حزب الله في استراحة محارب.. متى تنتهي مرحلة الصبر؟!

ومع كلّ خرق إسرائيلي جديد لاتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما بات يتكرّر يوميًا بالمناسبة، مع تكريس إسرائيل ما تسمّيه “حرية الحركة” لنفسها، بحكم الأمر الواقع، شاء من شاء وأبى من أبى، ومن دون أيّ حسيب أو رقيب، أو حتّى رادع، تزداد الأسئلة “الضاغطة” على “حزب الله”، من نوع: على ماذا وقّع الحزب، وهل هذا هو “الانتصار” الذي بشّر به اللبنانيين بعد انتهاء الحرب، وكيف يقف “متفرّجًا” على الانتهاكات الإسرائيلية المتمادية؟
على بعض من هذه الأسئلة، أجاب الشيخ نعيم قاسم في مقابلته التلفزيونية مع قناة المنار، وهي الأولى له منذ انتخابه أمينًا عامًا، فأكّد أنّ المقاومة ما زالت موجودة في الساحة، وما زالت مستمرّة، لكنّه تحدّث عن مرحلة جديدة، ألمح إلى أنّها “استراحة محارب”، مشدّدًا على أنّ المتغيّر في هذه المرحلة ليس الثوابت، وإنما الأساليب والطرق والأزمنة، فما الذي قصده بذلك، وهل يعني أنّ “الصبر مؤقت”، وكيف يتلقف الشارع اللبناني هذا الكلام؟!
مرحلة جديدة.. “استراحة محارب”
قد يكون صحيحًا أنّ الشيخ نعيم قاسم في كلامه عن المرحلة الجديدة التي يمرّ بها “حزب الله” لم يكشف شيئًا جديدًا أو نوعيًا، وإنّما “أكد المؤكّد”، إن صحّ التعبير، فالحزب الذي غيّر خطابه، وربما أدبيّاته، منذ انتهاء الحرب الأخيرة، التي لا يخفى على أحد أنّ نتائجها كانت قاسية عليه، رغم الصمود الذي تحقّق، وأجهض مخططات القضاء عليه، يكرّر مرّة أخرى على لسان أرفع مسؤول فيه، أنّ “الصبر” هو عنوان هذه المرحلة بامتياز.
لكنّ الشيخ قاسم وجّه في المقابلة نفسها، أكثر من “رسالة”، مفادها أنّ هذا الصبر الذي وُصِف بـ”الاستراتيجي” ليس ثابتًا أو دائمًا، “فالصبر ليس هزيمة، وإنما أخذناه بقرار”، متحدّثًا عن معادلات جديدة قال إنّه لن يسمح بترسيخها “بطريقة إسرائيلية”، ومن بينها “إعطاء الدولة الفرصة الكاملة للعمل السياسي، حتى نثبت لكل العالم أنّ هذه إسرائيل لا تخرج إلا بالضرب، ولا تفهم إلا بالسلاح”، وفق تعبيره.
ولتوضيح الرسالة، ذهب الشيخ قاسم أبعد من ذلك، فقال بصريح العبارة إنّ المقاومة مستمرّة “في الميدان”، معتبرًا أنّ مشاركة عناصر وحدة الرضوان في تشييع الأمينين العامين السابقين للحزب، السيدين الشهيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، كانت بحدّ ذاتها رسالة “أنه نحن هنا، وليس معناه أننا غائبون”، بل إنّه قال إنّ “انعدام” العمل المقاوم يعني أنه لن يكون هناك لبنان، وأنّه سيتمّ ابتلاعه في غضون بضع سنوات فقط.
ماذا يريد “حزب الله”؟
في أكثر من اتجاه، تُفهَم رسائل الشيخ نعيم قاسم إذًا، وفق العارفين، الذين يلفتون إلى أنّ خطابه يأتي في سياق “المراجعة” التي يقوم بها “حزب الله”، والتي أشار إليها الرجل في مقابلته، حين تحدّث صراحة عن “انكشاف أمني وبعض الخلل”، لافتًا إلى دروس وعبر يتمّ استخلاصها، وكذلك محاسبة لا بدّ منها، وهو بذلك أراد القول إنّ “استراحة المحارب” التي يلتزم بها الحزب اليوم ليست “نهاية المطاف”، بل قد تكون بداية لمرحلة جديدة من العمل المقاوم.
بهذا المعنى، يقول العارفون إنّ الشيخ قاسم أراد “طمأنة” جمهور المقاومة، ولا سيما أولئك الذين يشعرون بشيءٍ من “الانكسار”، ليس فقط بفعل الخسائر التي حصلت في الحرب وبعدها، عسكريًا وسياسيًا، وخصوصًا بعد اغتيال القائد التاريخي للحزب السيد حسن نصر الله، ولكن أيضًا بفعل “صمت” الحزب على الانتهاكات الفاضحة، كما لم يفعل يومًا، وذلك بالتأكيد أنّ الحزب متمسّك بالثوابت التي قام عليها، وإن عدّل في التكتيكات لفترة من الوقت.
لكنّ ما يضعه العارفون في خانة “رفع معنويات الجمهور” في مكانٍ ما، والتأكيد على الشعار الذي رفعه “حزب الله” في تشييع السيدين نصر الله وصفي الدين، “إنّا على العهد”، يعتبره خصوم الحزب، “انفصامًا عن الواقع”، وكأنّ الحزب الذي يستعيد رويدًا رويدًا أدبيّاته السابقة، لا يريد الاعتراف بأنّ المعادلات تغيّرت، وأنّ نفوذه تراجع، حتى إنّه يعتبر حديث رئيس الجمهورية عن احتكار الدولة للسلاح، “غير موجّه ضدّه”، ما يطرح أكثر من علامة استفهام.
تتفاوت وجهات النظر في مقاربة خطاب “حزب الله” المستجدّ، الذي تجلّى في مواقف الشيخ نعيم قاسم في مقابلته الأخيرة، فهناك من وضعها في خانة “المراجعة” التي يجريها الحزب، والتي يبدو أنها لم تكتمل فصولاً بعد، وهناك من يرى فيها “رفعًا لمعنويات” جمهور منكسر إلى حدّ بعيد، وهناك من يقرأ فيها “إنكارًا” لم يعد مفهومًا ولا مبرّرًا. لكن، وسط كلّ ذلك، ثمّة من يسأل عمّا إذا كان الحزب يمهّد بمواقفه هذه، إلى إنهاء مرحلة “الصبر”، إذا ما فشلت الدبلوماسية في “ردع” إسرائيل، ولو أحال ذلك إلى “اللحظة المناسبة”؟!
مصدر الخبر
للمزيد Facebook