الذكاء الاصطناعي ـ سباق عالمي محموم حول الحوسبة الكمومية | علوم وتكنولوجيا | آخر الاكتشافات والدراسات من DW عربية | DW
أصبح امتلاك ناصية تكنولوجيا الكمبيوتر الكمومي واحدا من أهم رهانات المستقبل التي تخوض من أجله القوى العالمية سباقا محموما تسخر له كل الإمكانيات العلمية والمالية. وتتمتع هذه التكنولوجيا بقدرة فائقة تتخطى بأشواط قدرات أفضل أجهزة الكمبيوتر الحالية، بفضل توظيف الخصائص الفيزيائية المذهلة للجسيمات الفائقة الصغر. فبدلاً من وحدة تخزين المعلومات “بِت” التي تقوم عليها الحوسبة التقليدية التي تعمل وفق قيمتين 0 و1، يستخدم العالم الكمومي وحدة “كيوبيتس” التي تتيح قيم متعددة في الوقت نفسه، مما يمكّن نظريا من القيام بعمليات حسابية متوازية تفوق كل ما عرفه الانسان إلى اليوم.
غير أن هذه التكنولوجيالا تزال في مرحلة تجريبية ويُتوقع أن تتمكن في المستقبل من حل مشكلات حسابية معقدة تعجز عنها الكمبيوترات الحالية تنطبق على مجالات متعددة منها احتساب المسارات وفك الشفرات الأكثر تعقيدا إضافة إلى مجالات تطبيق لا تعد ولا تحصى كتطوير الأدوية على سبيل المثال لا الحصر.
وسبق للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل (التي أنجزت رسالة دكتوراه في كيمياء الكم) أن دشنت في شهر مايو / أيار 2021 أول كمبيوتر كمومي بنته في ألمانيا شركة “آي.بي.أم” الأمريكية، في وقت دخل فيه العالم في سباق ضد الزمن لاكتساب زمام هذه التكنولوجيا الواعدة. الجهاز من طراز “كيو سيستم وان” تم بناؤه بالقرب من مدينة شتوتغارت بالتعاون مع معهد الأبحاث الألماني “فراونهوفر” ودخل الخدمة منذ بداية أبريل / نيسان الماضي، ويعتبر أول جهاز من نوعه للشركة الأمريكية خارج الولايات المتحدة. وموازاة مع ذلك تسعى ولاية ساكسونيا السفلى لتكون منصة رائدة لتطوير هذه التكنولوجيا في ألمانيا في إطار مشروع “كوانتوم فالي ساكسونيا السفلى” الذي يستقطب ما لا يقل عن 400 باحث.
ألمانيا ـ الذكاء الصناعي من باب الحوسبة الكمومية
دخلت القوى العالمية الكبرى في سباق محموم حول تكنولوجيات المستقبل التي ستغير أسلوب حياة البشرية في عالم الغد. الحكومة الألمانية خصصت خلال العام الجاري ما لا يقل عن ملياري يورو لتطوير حواسيب كمومية، يعتبرها الخبراء المدخل الرئيسي لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي. وتسعى ألمانيالمواكبة المنافسة العالمية في هذا المجال بتطوير حاسوب كمومي خلال السنوات الخمس المقبلة. وبهذا الصدد قالت وزيرة البحث العلمي الألمانية، آنيا كارليشيك (مايو/ أيار 2021) “تعد تقنيات الكم واحدة من التقنيات الرئيسية الحاسمة في المستقبل… سوف تسمح لنا بجعل اتصالاتنا آمنة تماما، وتحقيق قفزات في التكنولوجيا الطبية عبر مستشعرات شديدة الحساسية، أو معالجة مشكلات لم يكن بالإمكان حلها سابقا في مجال الخدمات اللوجستية أو أبحاث المواد عبر الحوسبة الكمية”.
وتسعى ولاية ساكسونيا السفلى إلى بناء أول كمبيوتر كمومي في ألمانيا وتشغيله بحلول نهاية عام 2025. باستعمال تقنية تسمى “مصيدة الأيونات”، والأيونات هي ذرات مشحونة، كوحدة حسابية أساسية للكمبيوتر- الأيون هو كيوبتس. بمساعدة المجالات الكهربائية، يتم التقاط هذه الأيونات والتحكم فيها بواسطة موجات الراديو وأشعة الليزر.
ساكسونيا السفلى ـ الريادة في التكنولوجيا الكمومية
تسعى ولاية ساكسونيا السفلى (شرق ألمانيا) لاحتلال مكان الريادة في تطوير تكنولوجيا الكمبيوتر الكمومي في ألمانيا، بالتعاون مع عدد من الجامعات والمؤسسات البحثية، وذلك باستقطاب خبرات ما لا يقل عن 400 باحث في إطار مشروع يحمل اسم “كوانتوم فالي ساكسونيا السفلى”. ومن المتوقع أن يحصل المشروع على تمويل قدره مليار ونصف مليار يورو على مدى عشر سنوات.
وبين تصورات الخيال العلمي والحقائق العلمية الدامغة، تعتبر التكنولوجيا الكمومية واحدة من أهم الاختراقات التكنولوجية الحديثة. وتعتمد الصناعة بشكل متزايد على عمليات حوسبة بالغة التعقيد وفي أقل فترة زمنية ممكنة. ومع ذلك، فإن جميع أجهزة الكمبيوتر الكمومية الحالية هي في الأساس مجرد أجهزة تجريبية أو نموذجية. وعدد الكيبوتات لا يجب أن يكون المقياس الوحيد، ولكن الأهم هو جودة العمليات الحسابية. وسيتعين في المستقبل تطوير نظام كامل يشمل خوارزميات وبرمجيات خاصة حتى يتمكن الباحثون من تطوير تكنولوجيا بإمكانيات هائلة.
الكومبيوتر الكمومي ـ كل شيء في نفس الآن
ظهر أول حاسوب (ميكانيكي) عام 1941 قبل أن يتم بعدها تطوير عدد من الاختراعات التي غيرت وجه الحوسبة وجعلت من الكمبيوترات الأجهزة التي نعرفها اليوم من حيث الفعالية والصغر والخفة بالمقارنة مع النماذج الأولى. ورغم التطور الهائل الذي عرفته تكنولوجيات الحوسبة إلى أنها لا تزال تواجه معضلات عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، خوف متواصل من قرصنة واختراق سرية البيانات. الكومبيوتر الكمومي يتجاوز المنطق الثنائي الذي تتراوحه “كيوبتس في التواجد في حالتي “0” و “1” في نفس الوقت بل وأيضا في الحالات بينهما. وهذا يعني أنه يلزم عدد أقل بكثير من “الكيبوتس” لإجراء العمليات الحسابية، وهو ما تعجز عنه أجهزة الحوسبة التقليدية. ميزة أخرى تتمتع بها التكنولوجيا الكمومية هي أن هذه العمليات تتم بسرعة قريبة من سرعة الضوء.
غير أن توليد “البتات” الكمومية لا يزال يطرح عددا من المعضلات فهي تستخدم عناصر فائقة التوصيل، من أيونات أو ذرات “محاصرة” أو فوتونات وعمليات أخرى مشابهة. ويتم تحفيز الأيونات بإشعاع الميكروويف، ما يمكن من وضعها في حالات متعددة، يمكن بعد ذلك تحميلها بمعلومات مختلفة. غير أن الجسيمات تتحرك. ولكي تكون قادرة على العمل لابد من “تجميدها”، وذلك بتبريد شديد قريب من درجة الصفر المطلق (-273.15 درجة مائوية) باستخدام تقنيات معقدة مثل المجالات المغناطيسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الكيوبتات غير مستقرة وتتفاعل مع أدنى تحفيز خارجي، مثل الاهتزازات والمجالات المغناطيسية والكهربائية وعوامل أخرى.
من الكمبيوتر الكمومي إلى الكمبيوتر العصبي
بدأت رقائق الكمبيوتر التقليدية تقريبًا في استنفاد قدراتها القصوى لأن أداء أشباه الموصلات بدأ يصل إلى حدوده المادية القصوى. ولأنه لا يمكن تقليص حجم الرقائق إلى ما لا نهاية من أجل زيادة أدائها في أقل مساحة ممكنة، يتم تطوير أجهزة الكمبيوتر الكمومية وأجهزة الكمبيوتر العصبية كبدائل تكنولوجية في المستقبل. وكما تم شرحه أعلاه، فإن الكمبيوتر الكلاسيكي يعمل بهندسة ثنائية الوضع الثنائي 0 و1 (بمعنى: تدفق التيار أو عدم تدفقه). هذا محدد في وحدة “بت”. وتتكون البنية المادية في جهاز الكمبيوتر من مكونات إلكترونية، مثل المكثفات أو الترانزستورات في الرقائق الدقيقة. الخاصية الأولية والأساسية لوحدة “بت” هي أن قيمتها محددة بشكل دقيق ولا تتغير عند قياسها، ومن ناحية أخرى، لا تتغير قيمة “بت” على الفور بمجرد تغير قيمة “بت” آخر، ولا يحدث ذلك في الكمبيوتر الكلاسيكي إلا بعد فترة زمنية معينة في نطاق أجزاء الألف في الثانية الواحدة.
وتزامنا مع الاهتمام بأجهزة الكمبيوتر الكمومية، ظهرت مقاربة تكنولوجية جديدة وتتعلق بأجهزة كمبيوتر لا تعتمد نسق الذكاء الصناعي وإنما تحاكي الدماغ البشري وتسمى بالحوسبة العصبية. وتتمتع بامتياز الاستهلاك المنخفض للغاية للطاقة وسرعة الحوسبة والقدرة العالية على تخزين المعلومات في مضاهاة لعمل الدماغ البشري.
الذكاء الاصطناعي ـ أداة الهيمنة في عالم الغد
رصد مشروع أمريكي طموح استثمارات قدرها 170 مليار دولار لأغراض البحث العلمي والتطوير في مجال التكنولوجيا الدقيقة، كالذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات. وتخوض الصينحربا اقتصادية وتكنولوجيا مع القوى الغربية والولايات المتحدة بالتحديد انفجرت على شكل معارك تجارية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وتشكل واحدة من القضايا النادرة التي تبناها الرئيس الديمقراطي جو بايدن بعد سلفه الجمهوري. وهي تحظى بإجماع واسع في الكونغرس لبعدها الاستراتيجي.
وبات واضحا أن من سيفوز في السباق نحو تكنولوجيات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي سيكون اقتصاد العالم الأول. وينص المشروع الأمريكي على تخصيص مبلغ 52 مليار دولار على مدى خمس سنوات لتشجيع الشركات على تصنيع الرقائق وأشباه الموصلات في الولايات المتحدة. وتعتقد واشنطن أن المنافس الصيني يستثمر ما لا يقل عن 150 مليار دولار لتطوير تقنيات المستقبل.
حسن زنيند