تكنولوجيا

كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟ – DW – 2024/11/24

وجه رجل يملأ نصف لوحة، ويشاهد في نصفها الآخر عين مضخَّمة. تهيمن درجات قاتمة من اللون الرمادي والبني والأسود على هذه اللوحة البالغ ارتفاعها 2.2 متر، والتي تعتبر صورة شخصية لعالم الرياضيات البريطاني آلان تورينغ (1912-1954).

للمرة الأولى، زاود المشترون في مزاد “دار مزادات سوثبي” في لندن على لوحة رسمها روبوت يتم التحكم فيه  بالذكاء الاصطناعي. وعندما دقت المطرقة معلنة رسو المزاد، تجاوز سعر الشراء – البالغ نحو 1.1 مليون دولار أمريكي (تقريبًا مليون يورو) – جميع التوقعات. فقد قدَّر الخبراء في دار سوثبي ثمنها بخُمس هذا المبلغ.

الفنانة الروبوت "آي-دا" في مدينة جنيف السويسرية وهي ترسم خلال قمة الذكاء الاصطناعي "القمة العالمية للذكاء الاصطناعي من أجل الخير" - 01.06.2024
تعتبر لوحة “إله الذكاء الاصطناعي” هي أول عمل فني لروبوت يشبه الإنسان تم بيعه في مزادصورة من: Lian Yi/Xinhua/IMAGO

ويبدو أنَّ تحفُّظهم لم يكن مبررًا. ولكن ماذا يقول هذا الحدث المثير في سوق الفن حول أعمال يتم إنجازها  بالذكاء الاصطناعي؟ وهل تستحق هذه الأعمال مثل هذه المبالغ؟ وهل تجعل الفن الذي يصنعه الإنسان متخلفًا عن الركب؟ والأكثر من ذلك كله: هل تعتبر أصلًا هذه اللوحة الجدارية – التي رسمتها الروبوت “آي-دا” (ويعني اسمها “إله الذكاء الاصطناعي” AI God) وقد عرضتها دار مزادات سوثبي في مزادها على الإنترنت – عملاً فنيًا؟

الجدل حول هذا الأمر بات مستمراً منذ أن تسببت تطبيقات الذكاء الاصطناعي الخاصة بالكلام والموسيقى والصور في إحداث ضجة كبيرة.

مَنْ هو الفنان؟

ومن بين الأشخاص الذين تفاجأوا بحدث هذا المزاد في لندن مدير دار مزادات “كونستهاوس ليمبيرتس” التقليدية في مدينة كولونيا الألمانية هنريك هانشتاين.

وقال هانشتاين في حوار مع DW: “لم أكن أتوقع حدوث ذلك”. ويعتقد أنَّ لوحات الذكاء الاصطناعي لا يمكن التسليم بأنَّها أعمال فنية. “فن الذكاء الاصطناعي يتم إنجازه بواسطة آلات، أي بأجهزة كمبيوتر تعمل ببيانات من أعمال فنية أخرى. ولا يمكنني تحمل ذلك”، كما يقول هذا الخبير في سوق الفن المشهور عالميًا.

وفي الواقع إنَّ لوحة “إله الذكاء الاصطناعي” قد تم إنجازها بيد إلكترونية بيولوجية، أي بيد روبوت: وفنانة الروبوت الآلي الشبيهة بالبشر “آي-دا” هي التي رسمت صورة آلان تورينغ الشخصية، والذي يعتبر بمثابة الأب لعلوم الكمبيوتر الحديثة، وهو بالتالي موضوع مناسب ضمن هذا السياق. والروبوت “آي-دا” تحمل اسم عالمة الرياضيات البريطانية آدا ليفلايس (1815-1852) وقد تم تطويرها في جامعة أكسفورد في عام 2019.

هنريك هانشتاين مدير دار مزادات كونستهاوس ليمبيرتس التقليدية في مدينة كولونيا الألمانية.
لا يريد هنريك هانشتاين أن يستبعد تمامًا أنَّ الأعمال المنجزة بالذكاء الاصطناعي يمكنها أن تكون فنًا، حتى وإن كان لا يعتقد أنَّ مثل هذه الأشياء يمكن أن يعرضها متحف.صورة من: Eventpress/picture alliance

وهذه  السيدة الروبوت الخالية من الروح ذات قصة الشعر “الكاريه” توجد لديها كاميرات في عينيها، ولديها ذراع آلية، ويمكنها أيضًا الكلام بفضل نموذج لغة يعمل بالذكاء الاصطناعي. وهذه الآلة التي يتم التحكم بها من خلال الخوارزميات سبق لها إنجاز العديد من الأعمال الفنية، بما فيها صورة شخصية للملكة إليزابيث الثانية (1926-2022). ومن أجل رسم صورة آلان تورينغ قامت برسم عدة صور تم تجميعها مع بعضها لتشكِّل صورة جديدة.

ولوحة “إله الذكاء الاصطناعي” هي أول عمل فني لروبوت يشبه الإنسان تم بيعه في مزاد، كما ذكرت دار سوثبي للمزادات: وسعرها القياسي يحدد “لحظة في تاريخ الفن الحديث والمعاصر” وهو يعكس “التقاطع المتزايد بين الذكاء الاصطناعي وسوق الفن العالمية”.

أما خبير سوق الفن هنريك هانشتاين فهو ينظر إلى ذلك نظرة أكثر تشككًا ويقول: إنَّ خبر “هذا المبلغ المكون من سبعة أرقام ينتشر بطبيعة الحال في جميع أنحاء العالم، ولكن يجب عدم المبالغة في تقدير ذلك، لأنَّه قد يكون مجرد صدفة”.

أعمال الذكاء الاصطناعي.. هل يمكنها أن تكون فنًا؟

ومع ذلك فإنَّ هنريك هانشتاين لا يريد أن يستبعد تمامًا أنَّ الأعمال المنجزة بالذكاء الاصطناعي يمكنها أن تكون فنًا – حتى وإن كان لا يعتقد أنَّ مثل هذه الأشياء يمكن أن يعرضها متحف.

يقول هانشتاين: “يجب علينا ألَّا ننسى أنَّ الفنانين استخدموا دائمًا أحدث الإمكانيات والتقنيات أيضًا، سواء انتقل ذلك من الخشب إلى القماش، ومن النحاس إلى الورق، ثم الأكريليك. أو خذ مثلًا الرسم في الهواء الطلق (في ظروف إضاءة طبيعية)”.

مطرقة المزاد فوق المكتب في فندق Mercure Tempelhof Airport في برلين في 13 نوفمبر 2005
دقت المطرقة في دار سوثبي معلنة رسو المزاد، الذي تجاوز فيه سعر هذه اللوحة جميع التوقعات.صورة من: picture-alliance/dpa

والفن يمكن أن يكون سابقًا لعصره، كما يقول: “هكذا كانت الحال مؤخرًا مع الرموز غير القابلة للاستبدال (NTFs) أيضًا. ولذلك فقد كانت هناك ضجة إعلامية وأسعار مجنونة”. أما اليوم، بعد أعوام قليلة فقط، ماتت – بحسب تعبيره – سوق الرموز غير القابلة للاستبدال و”أصبحت من الماضي”.

مسألة حقوق الملكية

وفيما يتعلق بفن  الذكاء الاصطناعي، يدعو هانشتاين إلى الصبر، كما ينصح في الوقت نفسه بتوخي الحذر: “يجب السماح بالتجارب”، حسبما يرى، ولكن يجب أيضًا أن نعرف وزن هذه التجارب بعناية، وعندئذٍ سيتضح ما الذي سيصمد ويستمر على المدى الطويل، كما يقول: “سوق الفن حساسة للغاية. وهواة الجمع والقيِّمون يعرفون النوعية بسرعة كبيرة”.

والأهم في رأي خبير الأعمال الفنية هانشتاين هو السؤال: مَنْ الذي يملك حقوق ملكية عمل فني تم إنجازه بالذكاء الاصطناعي؟ هل هو المبرمج؟ أم المُزوِّد؟ أم الفنانين الذين استخدمهم الذكاء الاصطناعي؟ ويتناقش حول ذلك أيضًا المعنيون بحقوق الملكية ويتجادلون منذ فترة طويلة. وفي هذا الصدد يتساءل هانشتاين: “مَنْ هو الفنان الحقيقي في فن الذكاء الاصطناعي؟”.

أعمال “خالية من لمسة الفنان”

وكذلك يبقى من غير الواضح في الوقت الحالي مَنْ الذي يستفيد من زيادة القيمة المالية للعمل. منذ نحو 20 عامًا في دول الاتحاد الأوروبي – وعلى العكس مثلًا من الولايات المتحدة الأمريكية – يسري ما يعرف باسم حق إعادة البيع، الذي يضمن حصول الفنان على قسم من الإيراد في حالة إعادة بيع عمله. ولكن كيف يجب التعامل مع ذلك في عمل منجز بالذكاء الاصطناعي لم يحدد صاحب حقوقه الفنية؟. “على الأرجح ستتولى المحاكم الآن تقرير ذلك”، كما يقول هانشتاين.

فن تم إنشاؤه بواسطة الشبكة العصبية، صورة تم إنتاجها باستخدام الذكاء الاصطناعي في عام 2022
أسئلة كثيرة تدور حول الفن المنتج بواسطة الذكاء الاصطناعي ما تزال من دون جواب.صورة من: picture alliance/Zoonar

بيد أنَّ خبير المزادات المخضرم هانشتاين يراهن هنا أيضًا وبشكل تام على إحساس هواة الجمع. “إذا كان لديك لوحة في مزاد ولا تحمل توقيعًا – ويمكن أن تكون لوحة رائعة – فإنَّ هذا يمثل عائقًا ويصبح من الصعب بيع العمل”، كما يقول. ويضيف أنَّ هذا ينطبق أيضًا على اللوحات المنجزة بالذكاء الاصطناعي.

وهذه الأعمال “خالية من لمسة الفنان”، كما يؤكد هانشتاين: “أشك في أن يكون الكمبيوتر قادرًا على الإبداع مثل فنان سابق لعصره. ولكنني أحب أن أتفاجأ”، كما يقول. ويضيف أنَّ ظهور فن الذكاء الاصطناعي لن يحدث ثورة في مفهومنا للفن ولا في سوق الفن.

أعده للعربية: رائد الباش


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى