سلام: عهد الفرص الضائعة ولّى!

وتابع سلام كلامه خلال إفطار تحت شعار “لبنان يبنيه تضامن بنيه”، قائلاً: “بيروت هذه المدينة العريقة حملت عبر تاريخها رسالة المحبة والانفتاح وكانت ولا تزال نموذجا للعيش المشترك فهي ليست مجرد عاصمة سياسية”.
أضاف: “اليوم رغم الصعاب بيروت وفية لتاريخها وحاضنة لأبنائها ومشرعة أبوابها للمحتاجين ومتمسكة برسالتها السامية”.
وأكّد سلام أن “عهد الفرص الضائعة ولّى وعلينا جميعا أن نتعاون لإنجاح فرص الانقاذ المتاحة للعهد الجديد لنكون على قدر الثقة التي أولانا إياها الداخل والخارج”.
ختم: “معالجة كل أمراض جسمنا العليل تعتبر أولوية لذلك سنعمل على إنجاز أكثر من ملف في أسرع وقت فانسحاب إسرائيل وإعادة الإعمار واستقلال القضاء وتأمين الكهرباء والتفاوض مع صندوق النقد وجذب المستثمرين تعتبر من الملفات الأولوية للحكومة”.
إليكم الكلمة كاملة:
أصحاب السماحة والدولة والمعالي والسعادة،
الإخوة والأخوات،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يطيب لي أن نلتقي في هذا المساء الرمضاني المبارك، حيث تجتمع القلوب في رحاب الخير والعطاء، وتلتقي الأيادي البيضاء على مائدة الرحمة والتآخي، في هذه المناسبة العزيزة على قلوبنا جميعًا: إفطار دار الأيتام الإسلامية في بيروت. إنها لحظة تعبر عن معاني التضامن والتكافل، وعن روح المحبة التي تميز مجتمعنا.
أيها الإخوة والأخوات،
إن وجودنا اليوم في دار الأيتام الإسلامية هو تجسيد لهذا المعنى السامي، حيث نقف إلى جانب أبنائنا الذين فقدوا أهلهم، لنقول لهم إننا جميعًا أهلهم، وإن هذه الدار هي بيتهم، وإن في قلوب أهل بيروت مكانًا خاصًا لهم، لأنهم جزء لا يتجزأ من نسيج مجتمعنا.
أيها الحضور الكريم،
بيروت، هذه المدينة العريقة، التي لطالما احتضنت الجميع، وحملت عبر تاريخها الطويل رسالة المحبة والانفتاح، كانت وما زالت نموذجًا للعيش المشترك، وحاضنة للقيم النبيلة التي تربينا عليها جيلاً بعد جيل.
بيروت ليست مجرد عاصمة سياسية وادارية، إنها قلب لبنان وروحه، وهي المنارة التي أضاءت العالم العربي بفكرها وحيويتها وحداثتها. إنها مدينة العلم والثقافة، التي أنجبت الأدباء والمفكرين والعلماء، وفتحت أبوابها لكل باحث عن المعرفة، ولكل ساعٍ إلى النجاح. إنها مدينة الصحافة الحرة، ومنبر الكلمة الصادقة، وموئل الفن والإبداع، حيث تنبض الحياة في أزقتها وشوارعها بكل معاني الجمال والتاريخ.
لكن بيروت ليست فقط مدينة الفكر والثقافة، بل هي أيضًا مدينة التكافل والتضامن الإنساني. كم من مرة نهضت من الأزمات، وكم من مرة أعادت بناء نفسها بروح التحدي والإرادة الصلبة. واليوم، رغم الصعاب التي تواجهها، تظل بيروت وفية لتاريخها، حاضنة لأبنائها، مشرعة أبوابها للمحتاجين، ساعية إلى الخير، متمسكة برسالتها السامية.
أيها الإخوة والأخوات،
إن دار الأيتام الإسلامية في بيروت ليست مجرد مؤسسة اجتماعية، بل هي صرح إنساني عريق تمتد جذوره أكثر من قرن، قدم خلاله خدمات جليلة للأيتام والمحتاجين، وأسهم في بناء أجيال متعاقبة من الشباب الذين أصبحوا اليوم عناصر فاعلة في المجتمع.
إن رعاية الأيتام ليست مسؤولية فردية فحسب، بل هي واجب مجتمعي، وتكليف شرعي، وعمل إنساني نبيل. ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال: “انا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين”
(مشيرا بإصبعيه السبابة والوسطى)
أيها الأحبة،
إن الدعم الذي نقدمه للأيتام هو استثمار في المستقبل. فكل طفل يتيم نرعاه، وكل يد نمدها إليه، وكل فرصة تعليمية نوفرها له، هي خطوة نحو بناء مجتمع أكثر تماسكًا، وأكثر عدلا وأكثر إنسانية.
إننا ندعو الجميع إلى المساهمة في هذه المسيرة المباركة، سواء بالدعم المادي أو المعنوي، أو بالمشاركة في المبادرات التي تهدف إلى تعزيز حياة الأيتام وتطوير إمكانياتهم. فاليتيم لا يحتاج فقط إلى الطعام والشراب، بل يحتاج إلى الحب والاحتضان، يحتاج إلى أن يشعر بأنه جزء من مجتمع يقدره ويحترمه، ويؤمن بقدراته، ويفتح الأبواب أمام طموحاته.
إن كل صعوبة تحتوي على فرصة مناسبة علينا اقتناصها، وإن كل فرصة تتضمن مكامن التغلب على صعوباتها، لا بد من اكتشافها.
دعوني أقول لكم بأن عهود الفرص الضائعة ولّت، وعلينا جميعاً أن نتعاون لإنجاح فرص الإنقاذ المتاحة في هذا العهد الجديد، لنكون على مستوى الثقة التي أولانا إياها اللبنانيون في الداخل، والأشقاء والأصدقاء في الخارج، والذين لن يبخلوا علينا بالدعم والمساعدة، إذا عرفنا نحن أن نساعد أنفسنا أولاً وأخيراً.
لن أتحدث عن برنامج أولويات لحكومتنا التي أطلقت عليها تسمية “حكومة الإصلاح والإنقاذ”، فمعالجة كل أمراض جسمنا العليل تعتبر أولوية، لذلك سنعمل بطريقة الخطوط المتوازية لنستطيع إنجاز أكثر من ملف في أسرع وقت ممكن.
فتأمين الإنسحاب الإسرائيلي أولوية، وإطلاق ورشة إعادة الإعمار في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت أولوية، وتأمين الكهرباء أولوية، والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي أولوية، واستقلال القضاء أولوية، وإصلاح الادارة اولوية، وانصاف المودعين وهيكلة المصارف وإعادة رسملتها واستجلاب المستثمرين أولوية، والتزام برنامج مساعدات العائلات الفقيرة أولوية. على أن الأولوية المطلقة تبقى للعمل على إعادة بناء الدولة، بإداراتها ومؤسساتها، وبسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية بقواها الذاتية، كما نص عليه اتفاق الطائف. مما يشعر مواطنينا بالأمن والأمان، ويعزز الاستقرار، ويطمئن بيئة الاعمال، وهي كلها شروط ضرورية للنهوض باقتصادنا وتوفير فرص عمل لأبنائنا.
ومن أهم مقومات الإستقرار الإجتماعي العمل بجدّية لتحقيق الإنماء المتوازن، خاصة في المناطق المحرومة تاريخياً، من عكار شمالاً إلى الناقورة والقرى المنكوبة جنوباً، وصولاً إلى بعلبك والهرمل شرقاً. نريد لأبناء هذه المناطق أن يعيشوا في كنف الدولة العادلة والقادرة على تلبية حاجاتهم الإنمائية، ويتمتعوا بحياة كريمة في مناطقهم.
في الشمال نستعد لتفعيل المنطقة الإقتصادية وتشغيل مطار القليعات الذي يوفر آلاف الوظائف لأبناء المنطقة. في الجنوب سنعيد إعمار القرى المهدمة بأسرع مما يتصوره كثيرون من خلال دعم ومساعدات الأشقاء والأصدقاء. وفي البقاع سنشجع الزراعات ذات الإنتاجية المميزة والمردود المالي العالي لأهلنا في محافظة بعلبك والهرمل، ليعيشوا حياة هانئة، بعيدة عن أجواء القلق والخوف التي عانت من ويلاتها أجيال وأجيال.
وكل ذلك لا يعني أننا سنهمل المناطق اللبنانية الأخرى، التي تبقى بحاجة لوجود الدولة في يومياتها، وخاصة بيروت الحبيبة التي تعاني، وللأسف كثيرا، من تدني مستوى الخدمات فيها، بما لا يليق بعاصمة الوطن التي تحتضن مع ضواحيها نصف سكان لبنان.
أيها الأحبة،
وللشباب حصة كبيرة من تفكيرنا، حيث يعتبر لبنان أحد أهم الدول التي تصدر الكفاءات العلمية الشابة إلى أسواق العمل الإقليمية والعالمية. ونادراً ما نجد عائلة في لبنان تعيش مع أولادها بعد تخرجهم من الجامعات، حيث يحمل الشباب شهاداتهم بيد، وحقيبة السفر باليد الأخرى، بحثاً عن فرص عمل واعدة، وحياة آمنة ومستقرة. أن التركيز على إيجاد فرص عمل للشباب، ليشاركوا في بناء الوطن وتطوره يجب أن يكون في صميم المهمات الوطنية لأية حكومة لبنانية.
لقد وعدنا في البيان الوزاري لحكومتنا باستكمال تطبيق ما لم ينفذ بعد من اتفاق الطائف ومنه الهيئة الوطنية المولجة البحث في سبل الإلغاء التدريجي للطائفية السياسية، التي نصت عليها المادة ٩٥ من الدستور، وذلك للعمل على إستئصال آفة الطائفية الذي تضرب الحياة الوطنية، وتعطل طموح الشباب في الوصول إلى دولة القانون والمؤسسات القائمة على العدالة والمساواة بين المواطنين، والتي تعتمد الشهادة العلمية والكفاءة في الوظائف العامة، بدل الهوية المذهبية، والزبائنية السياسية.
أيها الحضور الكريم،
في هذا الشهر الفضيل، حيث تتجلى معاني الرحمة والكرم، نسأل الله أن يبارك جهود القائمين على دار الأيتام الإسلامية، وأن يجزيهم خير الجزاء على ما يقدمونه من رعاية وعناية، ولكل من وضع يده في يد اهل هذه الدار لنرسم البسمة ليس على وجوه أطفالنا وحسب، بل على محيا كلٍ اللبنانيين.
ونسأل الله أن يحفظ لنا بيروت، هذه المدينة الغالية، وأن يعيد إليها بهاءها وتألقها، وأن تبقى دائمًا المدينة العربية الرائدة في الفكر والثقافة، ومدينة العطاء والتسامح والإنسانية.
وفي الختام، نجدد العهد بأن نبقى دائمًا إلى جانب كل لبناني يؤمن بأن الدولة هي الملاذ الأول والأخير، وأن نعمل معًا من أجل مستقبل أكثر إشراقًا لأبنائنا، وأكثر استقرارًا لمجتمعنا، وأكثر ازدهارًا لوطننا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook