إدارة أمور البلد من خلف الستارة ستدفع إلى المزيد من التعقيد

فما نشهده اليوم من تباين في وجهات النظر بين أركان السلطة على موضوع التعيينات العسكرية والإدارية، وقد حّلّ جزء منها، ليس سوى رجع لصدى خلاف خفي على عدم التوافق “الترويكاوي” على سياسة خارجية موحدّة في ظل ما تشهده المنطقة من تغييرات سيكون لها تأثير مباشر على وضعية لبنان الداخلية إن لم تٌعتمَد سياسية الحياد الإيجابي، التي تحدّث عنها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في خطاب القسم وفصّلها في شكل واضح في الكلمة التي ألقاها في القمة العربية الطارئة في القاهرة، خصوصًا عندما تناول ما قدّمه لبنان للقضية الفلسطينية من دعم لم يقدم عليه الآخرون خوفًا من إحراق أصابعهم بنار هي غير نارهم، أو عبر طرحه المتقدم عن نظرته إلى هذه القضية من خلال ما خبره لبنان من تجارب صعبة انعكست على كيانه الداخلي منذ توقيعه، مكرهًا، على اتفاق القاهرة حتى إدخاله في حرب لم يكن له فيها لا ناقة ولا جمل، مع ما استجلبته هذه الحرب عليه من ويلات وكوارث، وإن طالت بالمباشر البيئة الشيعية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت بالتحديد، وأرهقته خسائر بنيوية قدّر البنك الدولي كلفة إعادة إعمار ما هدّمته إسرائيل أحد عشر مليار دولار، وهو مبلغ كان كافيًا لو لم يُدفع لبنان إلى خوض حرب أثبتت الوقائع أنها لم تكن متكافئة إلى نهوضه من كبوته الاقتصادية والمالية وعودته إلى التعافي التدريجي، الذي يتطلب تضافر جهود الخارج مع الداخل وفق التوافق على الأولويات التراتبية بدءًا بالأهم وصولًا إلى ما هو أقل أهمية.
كان يعتقد اللبنانيون عن طيبة قلب أنه بمجرد التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية ستُحّل كل العقد، التي كانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وهي التي كانت مقيّدة بما يُعرف بتصريف الأعمال بحدوده الضيقة، تحاول تذليلها بما كان لديها من صلاحيات يسمح بها الدستور والقوانين المرعية الاجراء. لكن بعد مرور ما يقارب الشهر على نيل حكومة “الإصلاح والإنقاذ” ثقة نيابية “حرزانة” يتبيّن أن ما علّق عليه اللبنانيون من آمال عريضة قد بدأ يتبخّر مع توالي الأخبار المدرجة في خانة الإحباط عن طريقة إدارة الأمور من خلف ستارة السراي عبر مجموعات قد يكون لها أهداف غير الأهداف، التي سبق أن أعلنها ويعلنها رئيس الجمهورية يوميًا خلال لقاءاته في القصر الجمهوري. إلاّ أن توالي الأخبار عن إمكانية حصول انفراجات محتملة في ملف الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب على مراحل بعد إطلاق الأسرى اللبنانيين، الذين اعتقلتهم السلطات الإسرائيلية قد يُعطي دفعًا جديدًا من الآمال، التي يحتاج إليها اللبنانيون اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولكن من دون أن يعني ذلك أن لبنان قد خرج من دائرة الخطر، خصوصًا أن التصريحات الأميركية الأخيرة قد تؤزّم الخلافات العميقة بين اللبنانيين على الأولويات أكثر مما كان عليه الوضع على مدى سنوات سابقة.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook