يُدافع أركان الحكم عن تفاؤلهم، ويقولون بثقة: “نحن نتقدّم في الاتجاه الصحيح. وعلى المستعجلين أن يمنحونا الوقت لنحقق ما وعدنا به. فالوضع كان في منتهى السوء، على مدى عشرات السنين، ولا يمكن إصلاحه بين ليلة وضحاها. ونحن نحتاج إلى حدٍ أدنى من التدرّج زمنياً لبلوغ الأهداف المرسومة وتحقيق الإنقاذ الكامل”.
ويُضيف هؤلاء: “مثلاً، لا يمكن اليوم، ودفعة واحدة،إنجاز خطوة تسليم “حزب الله” لسلاحه في كل لبنان، لأنّ لديه مخاوف من وجود نيات للانتقام منه وعزله سياسياً أيضاً. ولكن، تذكّروا أنّ “الحزب” نفسه سيتجاوب مع كل المساعي الرامية إلى تنفيذ ما ورد في خطاب القَسَم والبيان الوزاري لجهة سيادة سلاح الدولة وحدها وفرض قرارها على كل الأراضي اللبنانية. وسيتمّ ذلك تدريجاً بالتوازي مع تفاهمات داخلية، وبعد أن توقف القوىالإقليمية تدخّلاتها في شؤون لبنان وتعترف بسيادة الدولة اللبنانية وحدها على قرارها. وهذا الأمر سيتحقق لأنّه يحظى بدعم دولي وعربي، وتحديداً من الولايات المتحدة وسائر دول اللجنة الخماسية.
ويستشف من أوساط أركان السلطة أنّ رهانهم الأساسي في الوقت الحاضر هو على تنفيذ اتفاق وقف النار بكل بنوده، لأنّه ركيزة أي نجاح آخر. وهنا تكمن أهمية انطلاق المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل، بتوافق داخلي وانسجام كامل بين القوى المشاركة في الحكومة. فالنتائج التي يفترض أن تؤدّي إليها هذه المفاوضات، على غرار مفاوضات الترسيم بحراً، ستكون لها تأثيراتحاسمة على مستقبل الوضع السياسي في الداخل اللبناني، وتحديداً لجهة حسم وحدانية سلاح الدولة وقرارها في كل الأراضي اللبنانية، واقتناع “حزب الله” بذلك، نتيجة لزوال الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب وإبرام الاتفاق المنتظر على ترسيم الحدود بتوافق داخلي كامل.
في منظور أهل الحكم أنّ المسار الهادئ والتوافقي الذي يعتمدونه سيوصل اللبنانيِّين، بلا خضات، إلى تنفيذ ما ورد في خطاب القَسَم والبيان الوزاري. فلا داعي لحصول تصادم داخلي إذا كانت الظروف الإقليمية والدولية ستدفع الجميع حتماً، بمَن فيهم “الحزب”، إلى التوافق على تسليم زمام الأمور إلى الدولة. ويعتقد بعض المعنيِّين في السلطة، أنّ الشرق الأوسط يميل في هذه المرحلة إلى خيار الاتفاقات ونزع الفتائل وليس إلى الحروب. وستؤدّي الاتفاقات إلى ابتعاد تأثيرات طهران عن دول المنطقة تلقائياً. وحينذاك، سيُبدّل “حزب الله”مواقفه الحالية، وسيجد أنّ أفضل الخيارات المتاحة له هو أن يضع سلاحه تحت جناح الدولة طوعاً، ومن دون استثارة أي إشكالات. وفي أي حال، هو التزم بذلك بتوقيعه اتفاق وقف النار الذي ينصّ على حصر السلاح في لبنان بقوى السلطة الشرعية وحدها، في جنوب الليطاني كما في شماله.
هل هذه النظرة المتفائلة في محلها الصحيح؟ البعض يخشى أن يبالغ أركان الحكم في الرهان على الإيجابيات الإقليمية والدولية والتباطؤ داخلياً، ما قد يفوّت الفرصة السانحة للحل.
ويقول هؤلاء إنّ الشرق الأوسط دائم التقلّبات، ولايمكن الرهان دائماً على الوقت، ولذلك، يجب على رئيس الجمهورية جوزاف عون وحكومة الرئيس سلام أن يكونا أكثر تشدّداً واستعجالاً في تنفيذ مضامين خطاب القَسَم والبيان الوزاري.
لكن أوساط أهل السلطة عموماً لا يتبنّون هذا الشعور بالقلق. وعلى العكس، هم يبدون تفاؤلاً استثنائياً، ويعتقدون أنّ التحوّلات التي تشهدها المنطقة حالياً غير مسبوقة، إذ أحدثت انقلاباً في المعادلات وتوازنات القوى لمصلحة الاستقرار والسلام الدائمَين، وهذا المناخ لميكن موجوداً في أي يوم منذ أكثر من نصف قرن. ولذلك، يمكن القول إنّ لبنان ربما دخل مرحلة من الأمان، بتغطية عربية ودولية، يمكن الرهان عليها لإعادة بناء الدولة والخروج من الأزمة.
ولن يكون أي طرف داخلي قادراً أو راغباً في تعطيلها، لأنّ لا مصلحة له في ذلك. وهذا ما يراهن عليه أهل الحكم لإدخال”حزب الله” شيئاً فشيئاً في مناخ التسويات ومؤسسات الدولة، على غرار القوى السياسية والطائفية الأخرى.