آخر الأخبارأخبار محلية

هل أسقط اتفاق وقف إطلاق النار المعادلة الثلاثية؟

بعد وقف إطلاق النّار الذي دخل حيز التنفيذ ، فإن الاهتمام منصب حول مآل الأمور في المرحلة المقبلة مع نشر الجيش اللبناني لقواته في جنوب الليطاني (نحو 10 آلاف جندي) بما يشمل 33 موقعا على الحدود مع فلسطين المحتلة، وتفكيك كل المنشآت العسكرية غير المرخصة والمعنية بصناعة السلاح في لبنان، ومصادرة كل الأسلحة غير المرخصة بدءا من منطقة جنوب الليطاني.









وفيما تشرف على مراقبة تنفيذ الاتفاق آلية ثلاثية قائمة مسبقا بين قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) والجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي، وسيجري توسيعها لتشمل الولايات المتحدة وفرنسا، وسترأس واشنطن هذه المجموعة، وصل أمس اللواء الأميركي المولج ترؤس لجنة المراقبة الخماسية لوقف إطلاق النار ورصد الخروقات، إلى لبنان وبرفقته الضابط الفرنسي عضو اللجنة، لعقد سلسلة لقاءات مع المسؤولين، على أن يلتقيا قائد الجيش العماد جوزف عون اليوم، وذلك تمهيدا لتشكيل لجنة المراقبة لاتفاق وقف إطلاق النار ومباشرة عملها لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية التي تهدد تطبيق الاتفاق.
لقد ترافق وصول عضوي اللجنة مع توسيع إسرائيل انتهاكاتها للاتفاق الذي تم التوصل اليه مع لبنان لوقف الحرب، حيث قصف العدو الإسرائيلي بعض القرى الحدودية في جنوب لبنان، في ظلّ تحليق الطيران الاستطلاعي المعادي فوق قرى قضاءي صور وبنت جبيل، وتهديدات رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو بالحرب مجدداً على لبنان، مشيراً إلى أنه “لم يقل إن ما يجري في لبنان هو وقف للحرب بل وقف لإطلاق النار وقد يكون قصيرًا”. وقال لقناة 14 الإسرائيلية “أصدرت تعليمات للجيش الإسرائيلي بالاستعداد لحرب واسعة النطاق في لبنان في حالة حدوث انتهاك”.

بات معلوماً أن إعلان وقف الأعمال العدائية والالتزامات ذات الصلة بشأن تعزيز الترتيبات الأمنية وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701، تضمن ثلاثة عشر بنداً تحدد آلية تطبيق هذا القرار والقرارات ذات الصلة 1559 و1680. ويبدو أن البند السابع من الاتفاقية الذي نص على أن الحكومة اللبنانية “ستوفر السلطات اللازمة للقوات المسلحة اللبنانية لمراقبة وإنفاذ أي دخول غير مصرح به للأسلحة والمواد ذات الصلة إلى لبنان وفي جميع أنحائه …. وتفكيك كل المنشآت غير المرخصة القائمة والتي تعمل في إنتاج الأسلحة والمواد…ومصادرة كل الأسلحة غير المرخص بها والتي تتعارض مع هذه الالتزامات”، قد عجل في طرح النقاش في وسائل الاعلام في ما يتعلق بسلاح الحزب، المعني بشكل مباشر في هذا البند وفقراته الثلاث.

وعلى الرغم من موافقة الحزب على مضمون هذه الاتفاقية أعلن أكثر من مسؤول فيه مواقف تتمسك بالسلاح، وقد كان واضحاً رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في مقالته في جريدة الاخبار عن إعادة طرح سلاح المقاومة كخيار في مواجهة المخاطر والتهديدات الاسرائيلية. واعتبر انه “يبقى السؤال المشروع عن ضمان التزام العدو بمُوجبات القرار، وهل من ضمانة سياسية يُمكن الرُّكون إليها؟!

ويقول: بكُلّ جرأة، نفترض أن الضمانة المُثلى هي في المعادلة نفسها التي أرغمت العدوّ مجدداً على وقف عدوانه وتيئيسه من إمكانية إخضاع إرادة اللبنانيين وانتهاك سيادة بلدهم.إنها معادلة الشعب والجيش والمقاومة، وإذا ما زال لدى البعض نقاش حول أصل هذه المعادلة أو حول تفعيلها، أو يقترح معادلة أخرى، فالحوار الوطني السيادي وحده هو السبيل الواقعي المُجدي لحسم هذا الأمر، والضامن لتعزيز الوفاق الوطني اللبناني”.

يتفق أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الدكتور وليد صافي، مع النائب رعد في أهمية تجربة المقاومة الإسلامية في مواجهة العدو الصهيوني وعقيدته القتالية وفي أن المصير الوطني والسيادة يجب مناقشتهما على قاعدة مراعاة المصالح الاستراتيجية الوطنية والمبادىء والحقوق القانونية والإنسانية، وفي أن التهديد المتواصل لسيادتنا الوطنية ولامتنا ولأستقرار بلدنا، مصدره عدو وجودي صهيوني توسعي له اطماع استراتيجية وعقائدية في لبنان، كما أنه يشير في حديث لـ”لبنان 24″ على أنه يتفق معه أيضاً على اهمية صياغة امننا الوطني على قاعدة صون البلاد استراتيجياً من تهديدات العدو ومخاطره الوجودية، وأن القرار الدولي الرقم 1701 الذي صدر في أعقاب حرب عام 2006 كان يُمثل نموذجاً لمُراعاة الحد الأدنى للمبادئ القانونية وللمصلحة الاستراتيجية الوطنية للبنان.

لكن صافي في المقابل، يختلف معه في قراءة العديد من المسائل، ومنها تغييب دور الدولة ومسؤوليتها في الدفاع الوطني والتي تعتبر إحدى وظائفها السيادية، إذ لم يرد كلمة واحدة عن الدولة في مقاربته. كما لم يتطرق لا إلى السياسة الدفاعية، ولا إلى السياسة الخارجية. ويرى أن المقاربة الأمنية والعسكرية لا تصلح بمفردها لحماية أي بلد لاسيما البلدان الصغيرة مثل لبنان والذي يقع على فالق جيوسياسي معقد. والسياسة والعلاقات الدبلوماسية وتأمين المظلة العربية والدولية هي بأهمية الاستعدادات العسكرية لحماية البلد. وصحيح أن القرار 1701 كما يقول النائب محمد رعد، يمثل نموذجا للمبادىء القانونية والاستراتيجية الوطنية للبنان، ولكن وفق قراءة صافي فإن اتفاقية الهدنة الموقعة بين لبنان وإسرائيل عام 1949، هي التي تشكل أهم المرجعيات القانونية التي تخدم الاستراتيجية الوطنية وتحمي السيادة الوطنية. وبالعودة إلى نصوص هذه الاتفاقية فإنها تعبر عن توازن دقيق للقوى في ذلك الوقت، بعكس ما فرض في اتفاقية وقف الأعمال العدائية التي وافق عليها حزب الله.

لقد قال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة إن الظروف أملَتْ من العام 2006 حتى العام 2023 إجراءً داعماً ومسانداً ل‍غزة بناءً على فهم المقاومة الإسلامية لمشروع العدو الصهيوني ومخاطر استهدافاته لغزة وما بعدها، وهنا يسأل صافي “ما معنى شعار جيش شعب مقاومة عندما تخوض هذه الأخيرة حرباً بقرار ذاتي دون تنسيق مع الجيش، وتغييب لدور الدولة، في الوقت الذي يعرف فيه النائب رعد أن لبنان غارق في أعتى انهيار مالي واقتصادي، وأن غالبية الشعب اللبناني لا يريد الحرب. وفي الواقع، تعلن الحروب في الدول بناء على فهم الدولة للمخاطر التي تحدق بها وبأمنها القومي، لا بناء على فهم “المقاومة” المتعارف على تعريفها بانها وسيلة لمواجهة الاحتلال، وليس هدفاً بحد ذاته. فالمقاومة الإسلامية تحولت إلى مشروع سياسي ما فوق الدولة وله ارتباطات اقليمية خارج العلاقات الدبلوماسية للدولة وسياستها الخارجية”، يقول صافي.

وعليه، يشدد صافي على أن “الدولة لها موقف رسمي في الصراع العربي الإسرائيلي وهي جزء من الموافقة العربية في قمة بيروت عام 2002 على “مبادرة الأرض مقابل السلام”، بينما ايديولوجية “المقاومة الإسلامية” ترتكز على إزالة إسرائيل من الوجود”، متسائلا: “على ماذا سترتكز معادلة “جيش شعب مقاومة”؟ على ايديولوجية المقاومة، أم على فهم الدولة لسياستها الخارجية ومتطلبات الأمن القومي اللبناني؟ إذا كان المقصود بكلام النائب رعد إعادة هذه “المعادلة” لتعمل فقط من أجل حماية السيادة اللبنانية والمصالح الاستراتيجية للدولة في مواجهة المخاطر الاسرائيلية، فإن هذا الأمر أصبح وراءنا بعد موافقة الحزب والحكومة مجتمعة على الاتفاقية”.

إن المطلوب اليوم، كما يؤكد الدكتور صافي، هو مناقشة سياسة دفاعية، وسياسة خارجية للدولة تؤمن مظلة حماية دولية وعربية، وتساعد على بناء جيش قوي وتسليحه، معتقداً أن تسليم الحزب لسلاحه الى الدولة اللبنانية، سيساهم في تعزيز قدرات الجيش، كما أن هذا الأخير سيستفيد من خبرة المقاومين إذا اندمجوا في وحدات الجيش وأصبحوا يعملون تحت عقيدة الجيش القتالية، ومعتقداً أيضاً “أن الحزب بحاجة إلى إجراء مراجعة نقدية لكل المرحلة التي سبقت وقف الأعمال العدائية، وأن يدرس لماذا انكشف أمنياً وعسكرياً بهذا الشكل المريع، وأن يعترف بالوقائع الجديدة التي نشأت من خلال نتائج هذه الحرب، وبانهيار السرديات القديمة كافة”، مضيفا: “القول “إن النصر يكون إذا حققت المقاومة أهدافها، أو اذ منعت العدو من تحقيق اهدافه”، لا يستوي مع ما انتهت إليه اتفاقية وقف الأعمال العدائية وملحقاتها السرية من شروط متعددة تبطل هذا القول بشقيه”.

ويرى صافي”أن الكيل بمكيالين، لا يستوي أيضاً حين يقال أن القرار 1701 يشكل أحد المبادئ القانونية التي تؤمن الاستراتيجية الوطنية، وتتم الإطاحة في المقابل بالقرارات المرجعية لهذا القرار اي 1559، و1680″.

ويقول صافي: “لنعد إلى ما أعلنه الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، “إن الحزب سيعمل تحت سقف الطائف”، وهذا أفضل القرارات التي اتخذت. فاتفاق الطائف واضح لجهة العودة إلى اتفاقية الهدنة، وبسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية بقواها الشرعية، وهذا ما أكدته اتفاقية وقف الأعمال العدائية. ليكن الحزب بعد هذه التجربة المريرة سنداً للبنان، للخروج من منطق الساحة إلى منطق الدولة القوية والعادلة. ولنبني معاً شراكة وطنية من خلال الدولة وبالاستناد إلى الطائف والدعم العربي والدولي. فالمصلحة الاستراتيجية للبنان تقتضي أن يبقى ضمن التضامن العربي، وأن لا يلتحق بمحاور تجعل منه متراساً في خدمة مصالح الآخرين”.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى