آخر الأخبارأخبار محلية

المعارضة امام فرصة تاريخية.. هل تستغلها؟

تشكيل حكومة نواف سلام في لبنان، التي تُوصف بـ”حكومة الإصلاح والإنقاذ”، يمثل منعطفاً كبيرا يعكس تحولات جيوستراتيجية عميقة في المنطقة، لا سيما بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا نهاية عام 2024. هذه الحكومة، التي تضم لأول مرة وزراء من خارج الأطر الحزبية التقليدية وتستبعد “الثلث المُعطّل”، جاءت نتاج توازنات جديدة فرضتها المتغيرات الإقليمية والداخلية، حيث باتت المعارضة السابقة -الممثلة بقوى مثل “حزب القوات اللبنانية” و”الكتائب”- تحتل موقعاً مركزياً في السلطة، مع تمثيل واسع في التشكيلة الوزارية وقدرة على ترجيه كفة القرار السياسي. 

أبرز ما يميز المرحلة الحالية هو تحوّل المعارضة من موقع المطالبة بالإصلاح إلى موقع المسؤولة عن تنفيذه، في ظل انتصار مشروعها الإقليمي الذي يراهن على تعزيز العلاقات مع المحيط العربي والدولي، خاصة بعد تراجع النفوذ الإيراني المتمثل بحزب الله بشكل خاص، والذي خسر حليفه بشار الاسد في سوريا، وانسحب من مناطق حدودية لبنانية-سورية كالقصير، مما أضعف قدرته على فرض خياراته.
هذا التحوّل أتاح للحكومة الجديدة فرصة غير مسبوقة لإعادة هيكلة الاقتصاد المنهار عبر تفعيل اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي وجذب الدعم المالي الدولي، شرط تنفيذ إصلاحات جذرية في القطاعات المصرفية والطاقة، واستعادة الثقة عبر محاربة الفساد. لكن التحدي الأكبر يكمن في تحويل “العمق العربي” إلى دعم فعلي، إذ إن دولاً مثل السعودية والإمارات تربط مساعداتها بمدى التزام لبنان بسيادة الدولة وحصر السلاح بيد الجيش، وهو ما يتعارض مع وجود حزب الله المسلّح.  

على الصعيد الأمني، تواجه الحكومة اختباراً مصيرياً في فرض سيطرة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، لا سيما مع الالتزام بتنفيذ القرار الدولي 1701. هنا تبرز إشكالية التعامل مع سلاح حزب الله، الذي ما زال يخلق توازنا ما في الداخل، رغم الضغوط الدولية. وقد بدأت بوادر تغيير تلوح مع تعزيز الجيش وجوده على الحدود الشرقية، وتوقف تهريب الأسلحة عبر سوريا بعد سقوط الأسد، مما قد يحدّ من قدرات الحزب العسكرية.
إلا أن نجاح هذا المسار مرهون بتحقيق انسجام داخل الحكومة بين الوزراء المنتمين لتيارات متباينة، وبالقدرة على تجاوز الخلافات حول البيان الوزاري. 

رغم الإجماع الدولي والدعم الغربي-العربي الواضح لحكومة سلام، فإن العقبة الأكبر تكمن في الزمن الضيق المتبقي قبل الانتخابات النيابية المقررة في 2026. فالإصلاحات الاقتصادية المعقدة، مثل إعادة هيكلة المصارف وتسوية أزمة الودائع المجمدة منذ 2019، تتطلب قرارات جريئة قد تثير مقاومة من شبكات الفساد التقليدية. كما أن ملف إعادة إعمار الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، المدمرة بسبب الحرب الأخيرة مع إسرائيل، يحتاج إلى تمويل ضخم وتنسيق مع المنظمات الدولية، في وقت يعاني فيه اللبنانيون من انهيار معيشي غير مسبوق .  

في الخلاصة، فإن حكومة نواف سلام تقف أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة، لكنها محاصرة بتحديات تفوق قدرات أي حكومة تقليدية. نجاحها مرهون بقدرتها على توحيد الرؤى الداخلية، وتحقيق إنجازات ملموسة في ملفات الاقتصاد والأمن قبل الاستحقاق الانتخابي، واستغلال التحولات الإقليمية لصالح لبنان كدولة لا كميدان للصراعات. السؤال الأكبر: هل تستطيع هذه الحكومة أن تكون جسراً بين مرحلة الانهيار ومرحلة التأسيس، أم أنها ستسقط في فخ الاختناقات السياسية التي عطلت سابقاتها؟ الإجابة ستحددها الأشهر القليلة المقبلة.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى