آخر الأخبارأخبار دولية

اعتداءات 13 نوفمبر 2015: المأساة حاضرة بعد ست سنوات في ذاكرة من عاشها (2/2)

نشرت في:

بارت مدير حانة “لا بيل إكيب” (الفريق الجميل)، جان باتيست أستاذ التاريخ في باريس ونيكولا وكيل العقارات يعمل بالقرب من مسرح “باتاكلان”. عاشوا كلهم اعتداءات 13 نوفمبر في باريس وضاحية سان دوني، وتحدثوا إلى فرانس24 عن انعكاسات هذه المأساة وتأثيرها في مسيرتهم الشخصية…  وقرارهم المضي قدما في طريق الحياة.

تعرضت باريس في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 لاعتداءات إرهابية دامية طالت شرفات مقاه ومسرح “باتاكلان” الموسيقية الواقع في الدائرة 1 بالعاصمة الفرنسية وملعب “ستاد دو فرانس” بضاحية سان دوني (شمال) حيث كانت تجري مباراة ودية بين فرنسا وألمانيا. وخلفت تلك الهجمات 130 قتيلا و350 جريحا.

بعد ست سنوات ومع انطلاق المحاكمة في 8 أيلول/ سبتمبر، ينظر القضاء الفرنسي على مدى تسعة أشهر في هذه المأساة الأكثر دموية في البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945). وظلت تداعيات ما يعرف بـ”اعتداءات 13 نوفمبر 2015″ تطارد مئات الجرحى وأسر الضحايا على حد سواء، لكن الكثيرين تسلحوا بالعزم والصبر والشجاعة لأجل تخطي الصعوبات والمضي قدما نحو مواصلة حياتهم سعيا لربط الصلة بين مسيرتهم السابقة وطموحاتهم المستقبلية. ورصد موقع فرانس24 شهادات ثلاثة أشخاص قبلوا الغوص في جحيم تلك الليلة المظلمة والكشف عن مشاعرهم والتحولات التي طرأت على حياتهم.


وقفة تكريمية أمام مسرح “باتاكلان” في باريس في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2018. © رويترز

بارت، مدير حانة “لا بيل إكيب”: “هذا المكان ليس قبرا، إنه مقهى يلتقي فيه الناس لقضاء أوقات ممتعة

بارت رجل في الـ 32 من عمره. وكان في سن الـ 26 عندما فقد زملائه وأصدقائه في الهجوم على “لا بيل إكيب” حيث كان يقدم الطعام والمشروبات ليلة 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. وكانت هذه الحانة الواقعة في الدائرة 11 بباريس ضمن المواقع التي هاجمها الإرهابيون وقتلوا فيها 20 شخصا على الفور. وهو الموقع الذي سجل أكبر عدد وفيات خلال الهجمات بعد “باتاكلان”، كما يذكر بارت الذي صار مدير الحانة منذ عامين. لكنه رفض الخوض في أي حديث عن تلك الليلة المرعبة

للنزيد- تكريم ضحايا اعتداءات باريس في “ويمبلي” قبيل انطلاق مباراة إنكلترا-فرنسا

شرفة حالة "لا بيل إكيب" في باريس.
شرفة حالة “لا بيل إكيب” في باريس. © فرانس24

ويشكل بارت مع أشخاص آخرين بينهم مالك “لا بيل إكيب”، غريغوري ريزنبرغ، الذي توفيت زوجته جميلة في الهجوم، طرفا مدنيا في المحاكمة التي تنطلق الأربعاء 8 سبتمبر/أيلول في باريس. وقال بارت: “سأكون حاضرا، نعم. سأكون هناك لأجل زملائي وأصدقائي، لأجل غريغوري أيضا. سأكون ممثلا عن كل فريق لا بيل إكيب”. وأضاف: “لكن بعد المحاكمة، لن أتحدث لأي صحافي عن هذا الاعتداء”. ولا يتوقع بارت أن يدلي صلاح عبد السلام بأي تصريح خلال المحاكمة”. فهذا الوحيد الذي يزال على قيد الحياة من بين أفراد مجموعة منفذي هجمات 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وأبرزهم، يرفض الحديث منذ توقيفه في 18 مارس/آذار 2016 في بروكسل.

بعد الهجوم الإرهابي، صعب على بارت العودة إلى “لا بيل إكيب”. لكن في 2016، قام صاحب الحانة بتصليح المكان وإعادة ترتيب كل ركن فيه سعيا منه لبناء صورة جديدة لدى العاملين فيه. وبالتالي، عاد بارت إلى عمله وهو العنصر الوحيد في الفريق السابق الذي قبل رفع التحدي من جديد. وهو يقول: “البعض متفاجئ بأني عدت إلى هنا رغم ما جرى، لكن هذا المقهى مكان انبعثت فيه الحياة”. وفي أحد أركان الحانة حائط مغطى بلوحات جدارية وكتبت عليها أسماء ضحايا الاعتداء، لكن بارت مصمم على طي صفحة الماضي والمضي قدما في حياته.

للمزيد-  المداهمة الأمنية بسان دوني.. “ساعات من الرعب والخوف”

فبالنسبة إليه، “لا بيل إكيب” ليست مقبرة ولا قبرا، “إنه مقهى يلتقي فيه الناس ليقضون أوقاتا ممتعة، وهذا ما دفع الإرهابيون استهداف الموقع” قبل ست سنوات. بالتالي، لا يرضى بارت بأن يتداول الناس على المحل لوضع إكليل من الزهور ترحما على الضحايا. بل ويتحسر بارت “في حال أصبح المكان موقعا للترحم، فإن الإرهابيون قد حققوا الهدف المقصود”.

وبات بارت متفائلا بالحياة. وقال لفرانس24: “الحياة مستمرة هنا، الشيء الجميل أن نسبة الإقبال باتت أكثر مما كانت عليه قبل ست سنوات”. ويسهر الرجل الثلاثيني على تلميع صورة “لا بيل إكيب”، من خلال تكوين فريق شاب يحب العمل فيها ويرفض أن نستذكر مرارا ليلة 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

جان باتيست، أستاذ التاريخ في باريس: “المحاكمة ستغذي عمل الذاكرة الذي يفرزه المؤرخون

أستاذ التاريخ في باريس جان باتيست يعشق كرة القدم. لذلك كان أمام شاشة التلفزيون لمتابعة المباراة الودية بين منتخب بلاده ونظيره الألماني على ملعب “ستاد دو فرانس” في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. لكن سرعان ما تحولت المتعة إلى محنة بشقته الواقعة بحي “بورت دو شومبيريه” في الدائرة 17 بالعاصمة حيث كان يقضي الأمسية الكروية رفقة صهره.

فحين بدأ التغريد يشتعل على موقع “تويتر”، فكر جان باتيست فورا حسب  قوله “في بعض  طلابي المتواجدين عند مداخل الملعب”، ليكتشف بعدها مجزرة مسرح “باتاكلان” ويتضح له على مر الدقائق حجم الخراب والدمار والخسائر البشرية.

جان باتيست أستاذ التاريخ في باريس.
جان باتيست أستاذ التاريخ في باريس. © DR / Jean-Baptiste

وبعد نهاية أسبوع قضاها تحت وقع الصدمة، عاد الأستاذ إلى الجامعة ليجد نفسه أمام مهمة “تفسير ما لا يفسر”  للطلاب وضرورة الخوض في حديث ونقاش حول ما المأساة. فكان “لا بد من مواجهة المشاعر الشخصية والسعي إلى التطرق للأحداث بشكل موضوعي”. مهمة صعبة للغاية وضعته  في حالة “انفصام”، على حد قوله.

واستاء جان باتيست لعدم تلقي “أي توجيهات من قبل وزارة التعليم”، مشيرا إلى أن زملائه في المواد الأخرى “كانوا قد أوكلوا لأساتذة التاريخ مهمة العودة على الأحداث وشرحها”. وتابع قائلا: “إن الإرهاب من بين المواد التي ندرسها، فأدينا الواجب ووضعنا الأحداث في سياقها”. وتلقى رسائل من عدة تلاميذ وطلاب تحمل تساؤلات مختلفة ومتعددة، ما جعله يقول: “لقد تعاملنا في تلك الفترة مع تطلعات اجتماعية لم تكن من اختصاصنا”.

للمزيد- فرنسا تقر قانونا جديدا لمكافحة الإرهاب سيحل مكان حالة الطوارئ

وبدأت المأساة تؤثر أكثر فأكثر في أستاذ التاريخ، خاصة أن أحد أصدقائه كان من بين الناجين من الهجوم على مسرح “باتاكلان”. وتحولت قصة صديقه إلى رواية مكتوبة ألفها جان باتيست رفقة أستاذة تاريخ من زملائه، وصدر الكتاب في الذكرى الأولى من اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. وهو ما سمح له تدريجيا بتجاوز صدمة الأحداث.

لكن، في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2020، عاد شبح الاعتداءات الإرهابية إلى ذاكرة جان باتيست عندما اغتيل المدرس صامويل باتي بمكان عمله في ضاحية ليزيفلين جنوبي باريس. فتساءل يومها: “ماذا لو كنت مكانه؟”. واستاء مرة ثانية من تجاهل وزارة التربية الوطنية لوضع الأساتذة، وقال إنه “يعي اهتماما بالغا في تعامله مع الطلاب بشأن القضايا المرتبطة بالعلمانية”. وفي سن الـ 42، يواصل جان باتيست مهامه البيداغوجية متسائلا عن “مستقبل العالم”، لاسيما منذ ولادة ابنته في 2018.

ويترقب جان باتيست محاكمة 8 سبتمبر/أيلول باهتمام كبير، متمنيا أن “تحمل بأجوبة، وذلك مهما طالت مدتها، لأن الضحايا وعائلاتهم بحاجة لفهم ما جرى وطي صفحة المأساة”. وأضاف: “ما تفرز عنه هذه المحاكمة التاريخية يكتسي أهمية بالنسبة للمؤرخين والباحثين إذ أن نتائجها ستغذي عمل الذاكرة الذي يقومون به في السنوات المقبلة، وستغذي أيضا كتب التاريخ”.

نيكولا، وكيل العقارات في الدائرة 11 بباريس: “المتهمون لن يردوا الأرواح التي حصدوها”

احتفل نيكولا بعيد ميلاده 33 الـ عشية مأساة 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وبالمناسبة دعا إلى منزله بعض الأصدقاء لمشاهدة المواجهة الودية بين منتخبي فرنسا وألمانيا في ضاحية سان دوني. ويسكن وكيل العقارات مع شريكة حياته ورضيعهما في شارع غير بعيد عن مسرح “باتاكلان”. وفيما كان يستمتع بأولى دقائق المباراة، سُمع ذوي انفجار بملعب “ستاد دو فرانس” ما لفت انتباه هذا الرجل الذي يعرف “أسرار الملاعب جيدا” ليرتاب من حدوث شيء ما “غير عادي”.

نيكولا وكيل العقارات يسكن قرب مسرح "باتاكلان"، أحد مواقع مجرزة 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
نيكولا وكيل العقارات يسكن قرب مسرح “باتاكلان”، أحد مواقع مجرزة 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. © DR / Nicolas

فبدأ الهاتف يرن. وبعد انتشار خبر الهجوم على قاعة “باتاكلان”، اتصل به عدة أصدقاء إذ يعلمون بأنه يسكن في هذا الحي. وتحول نيكولا سريعا إلى مشاهدة قنوات الأخبار المستمرة، مدركا جحم الهجمات المتزامنة، لاسيما تلك التي تجري بالقرب من داره. وفي الدقائق الموالية، سمع الجميع عبر النافذة طلقات الرصاص المتبادلة بين الإرهابيين وقوات الأمن الفرنسية داخل الـ”باتاكلان”.     

وقال نيكولا إنه وعائلته ظلوا متحصنين في الدار خلال ثلاثة أيام. وفي مقر عمله، تغير الجو العام وساد الوجوم خلال أسابيع. فكان الناس في الحي تحت وقع الصدمة، على حد قوله، إذ أن الدائرة 11 في باريس تعرضت لهجومين إرهابيين في أقل من عام واحد – وكان الأول في 7 يناير/كانون الثاني ضد صحيفة “شارلي إيبدو” الساخرة.

للمزيد- ريبورتاج: باريس مدينة تتقاذفها الأمواج لكنها لن تغرق أبدا

لكن سرعان ما استعاد الحي نشاطه وحركته العادية، وقال نيكولا إن المطاعم والحانات والمقاهي لم تخلو من الزبائن وكأن الجميع أراد توجيه رسالة للإرهابيين بأنهم لم ولن يستسلموا للرعب وأن الحياة أقوى من الموت. ولم ير وكيل العقارات “الشرفات مكتظة كما كانت بعد هذه الهجمات” في ما يصفه “حي المحتفلين والحيوية”. وبشأن سوق العقار، ظلت المعاملات على حالها.

وقبل عام، انتقل نيكولا وعائلته إلى منزل في حي قريب من حيه السابق، وهو يمر بمسرح “باتاكلان” بصورة منتظمة. وقال لفرانس24: “لا زلت أتذكر ضحايا الاعتداءات، لكني لا أنتظر ولا شيء من المحاكمة” التي تنطلق في 8 سبتمبر/أيلول. وأضاف: “للأسف، مات من مات وجرح من جرح.. ومهما قمنا به، المتهمون لن يردوا الأرواح التي حصدوها”.

>> اطلعوا على شهادتي نعام، الشرطي السابق في إدارة الاستخبارات بمحافظة باريس، وسيليا، الطبيبة الجراحة

 

بهار ماكويي/ علاوة مزياني


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى