آخر الأخبارأخبار محلية

المُهلة الاميركية … بين رغبة الخارج ومناورات الداخل!

في لبنان لا يمكن أن تمرّ الزيارات الدبلوماسية مرور الكرام ، بل تتحوّل مباشرةً إلى عنوان للجدل والانقسام. وهذا ما حصل مع زيارة الموفدة الاميركية مورغان أورتاغوس إلى بيروت، إذ بدأ التهويل بمجرد الإعلان عن وصولها، حيث راح البعض يبني رهاناته على هذه الزيارة. ومع وجودها في بيروت، تزايد التصعيد بشكل غير مسبوق، حيث توالت التصريحات والتلميحات التي حملت في طيّاتها رسائل مباشرة، ما فتح الباب أمام العديد من التساؤلات بشأن المستقبل السياسي للبنان.

لا شكّ أن زيارة أورتاغوس وقعت في قلب هذا الجدل، وتحولت إلى مادة دسمة للتأويل والتحليل. لكن ما كُتب وقيل عنها فاق بكثير ما حملته فعلياً من رسائل، إذ من الواضح أنّ هذه الزيارة أتت على خلفية تجديد الثوابت الأميركية القائمة على إعطاء الوقت في مقابل خطوات تدريجية على الأرض.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا، والذي قد يكون غاب عن ذهن البعض بسبب انغماسهم في التهويل والمناكفات السياسية هو: هل ما يُمنح من مُهلة دولية هو فرصة فعلاً أم فخ؟

ثمة من اعتبر أن هذه المهلة هي مؤشر إيجابي، غير أن الرهان على الوقت بحد ذاته يحمل تناقضاً خطيراً؛ فواشنطن، التي تُظهر مرونة في الشكل، تراكم الضغوط في المضمون، فهي لا تبحث بالمعنى الواضح عن إصلاح اقتصادي أو بنيوي في لبنان، بل تركّز على تطويق “حزب الله” سياسياً ومالياً وأمنياً، بدءاً من العقوبات مروراً بمحاصرة البيئة الحاضنة، وصولاً الى محاولة تفكيك شبكة علاقاته في الدولة.

وفي خلفية المشهد، تسجّل أوساط سياسية لبنانية حراكاً داخلياً متقاطعاً مع الضغوط الخارجية. إذ تشير معلومات إلى أن الموقف غير المُعلن للرئاسات الثلاث يتمحور حول حصرية السلاح بيد الدولة، من دون الإشارة صراحةً إلى نزع سلاح “حزب الله” وذلك تفادياً لأي استفزاز. ووفق هذه المقاربة سيكون لرئيس الجمهورية جوزاف عون دور رئيسي بالتنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.

في المقابل، تؤكد مصادر مطّلعة أن “الحزب” لا يرفض النقاش حول موضوع تنظيم السلاح، لكنه يرفض بشكل قاطع طرحه كملف أمني أو تفاوضي خارج سياق الاستراتيجية الدفاعية، وذلك انطلاقاً من ما أكّده أمين عام “الحزب” الشيخ نعيم قاسم في احد خطاباته، والذي أشار فيه بما معناه الى أنّ المقاومة ليست ميليشيا بل قوة مشروعة تحظى بغطاء دستوري وسياسي. اضافة الى أن أي نقاش حول مستقبل السلاح مرتبط بتحقيق شروط واضحة: استكمال التحرير، تحرير الأسرى وضمان وقف الخروقات والاعتداءات الإسرائيلية.

بموازاة ذلك، لا يمكن قراءة الضغط الأميركي على لبنان بمعزل عن المفاوضات الجارية مع طهران. وفي تطوّر لافت، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصريحات أكد فيها أن “المحادثات مع إيران تجري على مستوى عالٍ ومباشر”، مشيراً إلى احتمال التوصل إلى اتفاق، واصفاً ذلك بأنه “سيكون رائعاً، خصوصاً بالنسبة لإيران”. وأضاف ترامب: “لدينا اجتماع مباشر يوم السبت مع الإيرانيين”.

هذا الإعلان يعكس حتماً تحرّكاً دبلوماسياً متسارعاً، لكنه لا يعني بالضرورة أن الولايات المتحدة ستخفّف من ضغطها على “حزب الله”. فالمفاوضات مع طهران، حتى في أفضل سيناريوهاتها، تُركّز على النووي والنفوذ الإقليمي وليس على ملفات مثل سلاح المقاومة في لبنان الذي تعتبره واشنطن منفصلاً ويخضع لحسابات إسرائيلية مباشرة.

عند إشارة حمراء يقف لبنان على تقاطع حساس منتظراً؛ ضغط خارجي يتزايد، مشهد إقليمي قد يتبدّل، وصراع داخلي تحوّل من منافسة سياسية إلى نزاع إرادات. وفي ظل ذلك كلّه، لا يبدو أن الدولة اللبنانية تمتلك رؤية موحّدة، فيما الشعب يرزح تحت عبء اقتصادي ومعيشي خانق.

الرهان على الخارج لم يعد كافياً، والرهان على الوقت من دون استراتيجية داخلية سيكون، على الأرجح، رهاناً خاسراً. فإما أن تُبنى تسويات وطنية على أرضية مشتركة تحفظ ما تبقّى من الدولة، أو يبقى لبنان رهينة الوقت الأميركي.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى