سوق الفقراء للنازحين اللبنانيين.. المرج الشعبي يُبلسم المعاناة!
في ناحية أخرى من السوق، يقول علي ضاهر، وهو نازح من النبطية: “معاناتنا قاسية جداً تحاكي معاناة أهلنا في غزة، خرجنا من بيوتنا كي نحمي عائلاتنا من جحيم النار الإسرائيلية، وها نحن اليوم، وفي ظل التهجير القسري، نقصد الأسواق الشعبية في البقاع لرخص المعروض فيها من مواد غذائية وثياب، ولأنها تناسب وضعنا الاقتصادي المزري بكل المقاييس”.
وتشكّل الأسواق الشعبية في البقاع متنفَّساً اقتصادياً مهماً للمجتمع المحلي، ولآلاف النازحين الجنوبيين الفارّين من جحيم الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وهي تستقطب أكثر من نصف مليون نازح سوري لجؤوا إلى البقاع منذ عقد ونيف بفعل الأزمة السورية وتداعياتها أيضا.
والأسر الوافدة حديثاً، خاصة من الجنوب ومناطق جنوب البقاع الغربي، خرجت من منازلها وقراها تحت ضغط القصف الجوي والبري الدامي، فمنهم من وصل دون أن يتمكن من حزم حقيبة ثيابه، وآخرون تركوا أوراقهم ومستنداتهم الثبوتية، وكثيرون خلفوا وراءهم جنى العمر من أموال ومَصوغ يمكن أن يعينهم على مواجهة الأعباء الطارئة.
هذا الواقع فرض أعباء كبيرة وقاسية على مئات الأسر النازحة، فاحتضانهم ورعايتهم من المجتمع المضيف والجمعيات الأهلية والدولية، لم تكن كافية لتلبية حاجاتهم اليومية من لباس وغذاء ودواء ومستلزمات السكن المؤقت وغيرها.
ملاذ اقتصادي
وأضاف أنهم وجدوا في الأسواق الشعبية ملاذا مقبولا يساعدهم على ابتياع حاجياتهم الأساسية بأسعار تنافس الأسواق التقليدية والمحال والمتاجر، وتتناسب مع مدخولهم في ظل أزمة اقتصادية عارمة يمر بها لبنان، وغلاء أسعار السلع والمواد الغذائية والخضار.
وفي حديث للجزيرة نت، أوضح الجراح أن سوق المرج الشعبي يُعتبر من أقدم وأعرق وأغنى الأسواق الشعبية في لبنان. ويرجع تاريخ تأسيسه إلى مطلع القرن الماضي.
ووفقا له، يستقطب السوق كل الشرائح من أنحاء البلاد لأنه شكّل متنفسا ومنقذا لعشرات آلاف اللبنانيين، مقيمين ونازحين، خاصة من الجنوب، لكون حاجياتهم من مواد غذائية وخضراوات وثياب وأثاث منزلي معروضة بأسعار تشجيعية ومناسبة لظروفهم الاقتصادية الاستثنائية.
وينتظم السوق -حسب الجراح- يوم الاثنين من كل أسبوع من الخامسة صباحا حتى منتصف الليل، ويتولى المجلس البلدي تنظيم حركة المرور، كما تعتني شرطة بلدية المرج بإجراءات ميدانية حفاظا على سلامة العارضين والزوار.
ويُقدّر عدد زائريه بنحو 10 آلاف من مختلف الشرائح في الظروف العادية، و”تضاعف الرقم منذ بداية الاعتداءات الإسرائيلية ليقارب 20 ألفا” حسب رئيس بلدية المرج.
إقبال كبير
يقول هيثم قاسم صالح، وهو مستثمر في سوق المرج، إن الاعتداءات الإسرائيلية “الدموية” على الضاحية الجنوبية وبعض بيروت والجنوب والبقاع، أدت إلى دمار وتضرر بعض الأسواق الشعبية جزئيا أو كليا في محافظة النبطية، وسوق الخان في حاصبيا، والسوق الشعبي ببعلبك، وسوق الأحد ببيروت، فضلا عن أسواق “متواضعة” في مناطق تتعرض يوميا لاستهدافات إسرائيلية.
ويلفت صالح، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن أعدادا “مهولة” من نازحي بعلبك والهرمل ورياق وتمنين والجنوب ومشغرة، تقصد السوق الشعبي لاقتناء حاجياتها المختلفة بأسعار أقل من تلك الرائجة في المحال الكبرى. وتوقع ازديادا في الأعداد مع كل أسبوع في ظل توسع حركة النزوح بفعل توسيع الاحتلال الإسرائيلي لرقعة اعتداءاته التي باتت “تطال كل المناطق اللبنانية”.
وختم صالح: “قلوبنا على أهلنا النازحين، قراهم وممتلكاتهم، شهدائهم وجرحاهم، وكلنا أمل أن ينزاح هذا الكابوس عنهم وعن كل الشعب اللبناني، وعن أهلنا في فلسطين”.
أهمية
ولفت إلى أن الجمعيات والمنظمات العاملة في مجال الإغاثة “لم تستطع حتى اليوم تلبية حاجات الكم الهائل من النازحين، الأمر الذي دفع -ولا يزال- الآلاف منهم إلى سد بعض النقص الحاصل من هذا السوق الشعبي”.
ومثالاً على أصناف سلع تشهد إقبالاً غير مسبوق، قال الشموري “إلى جانب الحاجيات التقليدية من مواد غذائية وخضراوات وزيوت، سُجل إقبال كثيف على شراء ثياب وأحذية للشتاء، وفرش، وبطانيات، وسجاد شعبي، ومدافئ تشتغل بالمازوت…”.
من جانبه، يقول فارس العراقي، وهو صاحب بسطة، إن أعداد الزوار وحركة البيع في تزايد مستمر منذ أسابيع، ويربط ذلك بنزوح أهل الجنوب والبقاع الشمالي إلى منطقتهم التي أصبحت جغرافيا في الوسط تنعم بقسط من الأمان، آملا أن “ينزاح هذا الكابوس في أقرب وقت ممكن”. (الجزيرة نت)
مصدر الخبر
للمزيد Facebook