقلّ، ما يريده. لكنّ السؤال يبقى، عن مدى القدرة على ترجمة الأقوال إلى أفعال، بعيدًا عن أيّ تأخير أو مماطلة؟!
مصدر الخبر
للمزيد Facebook