“الهجمات لا تزال تغذي نظريات المؤامرة رغم مرور 20 عاما على وقوعها”
تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية في 11 سبتمبر/أيلول 2001 إلى أبشع هجمات إرهابية نفذها تنظيم “القاعدة” واستهدفت برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك ومبنى البنتاغون بالعاصمة واشنطن. وعلى الرغم من مرور 20 عاما على هذا الحدث الدموي، لا تزال نظريات المؤامرة، لا سيما بشأن هوية منفذي هذه الاعتداءات، قائمة، مع الانتشار المتنامي للأخبار الزائفة على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
تعج شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بنظريات المؤامرة في وقت يواجه فيه العالم أزمات اقتصادية وصحية واجتماعية معقدة.
ومن بين هذه النظريات، تلك التي تدعي مثلا بأن الملياردير الأمريكي بيل غيتس هو المتسبب في ظهور فيروس كوفيد-19 أو تلك التي تسوق فكرة مفادها أن الاستخبارات الأمريكية هي التي نفذت اعتداءات سبتمبر/أيلول 2001 أو أن أمريكا “العميقة” هي التي قامت بالإطاحة بدونالد ترامب من الحكم.
وبالرغم من تعدد المعلومات والأخبار، فالسيناريو دائما نفسه: مسوقو هذه الأفكار يعتقدون بأن وراء كل رواية رسمية مؤامرة مدبرة من طرف نخبة سياسية أو اجتماعية، يراد منها مراقبة الجماهير الشعبية العريضة. لكن غالبا ما يفشل المدافعون عن هذه النظريات في تقديم أدلة تثبت ما يقولونه.
وإذا كانت نظريات المؤامرة ليست جديدة في عالمنا، إلا أن ثمة حادثا وقع في العشريتين الماضيتين ساعد وغذى هذا النوع من النظريات التي بات من الصعب التخلص منها، نقصد هنا اعتداء 11 سبتمبر/أيلول 2001 الدموي.
فالهجوم الأكثر بشاعة الذي نفذه تنظيم “القاعدة” على الأراضي الأمريكية (اعتداء بالطائرات على برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك وعلى مبنى البنتاغون في واشنطن) تسبب في انتشار العديد من نظريات المؤامرة حول منفذي هذه الهجمات. فيما تنامى حجم انتشار هذه النظريات بعد سنوات من وقوع الاعتداءات، إلى درجة أن الملايين من الناس عبر العالم لا زالوا يعتقدون بأن الدولة الأمريكية هي المسؤولة عن هذه الاعتداءات.
تربة خصبة
وتجدر الإشارة إلى أن نظريات المؤامرة ليست وليدة اليوم. بل يعود وجودها إلى الماضي البعيد. فعلى سبيل المثال، انتشرت نظريات مماثلة وبارزة في السابق، كتلك التي تزعم بأن اليهود يتآمرون على الإنسانية جمعاء أو تلك التي تقول بأن الماسونيين ينشطون في الخفاء لفرض “نظام عالمي جديد”.
في الولايات المتحدة ومناطق أخرى من العالم، عززت بعض الأحداث فكرة وجود نظريات المؤامرة، أبرزها قضية روزويل (1947) التي يرى بعض الأمريكيين من خلالها أن حكومتهم حاكت مؤامرة لتخفي وجود كائنات فضائية غريبة. شأنها شأن برنامج “أبولو” (ما بين عام 1961 وعام 1971) أو قضية اغتيال الرئيس كينيدي (1963) إذ رجحت بعض نظريات المؤامرة أن الاستخبارات الأمريكية أو ربما الروسية هي التي كانت تقف وراء الاغتيال. نظريات أخرى تزعم بأن نائبه ليندون بي جونسون هو الذي اغتاله.
فرض نظام عالمي جديد
وفي تصريح لفرانس24، قال إيمانويل كريس، المؤرخ والأستاذ في المدرسة العملية للدراسات العليا وصاحب كتاب “نظرية المؤامرة في النصوص”: “هذه النظريات التي تظهر على شكل موجات متتالية ليست بالجديدة. لكنها عرفت انتعاشا ملحوظا في القرن العشرين في أوساط الثقافة الشعبية. كما ساعدت بعض الأفلام الخيالية كمسلسل ’إكس فايلز‘ ومنشورات الكاتب البريطاني دافيد إيك حول الزواحف وفيلم بنجمان غيتس ’كنوز فرسان المعبد‘ في تعزيز وترسيخ الاعتقاد بأن هذه المؤامرات موجودة حقا”.
