تصعيد سياسي وميداني.. هل سقطت التسوية الموعودة في لبنان؟!
Advertisement
ففجر السبت، استفاق اللبنانيون مذعورين، على صوت غارات عنيفة جدًا، تبيّن أنّها استهدفت منطقة البسطة في قلب العاصمة اللبنانية، لا في ضاحيتها الجنوبية، في استهداف هو الثامن نوعه لبيروت، قيل إنّ المقصود منه كان “اغتيال” شخصية رفيعة المستوى في “حزب الله”، ليتبيّن أنّ جلّ الشهداء الذين سقطوا هم المدنيين بعد سقوط مبنيين كانا يعجّان بالمدنيّين، فيما نفى الحزب وجود أيّ من قياديّيه أو مسؤوليه في المنطقة المستهدَفة.
وعلى وقع هذا التفجير في قلب بيروت، استمرّ التصعيد الميداني على كلّ الجبهات، من الجنوب إلى البقاع مرورًا بالضاحية الجنوبية لبيروت، التي تجدّدت فيها إنذارات الإخلاء والغارات، ليختلط مع تصعيد سياسيّ، بدأ باستهداف الجيش مباشرةً، قبل أن يستكمله الوزير الاسرائيلي السابق بيني غانتس بالدعوة إلى “العمل بقوة ضد أول الحكومة اللبنانية”، التي قال إنّها “تطلق يد حزب الله”، فهل يُفهَم من كلّ ما سبق أن التسوية “الموعودة” سقطت؟!
تصعيد لا يتوقّف..
هي لغة التصعيد في الميدان، تسود منذ أن غادر المبعوث الأميركي آموس هوكستين بيروت، متوجّهًا إلى تل أبيب، على الرغم من الأجواء الإيجابية التي أحاطت بالزيارة ونتائجها، والتي لم تتبدّد بعد لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإن لم تترجم إعلانًا سريعًا عن اتفاق، يقال إنّ بعض العقبات “اللوجستية” لا تزال تحول دون سلوكه حيّز التنفيذ، وإن كان البعض يعتقد أنّ عبارة “اللوجستية” تخفي رهانًا إسرائيليًا أكبر.
لكنّ هذا التصعيد وصل إلى ذروته في عطلة نهاية الأسبوع، مع رسالتين “دمويتين”، لا يمكن قراءتهما إلا بمنظور سلبيّ، أبعد ما يكون عن الرغبة الجدّية في التوصل إلى وقف إطلاق النار، بدءًا من استهداف منطقة البسطة المكتظّة في قلب بيروت، وما ترتّب عليه من مجزرة مروّعة بحق مدنيين نيام في بيوتهم، وصولاً إلى الاستهداف المباشر لأحد مراكز الجيش ، بما يضرب كل المساعي لتعزيز حضور الجيش في الجنوب.
وأبعد من الرسالتين الناريتين “السلبيتين”، لا يمكن القفز فوق التصعيد “السياسي” الذي برز بالموازاة، من خلال تصريحات عضو كابينت الحرب الإسرائيلي السابق بيني غانتس، ولو أنّه مستقيل، حيث قال إن الحكومةَ اللبنانية تطلق يد حزب الله، داعيًا إلى ضرب لبنان ومنشآتها بقوة، وهي رسالة لا يمكن أن تُفهَم إلا سلبًا في سياق المفاوضات القائمة لوقف إطلاق النار، بل تشكّل “تصويبًا مباشرًا” على الاتفاق بحدّ ذاته.
سقط.. لم يسقط
التصعيد الإسرائيلي قابله أيضًا تصعيد من جانب “حزب الله”، تجلّى في الساعات الأخيرة، مع تصعيد الحزب لهجماته الصاروخية، حيث أطلق خلال يوم واحد ما يزيد عن مئتي صاروخ على مناطق واسعة داخل إسرائيل، بينها ما كان موجّهًا نحو تل أبيب الكبرى، ردًا على مجزرة البسطة، وما سبقها من استهداف للعاصمة، وعملاً بمعادلة “تل أبيب مقابل بيروت”، وقد أسفرت الهجمات عن تسجيل العديد من الإصابات، فضلاً عن احتماء الملايين بالملاجئ.
لكنّ العارفين يشدّدون على أنّ “حزب الله” بتصعيده لهجماته ضدّ إسرائيل، لا يوجّه أيّ رسائل من هنا أو هناك، لكنّه يلاقي إسرائيل بالمبدأ الذي أرسته وأصرّت عليه، وقوامه “التفاوض بالنار”، ويؤكد على ما قاله أمينه العام الشيخ نعيم قاسم في خطابه الأخير، عن أنّ إسرائيل “تحت النار”، علمًا أنّ الحزب الذي أبدى انفتاحًا على الاتفاق من دون أن “يستجديه”، يبدو أكثر من “حَذِر” في التعامل معه، متمسّكًا بسقف حفظ السيادة اللبنانية في كلّ الأحوال والظروف.
عمومًا، يقول العارفون إنّ التصعيد الإسرائيلي وإن حمل رسائل “سلبية” من الاتفاق، لا يعني بالضرورة الإطاحة بالاتفاق ككلّ، باعتبار أنّ الاتصالات مستمرة خلف الكواليس، وثمّة من يعتقد أن كثافة التصعيد الإسرائيلي يمكن أن تُفهَم من زاويتين، إما “الضغط” من أجل رفع السقف التفاوضي قبل المصادقة على النص النهائي، وإما “استغلال” الأيام المتبقية لتحقيق ما يمكن تحقيقه، وربما لتعميم مشهد الدمار والخراب، خصوصًا في الضاحية والجنوب.
لا توحي تطورات الأيام الأخيرة بقرب وقف إطلاق النار، من ضربة البسطة، إلى استهداف الجيش، وصولاً إلى الغارات على الضاحية الجنوبية، ولو جاءت الأخيرة ردًا على تكريس “حزب الله” لمعادلة “تل أبيب مقابل بيروت”، لكن ثمّة من يصرّ على أنّ الأمل لا يزال موجودًا، وأنّ الاتفاق قد يصبح نافذًا في غضون أيام، وما الجنون الإسرائيلي المتزايد سوى “استغلال للوقت” لرفع السقف، وربما لتكريس “انتصار ما” أمام الجمهور!
مصدر الخبر
للمزيد Facebook