التمويه: هل تساعد التكنولوجيا في التخفي الحقيقي؟
قد تلهمنا قدرة الأخطبوط على التخفي لاختراع مواد يمكنها أن تخفي الأشياء تقريبا. لكن، كما يوضح فيليب بول، فإن تاريخ التمويه وفهمنا المحدود لكيفية تخفي المخلوقات في الطبيعة قد يجعلا المهمة أصعب مما تبدو عليه.
Table of Contents
هل سنكتشف عوالم أخرى؟
إذا كان التقليد أصدق أشكال الإطراء، فنحن البشر نكون قد بذلنا قصارى جهدنا في إطراء الحيوانات على مدى قرون. يرى المهندس المعماري الروماني فيتروياس أن الناس اخترعوا المنازل عن طريق محاكاة أعشاش طائر السنونو.
وفي العصر الحديث، توصلنا إلى تصميمات جديدة لطائرات بأجنحة ذات أشكال متغيرة في محاكاة لخدعة تقوم بها بعض الطيور.
كما صنعنا مواد لاصقة يمكن إعادة استخدامها عن طريق محاكاة البنية المجهرية لقدم حيوان أبو بريص (أو الوزغة). والآن، وبعدما رأينا كيف يستطيع كل من الحبار والأخطبوط تغيير لونهما حسب لون البيئة المحيطة، فقد بدأنا محاكاة ذلك أيضا.
تمويه جديد
كشف النقاب الشهر الماضي عن “تمويه جديد للتأقلم مع البيئة المحيطة” يمكن أن ينتقل بين اللون الفاتح والغامق. وبدأ الصحفيون على الفور التكهن بالأهمية المحتملة لمثل هذا التمويه في إخفاء المركبات العسكرية أو الأفراد.
لكن، ما مدى معرفتنا بالفعل بطريقة وأسباب استخدام الحيوانات للتمويه؟ وهل ستكون التطبيقات العسكرية هي المجال الأمثل بالفعل للاستفادة من هذه المواد القادرة على التكيف مع البيئة المحيطة؟
اخترع عالم المواد جون روجرز وزملاؤه من جامعة إيلينوي في مدينة “إربانا شامبين” التمويه الجديد القادر على التكيف. ولإنتاج الأشكال القادرة على التكيف، بدأ الباحثون طبع شبكة من الخلايا على قطعة من البلاستيك الرقيق.
وتحتوي الخلايا، التي يصل قطر كل منها ملليمتر واحد، على صبغة متغيرة اللون مدمجة في مادة البوليمار. ويصبح لون الصبغة أسود في درجة حرارة الغرفة، ولكن عندما تسخن إلى درجة 47 مئوية، يتغير تركيبها الكيميائي وتصبح شفافة. وإذا بردت ، يصبح لونها أسود مجددا.
وتستخدم المادة الجديدة الصبغة لتحاكي الألوان في المناطق المحيطة. ووضع الباحثون في زوايا كل خلية أجهزة صغيرة لاستشعار الضوء تسجل مقدار الضوء الذي تتعرض له الخلية.
وتستخدم هذه الإشارة في التحكم في التيار الكهربائي الذي يساعد على تسخين الصبغة. وإذا سلط الضوء على تلك المادة، يصبح اللون الأسود شفافا ويعكس تحته مادة عاكسة تميل إلى اللون الفضي.
كانت النتيجة ببساطة مماثلة للطريقة التي يعمل بها جلد الأخطبوط. والفكرة الأساسية هي أن تلك المخلوقات تستخدم جزيئات من الجسم حساسة للضوء في الجلد لتسجيل كمية الضوء القادم من المنطقة الموجودة أمامها، ثم تستخدم تلك المعلومات لتغيير مظهر الخلايا متغيرة اللون. وفي الواقع، يمكن لجلد الأخطبوط أن يتجاوز محاكاة لون محيطه، إذ يمكنه حتى أن يحاكي تركيبه، لكن النسخة الصناعية الجديدة تمثل بداية رائعة.
لكن، ما الهدف من هذه البداية؟ لقد دعم مكتب الولايات المتحدة للبحوث البحرية أبحاث روجرز، مما يشير إلى أن الجيش يرى أن هناك إمكانية لاستخدام نتائج أبحاثه في المجال العسكري. لكن في واقع الأمر، فإن التاريخ العسكري الطويل من التمويه شهد فترات نجاح وفشل.
يحتاج التمويه العسكري إلى التناغم مع البيئة، وإلا فإنه سيكشف أكثر مما يخفي.
تاريخ من التمويه
منذ الأيام الأولى من استخدام التمويه، وهو التعبير الذي استخدم أثناء الحرب العالمية الأولى والمأخوذ ربما من الكلمة الفرنسية العامية “كاموفلير” وتعني الإخفاء، كان من الواضح أن المشكلة لأي نمط ساكن من التمويه هي أنه يعمل بشكل جيد مقابل الخلفية الصحيحة فقط.
وكان أحد الأسباب التي أثارت جدلا حادا بين أوائل المتخصصين في التمويه، بشأن أفضل طريقة لإخفاء السفن الحربية، هو أن ما يمكن إخفاؤه تحت السماء الرمادية التي تأخذ شكل الفولاذ (الطقس الضبابي) في شمال المحيط الأطلسي قد لا يكون مجديا في منطقة البحر المتوسط.
قد يبدو ذلك واضحا، لكن بالنسبة للجيوش النظامية فإن مجرد ذكر كلمة تمويه كان يبدو وكأنه الحل السحري “للإخفاء”. فالتمويه المصمم لساحات المعارك الموحلة المليئة بالأشجار في شمال أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية كان يستخدم أحيانا وبشكل مباشر في الحملات العسكرية في الصحراء أيضا.
وقد يعتقد أنه إذا أراد حيوان أن يخفي نفسه سيحاول أن يمتزج مع محيطه كما تفعل العثة التي يمكنها التخفي في شكل ورقة شجر ميتة.
إلا أن بعض علماء الحيوان الذين يقدمون استشارات للجيش أشاروا إلى أن العديد من الأشكال التي تأخذها الحيوانات للتمويهعلى ما يبدو لا تهدف إلى جعل هذه الحيوانات غير مرئية. بل على العكس من ذلك، فإن هذه الأشكال هي أنماط تمويه مرئية بشكل لافت، مثل الخطوط السوداء والبيضاء التي تميز الحمار الوحشي.
ويبدو أن هذه الوسائل تكون فاعلة من خلال إحداث نوع من الإرباك لدى رؤيتها، أو ما أصبح يعرف بـ”الإبهار” أو “تمويه الحركة”، التي تلجأ إليها الحيوانات للتخفي من الحيوانات المفترسة.
تمويه الابهار
استخدم بعض مسؤولي البحرية في الحرب العالمية الأولى خطة التمويه بالإبهار، وأدخلوا إلى الخدمة سفنا حربية رسمت عليها ألوان على شكل خطوط الحمار الوحشي، لكن لم يتضح مطلقا إلى أي مدى كانت هذه الخطة ناجحة في إرباك العدو. بيد أن علماء الحيوان يعتقدون الآن أن خطوط الحمار الوحشي لا تهدف إلى تمويه الحيوانات إطلاقا، إلا أنها تطورت لمنع الحشرات اللاسعة من الاقتراب منها، ومع ذلك، فإن تمويه الحركة فكرة لا تزال قائمة.
ربما يصبح نظام يتمتع بالمرونة مثل نظام روجرز، للألواح متغيرة اللون، هو الذي يبحث عنه الجيش دائما. فإذا استطاع الباحثون إتقان فن نسخ الألوان بدلا من استخدام اللونين الأسود والأبيض، وهو أمر يعملون على إنجازه حاليا، فإنهم قد يتمكنوا من إيجاد مادة واحدة تساعد في الوصول إلى نوع حقيقي من التخفي عن طريق محاكاة تامة لمظهر محيطها في أي بيئة.
بإمكان جلد الأخطبوط التحول ليمتزج مع محيطه. غير أن روجرز وزملاءه ليسوا الوحيدين الذين يحاولون تحقيق هذا الهدف.
فقد حدد عالما الحاسوب الإيطاليان فرانكو زامبونيللي وماركو مامي المتطلبات لصناعة مادة مغلفة بمصابيح “إل إي دي” مصغرة وكاميرات يمكنها أن تحقق التخفي الحقيقي من خلال تسليط صورة الخلفية المناسبة من جميع الاتجاهات. ويقول الاثنان إن التكنولوجيا الحالية قادرة تقريبا على تنفيذ هذه المهمة، ويقدران كلفة بناء نموذج أولي لهذا المشروع بأقل من 500 ألف يورو.
ويفكر آخرون بتحقيق نتائج أكبر للتخفي عن طريق استخدام نفس مبدأ تسليط أضواء مصابيح إل إي دي، إذ حصلت شركة “جي دي اس اركيتكتس” المعمارية الأمريكية على موافقة لبناء ناطحة سحاب بارتفاع 450 مترا قرب سول في كوريا الجنوبية تحمل اسم “برج انفينيتي” وستكون مغطاة بكميات من مصابيح إل إي دي وأجهزة استشعار للضوء.
وستسمح هذه المصابيح، التي تعمل كشاشات تلفزيون عملاقة، نظريا باختفاء البرج وسط السماء عن طريق التقاط المعلومات من أجهزة استشعار الضوء على الجانب المقابل للمبنى. وتختلف هذه التكنولوجيا عن فكرة روجرز، لكنها تؤدي نفس الغرض وهو التمويه للتأقلم مع البيئة المحيطة.
مصدر الخبر