كيف حولت هجمات سبتمبر حياة المهاجرين إلى رحلة يومية شاقة؟
لأن الحدث كان جللا فإن تبعاته كانت أيضا هائلة، نتحدث هنا طبعا عن اليوم الذي ضُربت فيه “الولايات المتحدة” في عقر دارها في 11 من أيلول/سبتمبر 2001. فكيف غيرت هذه الهجمات حياة المهاجرين والأمريكيين من أصول عربية ومسلمة؟ وهل نجحت السلطات الأمريكية في إنقاذهم من التمييز وردود الفعل العدائية أم ساهمت في تعميق الفجوة بينهم وباقي مكونات الشعب الأمريكي؟
منذ اعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، تغيرت أمور كثيرة في مجال الهجرة في الولايات المتحدة. إذ أنشئت أجهزة وأقرت إجراءات قانونية جديدة تتعلق خصوصا بهذا الشأن. تغييرات تضايق منذ عشرين عاما أعدادا كبيرة من المهاجرين والأمريكيين من أصول عربية ومسلمة بحسب بيانات نشرتها أجهزة حكومية أمريكية.
فإضافة إلى تعرضهم لاعتداءات مجانية من مواطنين غاضبين إثر الهجمات، بات على هؤلاء المهاجرين اليوم تحمل قوانين وممارسات جديدة تصعب حياتهم اليومية وتربط ربما، بشكل خفي بينهم وبين هجمات سبتمبر.
اعتداءات ضد أقليات عربية ومسلمة وأجنبية بعد هجمات 11 سبتمبر
على الرغم من التطمينات التي أرسلتها شخصيات نافذة في الإدارة الأمريكية عقب اعتداءات سبتمبر 2001، حين أكدت أنها ستعمل على منع الخلط بين المسؤولين عن هذه الهجمات الإرهابية والمواطنين الأمريكيين من أصول مهاجرة وعربية، فإن اعتداءات وعمليات قتل سجلت في عدة مناطق متفرقة من البلاد عقب اعتداءات سبتمبر 2001 استهدفت عربا ومسلمين وأحيانا أفرادا من أقليات أخرى تتقاسم مع هذه الفئة ملامح الوجه أو الديانة أو فقط تتشارك معهم الأصول المهاجرة، لمجرد الاعتقاد بأنهم عرب ومسلمون.
وقد أثارت حادثة مقتل بالبير سينغ سودهي السيخي المعمم يوم 15 سبتمبر/أيلول عام 2002 ضجة واسعة في الولايات المتحدة عندما قتل بالرصاص وهو يزرع زهورا في محطة بنزين يملكها، على أيدي أمريكي أبيض يدعى فرانك روك أطلق النار أيضا على بيت أفغاني أمريكي، وعلى موظفين لبنانيين في محطة للبنزين دون أن يقتلهم. قال القاتل قبلها بقليل إنه سيخلص الولايات المتحدة من “التفاهين الذين تسببوا في اعتداءات سبتمبر”.
وكان “مكتب التحقيقات الفيدرالي” قد نشر تقريرا في 2002 أظهر أن عدد الجرائم التي ارتكبت بدافع الكراهية ضد المسلمين قد ارتفع من 28 جريمة في عام 2000 إلى 481 في عام 2001.
وذكر تقرير هيومن رايتس ووتش أيضا نقلا عن “اللجنة الأمريكية العربية لمناهضة التمييز” حدوث أكثر من 600 جريمة على علاقة بأحداث 11 أيلول/سبتمبر كان الدافع فيها الكراهية ضد العرب والمسلمين.
تأثير اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة ندد به كذلك عدد من الأمريكيين والمهاجرين من أصول عربية ومسلمة، يعتقدون أنهم يتعرضون لإجراءات “تمييزية وعنصرية” بشكل مستمر، تتراوح بين حفظ ملفات أمنية لهم بسبب أصولهم الأجنبية أو التعرض لمعاملة تحمل”ارتيابا وشكا” خصوصا عند الفحص الأمني بسبب مظهرهم العرقي أو الديني فضلا عن تحقق من هوياتهم على قائمات أمنية خاصة.
حتى أن وزارة النقل الأمريكية ذكرت أنها حققت حتى شهر يونيو/حزيران عام 2002 في 111 شكوى مرتبطة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول تقدم بها مسافرون في مطارات أمريكية من أصول أجنبية.
إلا أنه بالتوازي مع هذه الاعتداءات والتجاوزات التي استهدفت هذه الأقليات الأمريكية من قبل أفراد منعزلين غالبا، ظهرت ممارسات جديدة اتخذت صبغة رسمية وقانونية تكبل حرية البعض وتعقد من حياة الكثيرين من أبناء الأقليات المهاجرة في الولايات المتحدة، فأصبحت إجراءات الدخول إلى هذا البلد أصعب من قبل، إذ فرضت مثلا بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر تأشيرة خاصة على الأوروبيين في ما يعرف اليوم بـ“بنظام ترخيص السفر الإلكتروني ’أستا‘”.
أصبح كل شيء معقدا بالنسبة للمهاجرين والأقليات العربية، فإضافة إلى تعرضهم للاعتداءات والانتقام، توجب عليهم الآن التأقلم مع تغييرات قانونية جديدة واستحداث أجهزة أمنية أمريكية جديدة أيضا.
التقينا في نيويورك نائبة مدير منظمة “مشروع الدفاع عن المهاجرين” واسمها ميزوي ايزيكي. تعمل منظمتها على منع استهداف المهاجرين في الولايات المتحدة عبر الترحيل والاعتقال.
ميزوي إيزيكي حدثتنا عن القوانين والأجهزة الأمنية الجديدة التي ظهرت مباشرة عقب اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر. والنفوذ الذي أصبحت تتمتع به هذه الأجهزة الحكومية الأمريكية. على غرار وزارة الأمن الداخلي الأمريكية التي أنشئت في الـ27 من نوفمبر/تشرين الثاني 2002.
وتقول إيزيكي” أبرز ما حدث بعد تأسيس وزارة الأمن الداخلي الأمريكي عقب هجمات سبتمبر كان التسريع الفوري والهائل لعمليات استبعاد وترحيل واحتجاز مهاجرين. ولكن هذه العمليات الضخمة كانت حصيلة منطقية لقوانين وتشريعات ظهرت لأول مرة منذ منتصف الثمانينيات.
وشكل ظهور وزارة الأمن الداخلي الأمريكي زخما سياسيا وأعطى صلاحيات واسعة غير مسبوقة لأجهزة شرطة الهجرة كما نلاحظ اليوم.
ومنذ تأسيس وزارة الأمن الداخلي، أصبحت سياسة الهجرة مؤطرة باعتبارها قضية أمن قومي. وأصبحت في عهد أوباما، تعتبر تندرج في إطار الأمن القومي الأمريكي”.
ظهور “آيس” كابوس المهاجرين غير القانونيين في الولايات المتحدة
وتضيف إيزيكي “أنشئت وكالة الجمارك ومراقبة الحدود التابعة لوزارة الأمن الداخلي الأمريكية ’آيس‘ في آذار/مارس 2003، بمبادرة من الرئيس جورج بوش الابن، وظهرت مع هذا الجهاز الجديد فرق متخصصة في الهجرة تسمى ’فرق مطاردة الهاربين‘ وأعتقد أن عددها كان ثمانية في عام 2003، وحاليا أصبح يزيد عن 109 فرق ويتكون كل منها من ثمانية ضباط حسب ما أتذكر”.
هدف هذه الفرق هو بالفعل مطاردة المهاجرين المتواجدين في وضعيات غير قانونية على الحدود ولكن خصوصا داخل الولايات المتحدة نفسها. وهي التي تنفذ اليوم عمليات الترحيل الواسعة التي ارتفع نسقها بشكل بالغ.
ونشرت وزارة الأمن الداخلي الأمريكي أعداد المهاجرين المرحلين في 2019 والتي بلغت 360 ألف شخص في 2019 و328 ألف شخص في 2018 و432 ألف شخص في 2013.
وفي هذا الصدد اتصلنا بمهاجر من أصول تونسية شرح لنا ظروف اعتقاله عقب اعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر وعاد بنا عشرين سنة إلى الوراء في نبرة لا تخلو من الحسرة.
حسان: الحلم الأمريكي الذي راودني طيلة صغري، تحطم فجأة مع تحطم برجي مركز التجارة العالمي
حصلنا على شهادة حسان – اسم مستعار- وهو تونسي الجنسية يبلغ من العمر 45 عاما اليوم. يعتقد حسان أن الحلم الأمريكي الذي راوده طيلة صغره، تحطم فجأة مع تحطم برجي مركز التجارة العالمي وباقي اعتداءات أيلول/سبتمبر 2001.
يقول “هاجرت من تونس إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي وصلت إليها بتأشيرة سياحية عام 1998. اخترت العيش في مدينة باسادينا بولاية كاليفورنيا حيث كنت أعمل كموظف استقبال ليلي في فندق صغير. ومنذ استقر بي المقام هناك، وبمجرد جمعي بعض المال، حاولت تغيير تأشيرتي السياحية إلى تأشيرة دراسية.
في ذلك الوقت كان الأمر ممكنا وسهلا نسبيا. قمت بعملية تسجيل في مدرسة لتعلم اللغات، لكن عملية تغيير التأشيرة استغرقت وقتا طويلا.
حاولت طيلة ثلاث سنوات ونصف أن أحافظ على مستوى عيش بسيط للغاية بعيدا عن كل المشاكل، وكانت لدي رخصة سياقة وبطاقة هوية أمريكية قمت باستخراجهما بشكل قانوني حينها مما سهل الكثير من أموري اليومية.
وفي إحدى ليالي صيف عام 2002، كنت في محطة وقود لتزويد سيارتي بالبنزين، ولشراء بعض المأكولات قبل بداية عملي الليلي، عندما اندلع شجار عنيف بين عدة أشخاص من أصول مكسيكية. وصلت الشرطة سريعا إلى المكان واعتقلت جميع من كان في محطة الوقود للتحقق من هوياتهم. ويعتقد حسان أن بنيته الجسدية وشكله القريب جدا من شكل المهاجرين المكسيكيين ساهما في اعتقالي معهم.
وحين خضعت لفحص أمني انتبهت السلطات إلى أني أقيم بشكل غير قانوني، فوضعوني في مركز احتجاز مؤقت قبل أن أرحل إلى تونس بعد أيام قليلة عام 2002″.
ويقول حسان إن “أحداث 11 سبتمبر لم تساعدني في الخروج من خطر الترحيل، إذ إن الأشخاص في وضعيات مماثلة كان يتم احتجازهم قبل عام 2001 أياما قليلة قبل إطلاق سراحهم، لكنني رحّلت مباشرة. لم أستطع حتى استرجاع أغراضي التي تركتها في الشقة التي كنت أقيم فيها. وعلمت بعد ذلك أن رئيسي في العمل وهو لبناني الجنسية يملك محلات تجارية في كاليفورنيا قد تم ترحيله أيضا بعد أن رُحّلت إلى تونس بأشهر قليلة”.
ولئن كان حسان مهاجرا في وضعية غير قانونية في الولايات المتحدة ورحّل بقسوة وبسرعة إلى بلاده، في ما يعتبره سوء طالع ساهمت فيه أحداث أيلول/سبتمبر 2001، إلا أن الأحداث طالت أيضا أشخاصا ولدوا ونشؤوا في الولايات المتحدة على غرار علي الذي يعمل مهندسا في البرمجة، والذي يبلغ من العمراليوم 35 عاما.
صرح علي لفرانس24 بأن أحداث سبتمبر صعبت عليه أمورا كثيرة لا سيما قدرته على السفر في ظروف طيبة، داخل وخارج الولايات المتحدة.
علي: اكتشفت أنني على قائمة تخضع للمراقبة قبل السفر “ووتش ليست”
علي يتساءل أحيانا ما إذا كان حقا مواطنا أمريكيا مثل غيره من الأمريكيين. ففي كل مرة يستقل فيها طائرة، تبدأ معاناته التي يعرف بداياتها ولا يعرف أبدا إذا ستنتهي يوما ما.
“كلما اشتريت تذكرة طائرة، وحاولت تسجيل السفر على موقع الشركة أو على التطبيق أو عبر الهاتف لا أنجح في ذلك. ولا أحصل على تفسير منطقي لهذا الرفض. كنت أذهب شخصيا إلى المطار في يوم الرحلة، وأتوجه إلى آلة التسجيل الإلكتروني الذاتي في المطار لكن مرة أخرى، أفشل في ذلك.
وأضطر بالتالي إلى طلب المساعدة من موظفي شركات الطيران لأسجل اسمي على متن الرحلة. لا أعرف أحدا آخر في محيطي يعاني من هذه المشكلة.
أيضا، كلما ذهبت إلى المطار فإنه دائما، دائما، دائما، يطلب مني التنحي جانبا لإجراء ’فحص عشوائي‘. كانوا دائما يفتشونني ويفتشون حقائبي، ويبحثون عني في كل مرة بين كل المسافرين.
ذات مرة اقتنيت مجموعة تذاكر طيران لي ولأصدقائي، إذ نظمت رحلة جماعية، إلا أن أحدا منهم لم ينجح في تسجيل الرحلة على الإنترنت ولا عبر آلات المطار الالكترونية. وكان على الجميع الاستنجاد بموظف الشركة لأنني أنا من اقتنى هذه التذاكر.
ذات مرة استغربت موظفة في مطار صغير في مدينة شارلوت من هذه الوضعية التي تلازمني منذ سنوات خلال سفري، وطلبت مني رؤية بطاقة هويتي واستخذمت حاسوبا خاصا في المطار لعدة دقائق ثم قالت لي “أنت مسجل على قائمة مراقبة عند الطيران ’ووتش ليست‘ ولم تستطع أن تخبرني لماذا.
سألت المختصين عن كيفية التخلص من هذه القائمة السوداء التي حولت رحلاتي في الطائرة إلى رحلات مزعجة. وقيل لي بأنه يتوجب تقديم طلب لدى وزارة الأمن الداخلي الأمريكي لحذف اسمي من هذه القائمة. وبعد أشهر وأشهر من الانتظار والكثير من المماطلة حصلت أخيرا على ما يعرف بـ’رقم تصحيح وضعية‘. وهي وثيقة خاصة تقي المسافرين الذين تم تحديد هوياتهم لإجراء فحص إضافي في المطارات، من شر التفتيش المتكرر وتعقيدات السفر. لكن وعلى الرغم من التحسن الطفيف في إجراءات السفر إلا أنه يتم اختياري دائما لإجراء فحص عشوائي قبل ركوب الطائرة”.
موفدو فرانس24 إلى الولايات المتحدة: عماد بنسعيّد/ كولن كينيبورغ/ دافيد غورميزانو
مصدر الخبر