للمزيد، اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول: عودة على أبرز الصور
من جهته، أضاف مارك فانستر، محامي أمريكي مختص في موضوع “أسرار الدولة” وصاحب كتاب “نظريات المؤامرة في الثقافة الأمريكية”: “انتشرت خلال العهدة الرئاسية لجورج بوش الأب وبيل كلينتون فكرة تزعم بأن الحكومة الأمريكية كانت تعمل في الخفاء لفرض ’نظام عالمي جديد‘ من أجل التلاعب بالرأي العام”، مشيرا إلى أن “أعدادا كبيرة من الأمريكيين يؤمنون بوجود مثل هذه المؤامرات منذ زمن بعيد” وموضحا أن “تلك (نظريات المؤامرة) التي تخص اعتداءات سبتمبر/أيلول 2001 وجدت أرضية خصبة ساعدتها على النمو”.
“الخدعة المروعة”
وفي يوم الثلاثاء 11 سبتمبر/أيلول صباحا، اصطدمت طائرتان من طراز بوينغ ببرجي التجارة العالمي وثالثة بمبنى البنتاغون، فيما أنهت طائرة رابعة مسارها في حقل فارغ جنوب شرق مدينة بتسبورغ.
وبعد مرور لحظات قليلة فقط على هذا الاعتداء الإرهابي، انتشرت عبر العالم صور تظهر تحطم البرجين مثيرة العديد من المخاوف والتساؤلات، أبرزها كيف تمكن تنظيم “القاعدة” الإرهابي من تنفيذ مثل هذا الاعتداء الذي استهدف بالأحرى أول قوة اقتصادية في العالم؟
وسرعان ما ظهرت روايات بديلة بخصوص منفذي هذه الهجمات. ففي الولايات المتحدة مثلا، ظهرت “حركة 9/11 من أجل الحقيقة” التي انتقدت ما وصفته بـ”أكاذيب وتناقضات الحكومة”. فيما سوقت هذه الحركة نظريتين. تزعم الأولى بأن السلطات الأمريكية كانت على علم بوقوع الاعتداءات ولم تحرك ساكنا. فيما تتهم في النظرية الثانية نفس السلطات بالوقوف وراء الهجمات.
أما في فرنسا، فقد تم نشر كتاب في 2002 تحت عنوان”الخدعة المروعة” نسب الكاتب فيه مسؤولية الاعتداءات إلى “فصيل من المجمع الصناعي العسكري” الأمريكي. وبالرغم من النفي والمعارضة الشديدة التي واجهها هذا السيناريو، إلا أنه لقي رواجا كبيرا على المستوى العالمي.
تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في نظريات المؤامرة
ويقول مارك فانستر في هذا الشأن “هذه النظريات كان يتقاسمها قلة قليلة فقط من الناس وبقيت ثانوية خلال السنوات التي تلت اعتداءات سبتمبر/أيلول 2001 وهذا عكس نظريات المؤامرة المتعلقة باغتيال الرئيس جون كينيدي والتي عرفت تطورا ملحوظا وسريعا لدى المجتمع الأمريكي”.
وتابع “لكن هذا الاعتقاد تغير على ضوء بعض الأحداث السياسية الجديدة، كحرب العراق مثلا وفضيحة أسلحة الدمار الشامل أو الطريقة التي اتبعت لتناول أزمة إعصار ’كاترينا‘”. “كل هذه الأحداث، يضيف مارك فانستر، أثرت بشكل واسع على مصداقية الرئيس بوش وطرحت عدة تساؤلات حول قدرته في إدارة شؤون البلاد”.
وفي يونيو/تموز 2002، أي بعد شهرين من التدخل الأمريكي في العراق، كشف تقرير قامت به الأمم المتحدة بأن العراق لا يمتلك أسلحة نووية كما ادعت الإدارة الأمريكية التي استخدمت هذه الذريعة لاحتلال البلاد.
وبالموازاة مع ذلك، انتشر استخدام الإنترنت وظهرت شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة منصة يوتوب التي أصبحت تستخدم من قبل أولئك الذين يسوقون ويدافعون على نظريات المؤامرة.
وفي هذه النقطة بالذات، قال سيلفان دولوفي، الأستاذ المحاضر في علم النفس الاجتماعي بجامعة رين 2 الفرنسية وصاحب كتاب “المؤامرة: الإدراك والثقافة والمجتمع” في تصريح لفرانس24 “تنامي مواقع التواصل الاجتماعي سهّل نشر وتقاسم نظريات المؤامرة بسرعة ومع أكبر عدد من الناس بعدما كانت (نظريات المؤامرة) محصورة لدى أقلية قليلة من الناس ولا تحظى بانتشار واسع”.
“منعطف في عالم نظريات المؤامرة”
وبلغت نظريات المؤامرة حول اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001 ذروتها في العام 2006 بمناسبة صدور فيلم تحت عنوان “لوز شانج” الذي ساعد في انتشارها وترويجها على مستوى العالم.
هذا الفيلم، الذي تم انتاجه بواسطة جهاز كومبيوتر، قدم قراءة أخرى لصور هجمات 11 سبتمبر/أيلول. فيما وصفت مجلة “فانيتي فير” الشهيرة هذا الفيلم “ببلوك بوستر الأنترنت” نظرا للعدد الكبير من المشاهدات التي سجلها بعد سنة واحدة فقط من إطلاق منصة “يوتوب”.
وإلى ذلك، تشير الدراسة التي نشرها معهد “يوغوف” في 2020 أن مواطن أمريكي واحد من أصل خمسة لا يزال يعتقد بأن الحكومة لعبت دورا في اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول. نفس المعهد توصل إلى نتائج شبه مماثلة في فرنسا. أما في تركيا فقد بلغت النسبة تأييد نظرية (تورط الحكومة الأمريكية في الاعتداءات) إلى 55 بالمئة، في المكسيك (49 بالمئة) ومصر (42 بالمئة).
وفي غضون ذلك، نبه معهد جان جوريس الفرنسي إلى مشكلة ارتفاع نظريات المؤامرة في النقاش العام مرجحا مسؤولية ذلك إلى مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الزعماء السياسيين، على غرار دونالد ترامب الذي “غالبا ما يبرر فشله السياسي بالتلاعبات التي تمارسها الدولة العميقة”، حسب المعهد.
وأضاف من ناحيته سيلفان دلوفي “نلاحظ منذ عدة سنوات انتشارا سريعا وواسعا لنظريات المؤامرة. هذه النظريات ترفض بشكل منهجي وجهة نظر الأغلبية وتشكك فيها، وتدعم فكرة المؤامرة التي تحاك في الخفاء”.
نظريات المؤامرة تحولت إلى مسألة سياسية
وإذا تطرقنا مثلا الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت إليها فرنسا، فسنلاحظ أن الصور والفيديوهات التي تتناول هذه الهجمات قد انتشرت بسرعة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي. بل وأكثر من ذلك، فإنها (الصور والفيديوهات) تدفع المشاهد نحو قراءة مختلفة للأحداث، فضلا على أنها انتقدت ما سمته بـ”مؤامرة الدولة” وذلك حتى قبل أن تدلى الحكومة بأي تصريح حول الاعتداءات.
إلى ذلك، اعتبر مارك فانستر أن أحداث 11 سبتمبر/أيلول ساهمت بشكل كبير في انتشار نظريات المؤامرة. وقال “طبعا النظريات البديلة حول هوية منفذي اعتداءات سبتمبر/أيلول 2001 لم تعد تثير الاهتمام كما كان ذلك في 2006، لكن الجميع أصبح يعرفها ويسمع بها ولاتزال هذه النظريات تغذي موضوع المؤامرة”.
للمزيد – 20 عاما بعد 11 سبتمبر: العرب الأمريكيون في نيويورك بين معاناة مستمرة وأمل في غد أفضل
وعلى الرغم من أن أغلب المتخصصين في هذا المجال يعتقدون أن نظريات المؤامرة ازدادت رواجا منذ اعتداءات 2001، خاصة في ظل غياب الثقة إزاء السياسيين ووسائل الإعلام التقليدية، إلا أن هذا لا يعني أن الناس يصدقون كل هذه النظريات.
وأكد سيلفان دلوفي في هذا الشأن “في السابق، كان باستطاعتنا القيام بدراسات تشمل مجموعات معينة من الناس، لكن اليوم أصبح من الصعب القيام بذلك”.
وتابع “البعض يتقاسمون مثل هذه المحتويات (نظريات المؤامرة) لأنها تثير السخرية حسب رأيهمم والبعض الآخر ينقرون عليها من أجل مشاهدتها من باب الفضول أو عن طريق الخطأ. في الحقيقة يصعب القول بيقين أن النظريات البديلة ونظريات المؤامرة تجذب اليوم عددا أكبر من الناس مقارنة بالماضي”.
في النهاية، يظهر أن الترويج المكثف لنظريات المؤامرة يشكل خطرا حقيقيا بإمكانه أن يدفع بعض الناس إلى التطرف وممارسة العنف. وقد شاهدنا ذلك خلال الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت فرنسا في السنوات القليلة الماضي، أو عندما حاول بعض الأمريكيين اقتحام مبنى “الكابيتول” بواشنطن.
كل هذا يدل على أن نظريات المؤامرة تحولت إلى مسألة سياسية حساسة منذ اعتداءات سبتمبر/أيلول 2001.
فرانس24
مصدر الخبر